سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«يأس» بوكرين من حكومة التناوب يدفعه إلى مراسلة منظمة العفو الدولية طالب بتدخلها لوضع حد لمعاناته الاجتماعية ونعت اليوسفي بQالاشتراكي الذي لم يؤمن بالاشتراكية»
محمد بوكرين المقاوم، والمعتقل السياسي الذي قضى 16 سنة في السجن خلال حكم الملوك الثلاثة (محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس)، فسمي معتقل الملوك الثلاثة، وشيخ المعتقلين السياسيين بالمغرب، شارك في التخطيط لعمليات جيش التحرير في فترة الاستعمار الفرنسي والإعداد للثورة المسلحة الأولى ببني ملال في مغرب الاستقلال سنة 1960، اعتقل مرات عديدة في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي قبل أن يتم اعتقاله في سنة 2007، وهو في سن الثانية والسبعين. كان أول من أعلن عن وجود معتقل سري اسمه تازمامارت. يعتبر من أشرس المعارضين في تاريخ المغرب المعاصر، الذي لم تزده السنون إلا إصرارا على مواقفه ودفاع مستميت عن قناعاته، إلى أن توفي في خامس أبريل من سنة 2010. عاش برئة واحدة بعدما فقد الأولى بسبب التعذيب في المعتقلات السرية، نعيد رسم مسارات الرجل ولمحات من حياته في هذه الحلقات: كان محمد بوكرين، كما أسلفنا، يؤمّن قوته اليومي من إعانات لمناضلين في الخارج، إضافة إلى ما كانت تؤمّنه بعض الاستثمارات الصغيرة الخاصة، كالفلاحة في أراض صغيرة يملكها في «تيحونا نايت أودير»، التابعة لجماعة «تيزي نسلي» اليوم في إقليمبني ملال وكذا ما يؤول إليه من المصبنة التي أنشأها في بني ملال من تعويض دية ابنه البكر «هزرمر»، قبل أن تفلس، وكذا من نصيبه من رخصة سيارة أجرة، قبل أن يستولي عليها صهره بصفة نهائية.. سيلجأ محمد بوكرين، أمام المماطلة التي عرفها ملفه الاجتماعي وأمام تولي عبد الرحمان اليوسفي مقاليد حكومة التناوب دون أن يعرف ملفه تحركا، إلى مراسلة منظمة العفو الدولية «أمنيستي»، في وثيقة نادرة كتبها محمد بوكرين بتاريخ 24 أبريل من سنة 1999، وهي رسالة مطولة يصف فيها واقع المغرب بالتفصيل وتاريخ اعتقالاته منذ بداية الستينيات، وهي الرسالة التي تحدّث فيها بوكرين عن المعتقلات السرية والعلنية التي مر منها، وعن تاريخ الحزب وتموجاته، قبل أن يسرد مأساته الاجتماعية لأول مرة.. كانت الرسالة بمثابة إشارة إلى فقدانه الأملَ في تسوية ملفه الاجتماعي بعد تولي اليوسفي مقاليد قيادة حكومة التناوب. يقول محمد بوكرين: «أجتاز مع أسرتي حاليا (سنة 1999) وضعية صعبة تكاد تكون خانقة، لولا ما نسميه عندنا التضامن العائلي.. منذ سنين وأنا أقاوم الرغبة في عرض وضعيتي على منظمة العفو الدولية وعلى هيآت دولية أخرى لحقوق الإنسان، لإيماني بأنني لستُ الوحيدَ بين آلاف الضحايا، بل ملايين الضحايا المتروكين لمصيرهم بدون مأوى قار، لكن مصير أبنائي وواجب الوقوف في صف الحق الإنساني وفي صف حرية وحقوق الأفراد، في زمن العولمة هذا، وهي حالة لا تسمح لي بالاستمرار في العزوف عن الكلام، لهذا أكاتبكم اليوم لأول مرة وكلي وعي أن لكل شيء ثمنَه، لسبب بسيط، لا يمكن الجمع بين المتناقضات: الاستفادة، من جهة، من الامتيازات التي يمنحها النظام لأذياله والحفاظ، من جهة ثانية، على لقب «المناضل» من أجل الحرية، لا يمكن القبول بهذا التناقض الذي يجعل «المصالح على اليمين والمبادئ على اليسار»، كما تعبّر عن ذلك، بسخرية، المقولة الفرنسية المأثورة». يذكر بوكرين في رسالته الجانب المتعلق بوظيفته بالقول: «عندما أفرج عني، في سنة 1976، حاولتُ استئناف عملي ظنا مني أن الإدانة لم تكتسِ طابعا يُجرّدني من حقوقي المدنية، ولا أدل على ذلك من كون اسمي ما يزال يُدرَج في «اللوائح الانتخابية»، رغم عدم استعدادي للمساهمة في تلك المسخرة ورغم أنني لم أتقدم بطلب في هذا الشأن، لكن وزير الداخلية إدريس البصري لا يتوانى، منذ ذلك التاريخ، في تسجيل اعتراضه على حقي في استئناف العمل، رغم التدخلات المتعددة التي قام بها عمال عمالة بني ملال». يواصل بوكرين التعريف بمأساته والانتقال بين ردهات المحاكم قائلا: «أضف إلى ذلك أن معامل السكر، هي الأخرى، لم تكن مانعا في رجوعي شريطة أن توافق وزارة الداخلية على ذلك، طالت الأمور على هذا النحو، وستخبرني الشركة (معامل السكر) في وقت لاحق بضرورة إخلائي