المهدي السجاري بلغت الميزانية الخاصة بقطاع التربية الوطنية 42 مليارا و245 مليون درهم. وتمثل الميزانية الخاصة بالموظفين، خاصة هيئة التدريس، نسبة مهمة من الميزانية العامة، تصل إلى حوالي 72%، و19% بالنسبة للاستثمار، فيما لا تتجاوز الميزانية الخاصة بالمعدات والنفقات 9%. أما قطاع التعليم العالي فقد خُصِّصت له ميزانية 9 ملايير درهم، وهو ما دفع وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي إلى التأكيد أن وزارته في حاجة إلى 5 ملايير درهم إضافية من أجل دعم ميزانية الاستثمار، التي لا تتجاوز قيمتها مليارا و200 مليون درهم. ورغم الميزانية المهمة المُخصَّصة للتعليم في المغرب، مقارنة مع قطاعات أخرى، فإن هذا المجال يبقى من أكثر المجالات تعثرا. فقد رسم تقرير صادر عن «يونيسكو» صورة سوداء عن واقع التعليم في المغرب مقارنة مع دولة مجاورة كتونس، ودول أقل تقدما في القارة الإفريقية، كمالاوي وبورندي.. وأشار التقرير إلى أن نسبة 10% من الأطفال الذين بلغوا السن التي تخوّل لهم الالتحاق بالتعليم الابتدائي لم يلتحقوا بالمدرسة في سنة 2009، مقابل تمكُّن تونس من تحقيق نسبة 100% من تمدرس الأطفال، وقطر بنسبة 98%، فيما توفقت دول، كمالاوي وبورندي، في تحقيق نسبة 100%.. واحتل المغرب الرتبة ما قبل الأخيرة في عدد الخرجين، بنسبة 46%، بحوالي 71 ألف خريج، فيما احتلت قطر المرتبة الأولى بنسبة 62%. وإذا كانت التقارير الدولية تصنف المغرب في مراتب متدنية، فإن واقع المنظومة التعليمية في بلادنا يؤكد خلاصات تلك التقارير بعد أكثر من 50 سنة من الإصلاح ومن إصلاح الإصلاح.. فبعد «المبادئ الأربعة» وندوات إفران وغيرها من اللقاءات، جاء مخطط التربية والتكوين، ثم المخطط الاستعجالي، الذي حاول إنقاذ الميثاق الوطني للتربية التكوين من الفشل. ويرى عبد الناصر ناجي، رئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم، أن البرنامج الاستعجالي فشل أيضا في تنزيل مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مع العلم أن هذا الميثاق كان يجب أن يُجدَّد، وأن نفكر ابتداء من 2009 في ميثاق وطني جديد، مشدّدا على «ضرورة التراجع عن المنطق التقني المحض وأن نفكر في منظومة تربوية تؤسس لمشروع حضاري للأمة المغربية». إن القراءة التاريخية لمشاريع إصلاح المنظومة التعليمية في بلادنا، في فترة ما بعد الاستقلال، تفرض تسليط الضوء على «المبادئ الأربعة» التي أعلنتها «اللجنة الملكية لإصلاح التعليم»، التي وضعها الملك الراحل محمد الخامس، للانكباب على إصلاح التعليم المغربي بعد خروج المستعمر من البلاد. وقد تمثلت هذه المبادئ التي أعلنها المغرب من أجل إصلاح منظومته التعليمية، أساسا، في تعميم التعليم وتوحيده وفي التعريب كأساس إستراتيجي، ومغربة الأطر العاملة فيه. فقد مثّل «تعميم التعليم» على الأطفال البالغين سن التمدرس (6-7 سنوات) تحدّيا أمام المكلفين بإعادة بناء المنظومة التعليمية، في ظل ارتفاع نسبة الأمية ومحدودية إمكانيات بلد خرج لتوه من قبضة المستعمر. وتمثل الجزء الثاني من الإصلاح في «توحيد المدرسة المغربية»، من خلال خلق «المدرسة الوطنية» عوض التعدد الذي وضعته الحماية الفرنسية، كالتعليم الإسلامي والتعليم الأوربي وغيرهما.. كما أن خيار «التعريب» كان الهدف منه هو جعل لغة تدريس جميع المواد التعليمية في المغرب هي اللغة العربية، فيما تمثل هدف «مغربة الأطر» في تعويض الموظفين غير المغاربة في التعليم بأطر مغربية، خاصة أن أغلب تلك الأطر كانت فرنسية. ورغم ما تحقق، إجمالا، بالنسبة إلى مبدأي توحيد المدرسة المغربية ومغربة الأطر، فإن خيّارَي التعميم والتعريب، إضافة إلى عناصر أساسية، كجودة التعليم، ظلت تشكل تحدّيّا حقيقيا للمنظومة التعليمية المغربية، في ظل برامج إصلاحية اتجهت نحو ما هو تقني -مادي في عملية الإصلاح، لتترك الجانب الجوهريّ في العملية ككل، وهو الاختيار المجتمعي للتعليم الذي يريده المغاربة. ومنذ 1957، عرف المغرب عدة برامج ولقاءات وندوات كانت تهدف إلى وضع تصور لإصلاح التعليم في المغرب. وقد جاءت محطة المعمورة (1963) لتشكل نقطة لإعادة النظر في المبادئ الأربعة التي سبق ذكرها، لتنطلق بعد ذلك سلسة من اللقاءات من أبرز سيماتها «الفشل» في وضع حد للنزيف الذي تعرفه المدرسة المغربية. ففي سنة 1977، أقدم وزير التعليم، آنذاك، عز الدين العراقي، على الانخراط في سياسة التعريب، بعدما اعتبر أن الازدواجية هي سبب ضعف مستوى التعليم.. لتنطلق بذلك أزمة أخرى، في ظل واقع يفرض على المتعلم أن يتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي باللغة العربية، فيما تم الإبقاء على اللغة الفرنسية كلغة للتدريس في عدد من الشّعَب والمدارس العليا ما بعد الباكلوريا. وبعدما تأكدت للجميع محدودية وارتجالية مختلف المشاريع الإصلاحية السابقة، جاءت سنة 1994، التي تمّت فيها الدعوة إلى الحوار والتشاور بشأن قضية التعليم، وتم تكوين لجنة من موسعة، ضمّت أعضاء من مجلس النواب وعددا من الفعاليات النقابية والتربوية والاقتصادية وغيرها، اختتمت سلسة مشاوراتها بتقرير عُرف باسم «وثيقة المبادئ الأساسية». وفي 1997، اعتمدت لجنة التربية والتكوين «الميثاق الوطني للتربية والتكوين»، الذي ركز، في جانب مهمّ منه، على الشق التمويلي للتعليم، من خلال التنصيص على تنويع الموارد وإسهام مختلف الفاعلين في المنظومة التعليمية ووضع النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية. ويعتبر ناصر ناجي أن المنطق الذي جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين هو منطق تقني -اقتصادي محض يريد أن يؤسس لنظام تربوي همّه الوحيد هو تكوين ما يكفي من الأطر للتنمية الاقتصادية للبلاد، وهذا المنطق الاقتصادي قام بتغييب الجانب الثقافي والحضاري والقيمي في المنظومة التربوية، وقطع مع التعليم الذي يؤسس لتنمية الذات وتنمية الشخصية لدى المواطن المغربي، بغضّ النظر عن قدرته على الاندماج بشكل جيد في المنظومة الاقتصادية للبلاد.. وهو واقع تؤكده التقارير التي جاءت بعد فترة من تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وأكدت فشل هذا المخطط، ليبدأ التفكير في وضع مشروع جديد سمته البارزة «إصلاح الإصلاح».. ففي سنة 2009، تم اعتماد المخطط الاستعجالي، الذي جاء بهدف إنقاذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين من الفشل، حيث تمّ تبنّي الشعارات ذاتها التي اعتمدها ميثاق 1997 من قبيل (الجودة -التعليم بالكفايات).. فيما عزز موقع القطاع الخاص ضمن خارطة التعليم في المغرب. لكن الخطاب الأخير للملك شكّل إعلانا صريحا عن «فشل» المخططات الإصلاحية السابقة، داعيا الحكومة الجديدة إلى التركيز على ضرورة النهوض بالمدرسة العمومية وتأهيل التعليم الخاص في إطار من التفاعل والتكامل.