قال"مارتن لوثر كينغ"في يوم من الأيام :"المصيبة ليست في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار".كما صرح المجاهد الكبير عمر المختار:"لئن كسر المدفع سيفي،فلن يكسر الباطل حقي". إننا أمام مقولتان لرجلان وهرمان في التاريخ الإنساني خبرا معنى خيانة الصمت والتواطؤ والقبول بالواقعية الاستسلامية إلى حد المهانة والانبطاح. لا يمكن لنا إلا أن ناخذ العبرو الدروس من هاتين المقولتين لتحليل هذا الواقع السريالي وهذه المرحلة التاريخية التي يمر بها المغرب ذلك أن أغلب الظواهر التي عرفها التاريخ المغربي الحديث عصية عن الفهم.وسأبدأ بالعشرية الأخيرة التي بدأت بورش العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية،فأغلب التجارب على الصعيد العالمي عرفت –بعد تطبيقها للعدالة الانتقالية –قطيعة مع الاستبداد والطغيان وأعادت الكرامة للمجتمع على حساب الدولة وظهر جيل جديد أصبح يثق في المؤسسات وفي دولة الحق والقانون.أما في المغرب فبعد هيئة الإنصاف والمصالحة التي قامت بتبييض التاريخ الأسود للدولة الحافل بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والاستبداد ونهج سياسة التحكم والريع وشراء الو لاءات،فقد أفرزت لنا جيل فقد كل الثقة في المؤسسات بسبب عدم التزام الدولة بتفعيل توصيات العدالة الانتقالية،و الذي كان سببا مع عدة أسباب أخرى لنشأة النواة الأولى لحركة 20 فبراير والتي بدورها علق عليها العديد من المواطنين أمالا كبيرة للانعتاق من كل القيود ومظاهر الاستبداد حاملين بذلك شعارات نبيلة هي الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية،لكن للأسف تم إجهاض هذا الحلم الجميل وحل محله أشباح أصبحت تطاردنا في كل مكان.كما أفرزت هذه المرحلة نخب نكرة في التاريخ السياسي المغربي أصبحوا يتحكمون في جميع مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.يستمدون قوتهم الورقية من درجات ولاءاتهم وتنازلاتهم أردت أن أبدأ بهذه المقدمة حتى أبين بأن تراكم خيانة الصمت وتحويل الباطل إلى حق يجعل من الاستبداد أخطبوطا يصعب التحكم فيه أو إيقافه لانه يتحول إلى ثقافة وعرف يتعايش مع المجتمع بكل سلام وطمأنينة. سأعطي بعض الأمثلة والنماذج لنصوص قانونية صدرت مؤخرا بإجماع كل النخب السياسية في المؤسسة التشريعية والتي لم تكن عند حسن تطلعات الشعب المغربي هذا فضلا على خيانة الصمت التي شرعنت هذه النصوص. سأبدأ بالقانون الخاص بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري،فمنذ بدأ النقاش في البرلمان حذرت في مقال نشر بجريدة المساء من خطر إفراغ هذه الاتفاقية من مضمونها الحقوقي المرتبط بضحايا الاختفاء القسري وقلت بأن المصادقة على هذه الاتفاقية تتطلب جرأة سياسية لتفعيل مضامينها.لكن للأسف ما حذرت منه قد وقع حيث أن البرلمان صادق على الاتفاقية دون أجرأة بعض نصوصها وخصوصا المادة 31 من الاتفاقية التي تعطي للأفراد وعائلاتهم حق اللجوء إلى اللجنة المعنية بالاختفاء القسري فهي تنص على أنه "يجوز لكل دولة طرف عند التصديق على هذه الاتفاقية أو بعده أن تعلن اعترافها باختصاص اللجنة بتلقي وبحث البلاغات المقدمة من طرف الأفراد الذين يخضعون لولايتها أو المقدمة بالنيابة عن أفراد يخضعون لولايتها ويشتكون من وقوعهم ضحايا لانتهاك هذه الدولة الطرف لأحكام هذه الاتفاقية ولا تقبل اللجنة أي بالغ يهم دولة من الدول الأطراف لم تعلن هذا الاعتراف". هذه المصادقة الناقصة والتي تحفظت على مقتضيات المادة 31 بحيث لم يتم إعطاء أي إشارات ونية الدولة للتعامل الايجابي مع هذه المادة تذكرنا بالمادة 22من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والتي بقي المغرب متحفظا عليها زهاء عشر سنوات حتى جاءت هيئة الإنصاف والمصالحة وأقرت بضرورة رفع هذا التحفظ وبالفعل تم ذلك سنة 2006.هل سننتظر 10 سنوات أخرى حتى تتواضع وتتنازل الدولة المغربية وترفع التحفظ على المادة 31 من الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري ؟