قالها لي صراحة: كلنا مطبّعون؛ كلنا موقّعون على اتفاقية السلام، رأس الدولة مطبّع وكل رجال الدولة مطبّعون، وأجهزة الدولة مطبّعة ومواطنو الدولة مطبّعون. قلت له بكل ثقة: هذا كلام غير صحيح. طبعا، لم أنتظر حتى يسألني: «كيف؟... هل أنت أبله؟!»، وبادرت قائلا: هي لعبة السياسة؛ اللعبة التقليدية التي تدور بين الحكومة والمعارضة، بين الحكومة التي في السلطة والحكومة التي في الظل، إن صحّ التعبير، وبين الموقف الرسمي والموقف الشعبي. نحن -غير المطبعين- لا نأبه لما تفعله الدولة في هذا الشأن، فحتى وإن وقّعت الدولة معاهداتٍ تنصّ بنودٌ فيها على التعاون والمتاجرة وتبادل المعلومات والبضائع والمجرمين، فنحن -غير المطبّعين- لن نتعاون مع من يذبح شعبنا ولن نتاجر معه؛ لن نتيح له الوصول إلى معلومة أو بضاعة أو حتى مُجرم، ولن نطلب منه معلومة أو نستهلك أو نسوّق بضاعة من إنتاجه، ولن نقبل له حتى أن يلقي القبض على مجرمين نيابة عنّا. نحن -غير المطبعين- لن نكون مُطيعين، وسنجعل الدولة، أي رجالاتها، يدركون تماما معنى الحكمة القائلة: قد تستطيع جرّ الحصان إلى النهر ولكن لن تستطيع إجباره على الشُّرب. نحن -غير المطبعين- ندرك أن واجب الجماهير المقموعة، التي سيقت إلى النهر عنوة، ألا تسير في خطوط مستقيمة بخطى هادئة وهي تُنشد أو تهزج ببهجة؛ فأقل ما تفعله الضحية هو أن تُنغّص عيش القاتل بالصراخ والارتعاش والممانعة. ولكننا -نحن غير المطبّعين- لا يكفينا هذا... نعم، لم يعد يكفينا؛ فقد قرّرنا الانتقال إلى مرحلة الهجوم؛ بداية سنرفع وتيرة الصراخ والضجيج، ونزيد حدة الارتعاش والانتفاض، ونمعن في الممانعة والتمرّد، إلى أن نصل إلى مرحلة الخروج من طور رد الفعل إلى طور الفعل؛ لن نكتفي بعدم التعامل مع قتلة شعبنا ممن تلطخت أيديهم بدماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وجنودنا؛ لن نكتفي بنصح أهلنا من المطبّعين أو بتوبيخهم أو بضربهم على أياديهم كما يُضرب الطفل الصغير، ضربَ تربية، بل وسنكسر هذه الأيدي إذا ما أصرّت على أن تمتد بالمصافحة إلى أيدي عدونا. نعم سنفعل، وقريبا جدا؛ ولا أستغرب أن تتحرك الجماهير لتعرقل عمل مصنع يتعاون مع العدو الصهيوني، أو تعترض طريق شاحنات تنقل بضائع مستوردة منه أو مُصدّرةٍ إليه، لا أستغرب أن نضغط لسن قانون يُجبر المطّبع على وضع علامة «مُطبّع» في مكان بارز في متاجره ومقار عمله، كما يُجبَر مصنّعو التبغ على وضع صورة الرئة المهترئة على علب السجائر؛ إذ يجب علينا أن نقطع الطريق على من يغشّون الناس الذين يرفضون التطبيع، فيبيعونهم بضاعة أُخفِيت أوسمة صانعيها. لا أستغرب أن تسير حشود الشباب في الشوارع حاملة بخاخات الألوان لترشّ كلمة «مُطبّع» على أبواب المحال التجارية التي تعرِض بضائعَ قَدِمت من مصانع العدو الصهيوني، وعلى أبواب المحال التجارية التي تبيع للأعداء بضاعة أو تُقدّم إليهم خدمات تُيسّر لهم حياتهم؛ فعلى أعدائنا الصهاينة أن يعيشوا مشاعر الكراهية التي نكنها لهم كل لحظة، عليهم أن يعلموا أننا لا ننسى ولا نغفر، وأن النتيجة الوحيدة المقبولة لهذا الصراع هي أن نستردّ حقوقنا ونعاقبهم على جرائمهم، أو يفنَون، أو نَفنى. عليهم أن يعلموا أننا -نحن غير المطبعين- أقوياء ذاكرة، قساة قلب، مثابرون. رئيس تحرير مجلة «ناشرون» الأسبوعية