السكن الذي أستقر فيه، والذي كان، على أي حال، ملكا لها، بعد إشعارات متكررة اشتكتني الشركة إلى العدالة، كما اتبعت أنا كذلك نفس النهج، أي لجأت إلى العدالة ليس لكوني آمل الرجوع إلى عملي، وكيف لي ذلك في بلد لا يوفر أي ضمانة من أي نوع كان؟.. ولكن فقط لكسب بعض الوقت، ظلت القضيتان تتنقلان بين المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف إلى أن وصلنا إلى مرحلة النقض والإبرام. كانت الشركة قد وضعت شكاية ضدي بسبب احتلال مسكن بدون وجه حق، وكنتُ قد وضعت شكاية ضد الشركة، التي حرمتني من حقي في استئناف عملي، لكن النتيجة كانت محسومة مسبقا لصالح شركة معامل السكر نظرا إلى تبعية القضاء، الذي يتمتع باستقلال نسبي عندما يتعلق الأمر بملفات مصنفة في خانة «الحق العام»، لكنه يفقد تجرده بمجرد ما تطرح على أنظاره ملفات سياسية أو نقابية، أي ملفات تخص جنحة الرأي، أضف إلى ذلك كون المغرب، ومنذ الاستقلال، قد نزع الصفة السياسية عن كل الجنح، لا وجود لمعتقلين سياسيين في المغرب، في رأي النظام، لأن كل المسجونين هم معتقلو «الحق العام»، ويلاحظ داخل السجن، مثلا، أن الحراس يتكلمون عن «معتقل ذي وضعية خاصة» بدل استعمال مصطلح «معتقل سياسي». يسرد بوكرين مسار قضية تهديده بالإفراغ قائلا: «لما قررت الحكومة، في سنة 1993، التخلص من البنايات التابعة لها، ببيعها، اقترضتُ دَيناً لأكون من المستفيدين من هذا الحق (الذي يُخوّل، حسب الظهير الصادر عن الوزارة الأولى، حق الأسبقية لامتلاك مسكن لكل من أقام فيه لمدة ثلاث سنوات، شرط أداء 20 % كمقدم أداء عن الثمن الإجمالي وتوزيع الباقي على 240 قسيمة شهرية على امتداد 20 سنة، في حالة العوز و180 قسيمة بالنسبة إلى الآخرين). وقوبل طلبي من طرف الشركة بالرفض هذه المرة أيضا، ولم أستفد من عملية التمليك هذه كباقي المستخدمين، بذريعة أنني لم أعد أمتّ لها بصلة. قمت بعدها بعدة محاولات، تُوِّجت في النهاية بتعاقد بين كل من وزير الصناعة والمدير العام لمعامل السكر (SUTA) وعامل الإقليم يسمح، حسب بنود الاتفاق، بالبيع بشرط إبعاد كل دواعي البطلان والضرر. وهنا وجدتُني في مأزق، إذ أدّيت 20 % كمقدم أداء، بينما تم توزيع ما تبقى من الثمن إلى أقساط تغطي 120 شهرا، بدل 240 قسطا، مع إمكانية إلغاء عملية البيع في حالة التأخير عن الدفع ولو لمرة واحدة». ولنقل الصورة كما هي للمنظمة الحقوقية الدولية التي بسط أمامها مظلوميته، يفصّل بوكرين في الوقائع بشكل مأساوي، بالقول: «تصوروا معي، شخص مجبَر على العطالة، محروم من جواز السفر، ممنوع من استرجاع عمله، لا معيل غيره لعائلته، المكونة من 9 أفراد، شخص تجاوز سن التقاعد لكنْ ما يزال مضطرا إلى إجهاد نفسه، بعد أن أدى 40 قسطا شهريا لدائنيه، ومساعدة أربعة من أبنائه على متابعة دراستهم، هذا غيظ من فيض من واقع حال مناضل، فيما يتحدث الجميع بدون استحياء عن التغيير وعن «حكومة التناوب» بقيادة وزير «اشتراكي» ظل يتحاشى، منذ سنة 1958، التلفظ بكلمة «اشتراكية»، لأنه لم يكن يؤمن بها.. خلاصة القول، وأمام عدم تمكني من الوفاء بالتزاماتي في أداء مستحقات الشركة الشهرية، وللأسباب الموضوعية سالفة الذكر، أطلب منحي مهلة تتيح لأبنائي إنهاء دراستهم، وعندها سوف تتأتى لي تصفية ديوني، بما في ذلك فوائد التأخير». لم يقف طلب محمد بوكرين، المُوجَّه لمنظمة العفو الدولية قصد التدخل، عند ملتمس التدخل لدى الدولة المغربية لتأخير أداء الأقساط الشهرية، بل يؤكد في الرسالة على المطالبة ب»التدخل العاجل لمنظمة العفو الدولية من أجل ربط الاتصال بالحكومة المغربية قبل اليوم الموعود لإفراغي من مسكني، والذي سيتم مباشرة بعد جلسة 3 ماي 1999 للمحكمة الابتدائية لمدينة الفقيه بنصالح لغاية تأجيل التنفيذ ودعوة سلطات بلادي إلى تمكيني من الحصول على جواز سفر، ودعوتها أيضا إلى تسوية وضعيتي بأثر رجعي (صندوق التقاعد، صندوق الضمان الاجتماعي، مساعدة راتبي).. ودعوة الدولة المغربية إلى تعويضي عن الضرر الصحي الذي لحق بي جراء مقامي القسري في مركز الاعتقال السري (A.I.A) وفي درب مولاي الشريف. كما أطلب تدخل منظمة العفو الدولية لتمكيني من التطبيب، سواء في المغرب أو في الخارج، كما أود لو يحضر أحد مبعوثيكم أو أطبائكم لمعاينة حقيقة الأمور».