من يتابع الإعلام الإسرائيلي هذه الأيام يلمس وجود حالة من الرعب تسود الأوساط الشعبية، وأخرى من الارتباك في دوائر صنّاع القرار، ونحن نتحدث هنا عن المجلس الوزاري المصغّر، صاحب الكلمة الأخيرة في مجالي الحرب والسلام. الرعب الذي نشير إليه متشعب الأسباب، فهناك عملية التغيير التي تتسارع في مصر بعد سقوط نظام الرئيس مبارك، الصديق الصدوق لتل أبيب، وهناك غموض يتعمّق على الجبهة السورية، بعد ترجيح معظم الآراء أن الصراع المسلح فيها سيطول ربما لأشهر أو حتى سنوات، أما الاستقرار في لبنان فقد بات على كف عفريت، والوضع فيه مهدد بالانفجار في أي لحظة. التهديدات الإسرائيلية بقصف المنشآت النووية الإيرانية بدأت حدتها تخف يوما بعد آخر، وبات بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي ملأ الدنيا جعجعة طوال الأشهر الأخيرة، يبحث عن سلم للنزول من الشجرة العالية التي صعد إليها في هذا المضمار. الجنرال ديمبسي، رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية، صدم الإسرائيليين الذين يقرعون طبول الحرب ضد إيران عندما قال في تصريحات أدلى بها أثناء توقفه في لندن، إن بلاده لا تريد أن تكون جزءا من أي هجوم إسرائيلي على إيران «في الوقت الحالي»، وتزامنت هذه التصريحات مع تسريبات صحافية تتحدث عن رسالة بعثت بها إدارة أوباما إلى إيران، عبر طرف ثالث، تؤكد عدم المشاركة الأمريكية في الهجوم وتطلب عدم ضرب قواعدها العسكرية في منطقة الخليج العربي. السلم الذي يريده نتنياهو حاليا للنزول عن شجرته هو تحديد الإدارة الأمريكية خطوطا حمراء واضحة لإيران: إما أن تمتنعوا عن تخصيب اليورانيوم، أو تواجهوا هجوما عسكريا ساحقا، وتحديد سقف زمني لهذا الإنذار. الإدارة الأمريكية تدرس احتمال الرضوخ لهذا الابتزاز الإسرائيلي، وقبل اللقاء المتوقع بين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما، على هامش دورة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في النصف الثاني من الشهر الحالي. هناك نظرية رائجة في الغرب تقول إن الأمريكان والإسرائيليين يتبادلون الأدوار، وإنه لا خلافات بينهم، أو أن هذه الخلافات هي بمثابة قنابل دخان مصطنعة، هدفها التضليل وتهيئة الأجواء لإنجاح عنصر المفاجأة في حال تقرر الهجوم. الرئيس أوباما لا يريد حروبا جديدة، وهو الذي وجد نفسه في تركة ثقيلة تورطت فيها بلاده في كل من أفغانستان والعراق، وهذا ما يفسر تردده في التدخل عسكريا في سورية استجابة لضغوط حلفائه الأتراك والعرب، ومشاركته على استحياء في قصف طائرات الناتو في ليبيا التي لعبت الدور الأكبر في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي. من استمع يوم الثلاثاء إلى أقوال السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، التي وردت في مقابلته مع قناة «الميادين» الفضائية، وجرى بثها يوم الاثنين، يستطيع أن يتفهم أسباب هذا التردد الأمريكي وحالة الرعب الإسرائيلية. السيد نصر الله قال بالحرف الواحد، وهو رجل لم نعهد عنه الكذب، إنه يعلم علم اليقين بأن القيادة الإيرانية اتخذت قرارا بضرب جميع القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج العربي في حال تعرض إيران لهجوم إسرائيل لتدمير منشآتها النووية. وأضاف أن أمريكا تتحمل مسؤولية مثل هذا العدوان، لأن إسرائيل لا يمكن أن تقدم عليه دون موافقة أمريكية. وما لفت النظر أيضا في هذه المقابلة تأكيد السيد نصر الله أن صواريخ الحزب ستصل إلى كل نقطة في إسرائيل، في حال شنها أي عدوان على لبنان، ولم يستبعد دخول قواته منطقة الجليل الشمالية، وهذا كلام غير مسبوق، ولم يرد على لسانه أو لسان أي مسؤول عربي من قبل. أمريكا تأخذ هذه التهديدات على محمل الجد، ومياه الخليج ستشهد في الأيام القليلة القادمة مناورات بحرية أمريكية ضخمة، تشارك فيها سفن حربية وغواصات وحاملات طائرات، تتركز حول نقطة أساسية وهي كيفية التعاطي مع أي خطوة لإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي في فم الخليج حيث يمر 17 مليون برميل من النفط إلى العالم. ولا نعتقد أن الإيرانيين لا يدركون حجم التفوق العسكري الإسرائيلي والقدرة التدميرية الأمريكية الهائلة، وقد تحدث حليفهم الأقوى في المنطقة السيد نصر الله عن هذه النقطة بوضوح عندما قال إن هناك استعدادا لامتصاص الضربة الأولى، سواء في لبنان أو في إيران، والرد بعد ذلك بالقدر نفسه أو أكثر من القوة. مؤسف أن يقف العرب متفرجين، وينتظرون مصيرهم المظلم مثل شهود الزور أو الزوج المخدوع، فأي حرب ستنفجر سيكونون وقودها، وأي اتفاق لتجنبها سيدفعون ثمنه غاليا من أمنهم وسيادتهم وجيوبهم. جميل أن تقلق إسرائيل وأن ترتبك واشنطن، نتيجة فقدانها لهيمنتها على المنطقة ومقدرات العالم بعد صعود نجم قوى استراتيجية عظمى توقفها عند حدها، وتلغي احتكارها لمنظمة الأممالمتحدة ومجلس أمنها، وتعيش عملية إذلال اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، تماما مثلما كان يفعل العرب والروس أثناء الحرب الباردة هربا من الفيتو الأمريكي-الأوربي المنحاز والحامي لإسرائيل. مللنا من إذلال هذا التحالف الإسرائيلي-الأمريكي المسلط سيفه على رقابنا منذ ستين عاما، ولعل الحرب لو انفجرت تكون الكي الذي هو آخر العلاج.