هذا ما سيكشف عنه المستقبل البعيد في وجهة نظرنا المتواضعة. النموذج الثاني من القوانين الذي فضلت أن أناقشه معكم وإحاطتكم بعيوبه هو القانون رقم 01.12 المتعلق بالضمانات الاساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة الملكية فقد سبق لي أن أبديت رأيا في هذا القانون وقلت بأنه غير دستوري ومازلت متشبتا بهذا الرأي رغم التعديلات السطحية التي تضمنتها المادة 7. وأتمنى أن تكون هناك جرأة لدى الفاعلين المعنيين بإحالة هذا القانون على المجلس الدستوري. للتذكير فهذا القانون صودق عليه بإجماع كل الفاعلين السياسيين وقد تفاجآنا كحقوقيين من هذا الإجماع لكن حيرتنا زالت عندما قرأنا الكلمة الافتتاحية التي تقدم بها الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بأدارة الدفاع الوطني بمناسبة عرض مشروع قانون رقم 01.12 أمام البرلمان والتي جاء في إحدى فقراتها "... يستمد مشروع هذا القانون مرجعيته الأساسية من الإرادة القوية والعزيمة الراسخة لصاحب الجلالة القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية في دعم الضمانات الممنوحة لكافة أفراد القوات المسلحة الملكية بكل مكونتها البرية والجوية والبحرية والدرك الملكي والحرس الملكي وتحقيق طموحاتهم وانتظاراتهم المهنية والاجتماعية...".إنه بالفعل التنزيل الصحيح للدستورفي الشق المتعلق بفصل السلطات وربط المسؤولية بالمحاسبة !!!؟؟؟ وبالرجوع إلى التعديلات التي عرفتها المادة السابعة من القانون أود أن أوضح بأن النقاش إنطلق مغلوطا منذ البداية حول هذه المادة لأن المادة السادسة من نفس القانون والتي لم يطلها التعديل هي التي تشرع الإفلات من العقاب من بابه الواسع،وهذا حسب اجتهادنا المتواضع.وذلك للاعتبارات التالية : نصت المادة السابعة المعدلة على "يتمتع بحماية الدولة العسكريون بالقوات المسلحة الملكية الذين يقومون تنفيذا للأوامر التي تلقوها من رؤسائهم التسلسليين،بالمهام القانونية المنوطة بهم داخل التراب الوطني،وفق الأحكام التشريعية والتنظيمية السارية المفعول..." يفهم من منطوق هذه المادة بأن القانون سيف على الجميع دون تمييز. لكن عندما نرجع إلى المادة السادسة فهي تنص على :الفقرة الثالثة..."يجب على العسكريين العاملين،و لو بعد تسريحهم من صفوف القوات المسلحة الملكية الالتزام بواجب التحفظ وكتمان أسرار الدفاع والمحافظة عليها في كل ما يتعلق بالوقائع والمعلومات والوثائق التي إطلعوا عليها أثناء مزاولة مهامهم أو بمناسبة مزاولتها وذلك بصرف النظر عن أحكام القانون الجنائي وقانون العدل العسكري ".اجتهادنا المتواضع يوحي من خلال السطر الأخير من هذه الفقرة بأن القوانين والتشريعات السارية المفعول (القانون الجنائي وقانون العدل العسكري)لن تطال هذه الفئة من العسكريين كما لم يحدد حتى الجهة التي يمكن لها ان تساءلهم. وهذا من بين العراقيل التي واجهت هيئة الإنصاف والمصالحة وجعلت الراحل ادريس بنزكري يصرح بأن هناك جهات أمنية رفضت التعاون مع الهيئة لكشف حقيقة بعض الملفات. وهنا سنجد مقتضيات المادة 128 من القانون الجنائي غير ذي مفعول قانوني،ووكيل الملك الذي يعطيه القانون حق إستدعاء الشهود ولو بالقوة العمومية في حالة الرفض،سنجد اختصاصاته مشلولة أمام هذا الغموض الذي يشوب المادة السادسة،و نتمنى أن تعطى توضيحات لتنويرو طمانة الرأي العام. الملاحظة الأخيرة على تعديلات المادة السابعة وهي عدم إدراجها التزام احترام القانون الدولي الإنساني النسبة للمهام القانونية المنوطة بهم داخل التراب الوطني،وذلك بالرغم من أن المغرب قد صادق مؤخرا على البروتوكول الثاني الملحق باتفاقيات جنيف الخاص بالنزاعات المسلحة الغير الدولية.و مجمل القول إننا بصدد تحولات وقوانين بطعم الاهانة لاعتقادي بأننا كجيل فوتوا علينا في ظل ربيع الديمقراطية الفرصة لإعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية وتطهير المجتمع من كل الأصنام والانتهازيين الذين ساهموا في استبلاد واحتقار المغاربة. والجميع يتحمل المسؤولية لأنه لما تم التنازل على حقيقة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، واعتذار الدولة والعفو على جميع الجلادين في الجرائم المدنية والسياسية،و كذا العفو على ناهبي المال العام ورموز الفساد،وتم السكوت على شيطنة وتدمير حركة 20 فبراير بأهدافها النبيلة لم يبقى لنا إلا الجهر بحقيقة عمليات النصب والاحتيال التي تمارس على هذا الشعب باسم الديمقراطية،وموعدنا أمام محكمة التاريخ لاننا لسنا مستعدين لتوقيع شيك على بياض خول مستقبل وكرامة وسلامة المواطنين خصوصا ان التاريخ افرز لنا جلادين من طينة اوفقير والدليمي وادريس البصري مازالت اثار جرائمهم على جبين هدا الوطن