«لا تدعه يبقيك مستيقظا طوال الليل لأن اللغز لن تستطيع حله والأسئلة لن تجد لها أجوبة»، لكن في «أسرار غامضة طبعت التاريخ» نقوم بالإحياء الدرامي الدقيق لتلك الأسرار التي ألهمت الخبراء وأثارت اهتمامهم وأذهلتهم لقرون وعقود وجعلت من شخصياتها أساطير في الذاكرة. سوف نقوم بكشف حقيقة بعض الشخصيات الأسطورية من خلال اكتشاف أدلة ونظريات جديدة. تخيل نفسك «تطير» فوق الماء إلي أن يصبح، فجأة، أي اتصال باليابسة مستحيلا إذا ما مررت فوق «مثلث الموت».. عبر مئات السنين، اختفت بين مقاساته الجهنمية مئات المراكب والطيارات.. وما يزال لغزه الغريب يُحيّرنا حتى اليوم. لكنْ ما هو مثلت بيرمودا تحديدا؟ بحر من الأمواج أم دوامة طقسية أم قوة مغناطسية غريبة أم مجرد مخيلة أو تصورات؟ سنبحث في أعماقه ونحاول كشف كل الأسرار المخبأة تحت هذا الموضوع.. المياه الخادعة يبدو أن المياه الزرقاء النقية في المحيط الأطلسي هي أفضل مكان للاسترخاء.. لكنّ العين تخدعنا، أحيانا، فمع هذه «الجنة» هناك هذا المكان القاتل.. ثمة من يظنون أنه يستحيل الهرب منه، إنه مثلث بيرمودا، الذي غامر مئات الناس، على مر قرون، بالذهاب هناك ولم يعودوا أبدا.. ثمة سفن وطائرات «اختفت» دون أن تتمكن من إصدار أي نداءات استغاثة أو حتى تترك خلفها أي حطام.. يغطي مثلث بيرمودا مليونا 300 ألف كليومتر، من فلوريدا إلى بورتو ريكو، إلى بيرمودا.. ويغطي هذا المثلث أخطر مساحة في العالم وقعرَ محيط مخادع، بعد أن يكون أزرق وضحلا يتحول، فجأة، إلى خندق معتم.. سمعنا كثيرا من الإشاعات والنظريات عن اختفاء الطيارات الغريب وقدّم البحارة والطيارون تقارير عن أمور «غريبة» كانت تحدث هناك منذ مئات السنين. في 5 دجنبر عام 1945 كانت خمس طائرات من نوع «تي بي إم إفنجر» تستعد لمهمة تدريبية في محطة «فورت لودر داير»، البحرية الجوية، وقد عرفت هذه الرحلة بالرحلة التاسعة عشرة، وكان على رأسها تشارلز تايلر. بعد مدة، اتصل تايلر بمركز القيادة قائلا إنهم واقعون في مشكلة وإن البوصلات جميعها لا تعمل.. ثم بدأت إشارات التلقي تضعف ولم يعرف أحدٌ وجهة الرحلة التاسعة عشرة.. وفي غضون ساعات، اختفت 5 طائرات على متنها 14 رجلا.. فتّشت طائرات الإنقاذ في البحر والسماء طبيلة أيام، لكنْ لم يجدوا شيئا، إلا أن المثلث لعب، بسحره القاتل من جديد، واختفت طائرة إنقاذ لتكون الحصيلة اختفاء 6 طائرات و27 رجلا.. بدأت «الإشاعات» تنتشر بقوة وقيل إن قوة مغناطسية سيطرت على المُعدّات الإلكترونية وقيل إن السبب ضباب إلكتروني قاتل أو قد يكون سكان الفضاء قد سكنوهم.. خصص جون كويزار 15 سنة من حياته في البحث في الحوادث القاتلة لمثلث بيرمودا، ومنها الرحلة التاسعة عشرة. ألّف كتابا يتضمن كل النظريات عن المثلث ابتداء من المَركَبات الفضائية الجوية والمركبات الفضائية البحرية. ثمة أشخاص يقولون إن سكان الفضاء يفضلون التنقل عبر البحر.. قد يكون ذلك مُستبعَدا، لكنْ ثمة قصة تدل على سكان الفضاء وعمرها 40 سنة.. هذه القصة هي أساس موضوع المثلث.. في ليلة من إحدى ليالي دجنبر في ميامي، غادر شخصان على متن قارب «ويتش كرافت» في رحلة استجمام. وبعد فترة قصير، رأيا شيئا في الماء.. كان مَركَبهما قد فقد قوته.. اتصلا برجال خفر السواحل ووصفا لهم ما جرى بالتحديد.. في غضون دقائق اختفى المركب ولم يخلف وراءه جثثا أو حطاما.. في عام 1918 اختفت سفينة «يو إس إس سيكلوبس»، اختفت بلا أثر وأصبحت أكبرَ لغز في تاريخ البحرية الأمريكية.. لكنْ ثمة أشخاص نجوا بأعجوبة من المثلث، منهم كيري يرميثن»، التي وصفت ما حدث لها قائلة: «كنت أحلّق وكنت مرتاحة جدا.. فجأة، شعرت أن شخصا رمى شرشفا على طائرتي وغرفت في الظلام.. بدأت مصابيح الطائرة تضيء وتنطفئ والبوصلة تدور وبدأت أسمع طنينا في أذنيّ.. هل يمكن لظرف جوي أن يكون هو الذي عكّر صفو رحلة كيري؟ المثلث والعلم لقد حيّر المثلث العلماء على مر السنين، لكنْ إذا كنا نريد فعلا أن نفهم أسراره فإنّ أول مكان يجب أن نبحث فيه هو نجومه. إذا نظرتم إلى بوصلة في أوربا سترون أنها تشير إلى النجم القطبي، الذي يدعو إلى الثقة. ويعتمد البحارة على هذا الواقع منذ مئات السنين. لكنْ إذا أبحرتم عبر المحيط الأطلسي حتى أمريكا الشمالية ستفاجؤون كثيرا. من المؤكد أن كريستوف كولومبوس فوجئ وواجه صعوبة كبيرة لكي يقنع أفراد الطاقم بأنهم لن يقعوا في رحلتهم على «طرف العالم». لكن الأمور باتت أصعب حين وصلوا إلى مثلث بيرمودا وأشارت إلى البوصلة إلى ست درجات أبعد من النجم القطبي، كما ظهرت أضواء غريبة في السماء أكثر من مرة. لقد تم تناقل الأشياء الغريبة التي وقعت مع كولومبوس على مر مئات السنين، لكنّ كتاب تشارلز بورليت، الذي نُشر في سبعينيات القرن الماضي، والذي حقق أعلى المبيعات بفضل كشفه قصص الاختفاء الغريبة، جعلت الناس تنتبه أكثر إلى مثلث بيرمودا. بدأت نظريات غريبة تظهر وصار العلماء الذين يحققون في قوة المثلث يشُكّون في أنه ليس الوحيدَ في العالم. وجد العالم ساندرسن فكرة «الدوامات الشريرة». وصفها بأنها مناطق محيطية معينة مشهورة بالتيارات المائية العنيفة وبالتغيرات الحرارية الكثيرة والمشاكل المغناطسية، وأعنف دوامتين، في رأيه، هما مثلث بيرمودا ومكان اسمه «بحر الشيطان»، مقابل ساحل اليابان. نجح «بحر الشيطان»، الذي تحدُث فيه قصص اختفاء غريبة، في جذب الانتباه حين اختفت فيه -في اخمسينيات القرن الماضي- تسع سفن في سنوات قليلة.. اعتبر ساندرسن أن «الدوامات، وخصوصا «بيرمودا» و»بحر الشيطان»، محددة بمشاكل مغناطسية كبيرة قد تكون السفن التي تمر في هذه المنطقة تجتازها بتثبيت أجهزتها على موجة معينة في المنطقة، وقد يكون ثمة شيء يحدث في قلب الأرض ويسبب هذه المشاكل، وهذا الشيء لم نتمكن من إيجاد تفسير له». يمكننا إيجاد دليل على ما يجري في جو المثلث من قصة الطيار الهاوي بروس غيلبر. كان هذا الأخير (عام 1970) على مقربة من بيمني حين رأى غيمة غريبة من نافذته.. دخل وسط الغيمة و»تشوشت» أجهزته في دقائق.. «راديو ميامي.. أنا داخل شيء يشبه الضباب.. لم يكن مراقبو الرحلة يرنوه على الردار».. وكان عليه أن يخرج من الضباب لوحده.. تبيّنَ أن الطريق الوحيد ليهرب من تلك «الغيمة» هو فتحة على شكل نصف دائرة أمامه، وعندما دخل النفق بدأ هذا الأخير يضيق أكثر فأكثر، ثم لمعت أمامه أضواء بيضاء.. لكنه لم يكن عالقا في وسط عاصفة، وكان كلما دخل النفق «غرق» أكثر وأقفل على طائرته.. قال بروس: «كانت الأضواء أشبهَ مصابيح الوقت.. كانت على هيئة خطوط، وعندما خرجت منه رأيت النفق ينهار ويختفي ويدور في وسط عقارب الساعة.. خارج الغيوم وجد بروس نفسَه في ضباب إلكتروني، وكانت مُعدّاته الملاحية لا تعمل بشكل جيد.. وأخيرا، أبلغه برج المقاربة أنه قريب من ميامي.. على بعد 120 كيلومترا رأى يابسة.. أسطورة أم زيف؟.. بالعودة إلى حادث «ويتش كرافت» فإن المعاينة عن قرب تؤكد أن الطقس لم يكن هادئا على الإطلاق في ذلك اليوم.. كانت هناك الكثير من العواصف في تلك الليلة ولم يكن الشخصان اللذان على متن المركَب في المكان الذي حدداه. لقد وصل رجال خفر السواحل بعد 19 دقيقة من إطلاق النداء الأخير ولم يجدوا شيئا.. ومن المستحيل أن يغرق قارب في 19 دقيقة دون أن يترك أثرا.. أكد عالم في البحار أرثر مريانو أن هناك تيارا قادرا على التشتيت الهائج، وهو المسؤول عن جر المركبات وتشتيتها، وأن الاختفاء يعود إلى الأخطاء البشرية وإلى الطقس السيء. قد لا تغلق القضية.. وما دام الاختفاء مستمرا ستكبر أسطورة مثلث بيرمودا أكثر فأكثر، لكنْ هل صحيح أن أكبر ألغاز المنطقة يكمن في الطقس الرديء والحظ السيء؟..