فقدان هذا القاضي والدبلوماسي، الذي توفي عن سن تناهز 76 عاما، يعد خسارة لوطنه المغرب، هكذا قال الملك محمد السادس في رسالته إلى عائلة الفاسي الفهري وهو يعزيهم في وفاة والدهم محمد الحبيب الفاسي الفهري الذي وافته المنية يوم الاثنين الماضي. الملك أضاف في رسالة التعزية، التي بدا من خلالها متأثرا بهذه الوفاة أن المغرب «فقد فيه أحد كبار خدام الدولة الأوفياء، الذين ضحوا بالغالي والنفيس، في سبيل توطيد أركان سلطتها القضائية الحديثة على دعائم الحق والعدل، وكذا لإرساء إشعاعها الدولي كدبلوماسي مرموق». وأكد أن أسرة العدل قد فقدت برحيله «هرما من أهرامها»، «مارس القضاء باعتباره أمانة ورسالة نبيلة، وليس مجرد مهنة أو وظيفة». ونعته الملك ب»القاضي الألمعي، وطنيا ودوليا»، مضيفا أنه كان أستاذا كبيرا ومحترما، «اعتبر بالنسبة إلى أجيال متعاقبة من رجال القضاء والقانون، شخصية حقوقية مرجعية، بثقافته المتضلعة في النوازل المغربية، وتكوينه المتشبع بالقانون المقارن». وذكرت تعزية الملك بأن الراحل مشهود له ب«الحكمة والحنكة والتجرد ومكارم الأخلاق، متحليا طيلة مساره المهني المشرف، بالكفاءة والنزاهة والمهنية العالية». مراسيم دفن هذا «القاضي المحنك والحكيم» جرت بعد عصر أول أمس الثلاثاء بالرباط في موكب جنائزي حضره مستشارون ملكيون والوزير الأول عباس الفاسي ووزراء في حكومته وبعض زعماء الأحزاب السياسية، وأعضاء من السلك الدبلوماسي، إلى جانب عدد من القضاة. جرت مراسيم دفنه بالزاوية العيساوية بالمدينة العتيقة بالرباط. محمد الحبيب الفاسي الفهري، نظر كثيرا في ملفات خروقات حقوق الإنسان بيوغوسلافيا السابقة، وأعد عنها الكثير من التقارير بصفته القاضي الدائم لدى المحكمة الجنائية الدولية التابعة للأمم المتحدة والخاصة بالنظر في هذه الخروقات. ولد هذا القاضي والدبلوماسي- أب الطيب الفاسي الفهري- وزير الخارجية المغربي، وعلي الفاسي الفهري المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء- سنة1932 بمدينة الصويرة. وتقلد خلال مشواره المهني عدة مناصب بالقضاء والإدارة والسلك الدبلوماسي، إذ عين في يناير1957 قاضيا بالمحكمة الإقليمية بالدار البيضاء، وبعدها نائبا للرئيس بنفس المحكمة في غشت 1960، قبل أن يعين وكيلا للملك في نونبر1962. وشغل منصب وكيل عام بالمجلس الأعلى سنة1971، ليصبح رئيس غرفة بهذا المجلس سنة 1986. وعين كاتبا عاما لوزارة العدل مرتين، على التوالي خلال الفترتين الممتدتين ما بين 1964-1971 و1976 -.1982 وعين سفيرا مفوضا فوق العادة للمغرب في اليونان في الفترة ما بين 1982 و1986. وفي سنة 1990 عين سفيرا مفوضا فوق العادة للمغرب بالنمسا، وممثلا دائما للمملكة لدى مكتب الأممالمتحدة بفيينا، ولدى منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي كان محافظا بها. كما تم تكليفه بمتابعة أشغال منظمة الأمن والتعاون في أوربا. وترأس الفاسي الفهري في سنة 1995 مجموعة تضم عدة شخصيات مرموقة مكلفة من طرف القمة السابعة لرؤساء الدول بتقييم وإعادة هيكلة وتحديد أهداف جديدة لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وفي مارس2001، عين من قبل الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان قاضيا دائما لدى المحكمة الجنائية الدولية التابعة للأمم المتحدة، الخاصة بالنظر في خروقات حقوق الإنسان بيوغوسلافيا السابقة. والراحل من الأعضاء المؤسسين لودادية قضاة المغرب. وكان قد كلف بإدارة المجلة التي كانت تصدرها هذه الجمعية من 1961 إلى 1985. وله عدد من الإصدارات، من بينها كتاب بعنوان «مسار العدالة المغربية». وتظهر شهادة المستشار الملكي محمد المعتصم مدى تأثر مستشار الملك في الشؤون القانونية بهذا الرجل. فقد قال في هذه الشهادة، التي بثت في النشرة المسائية الرئيسية ليوم الثلاثاء، إن محمد الحبيب الفاسي الفهري كان «من الرجال القلائل الذين أوكلت إليهم بكل كفاءة واقتدار مهمة بناء الصرح القضائي المغربي الحديث». ووصفه بالدبلوماسي «المحنك والقاضي النزيه» المتميز ب«نكران الذات» و»التواضع والشجاعة». أما ادريس الضحاك، رئيس المجلس الأعلى للقضاء سابقا والأمين العام للحكومة حاليا، فقد اعتبر أن الراحل يعد «واحدا من أعمدة القضاء المغربي».