إدمان البعض من النخب البائدة والبليدة والمستبدة على القصف السياسي والإعلامي الكثيف والمنسق بإحكام من قبل المتوارين خلف الستار الاستبدادي الرخو الذي يظنونه منيعا، ضد القوى الطامحة إلى إنجاز الإصلاح الجذري العميق في اتجاه التحويل الديمقراطي للدولة. وفي طليعتة تلك القوى حزب العدالة والتنمية، القائد لعملية الإصلاح السياسي تلك من موقع إدارة دفة القرار العمومي وتدبير الشأن العام المنبثق عن استشارة شعبية غير مطعون في صدقيتها السياسية والمجسدة لحكومة التناوب الثانية، قلت إن ذلك القصف والطرق من جهات تحالفت موضوعيا على صيانة معبد الاستبداد وحماية ديمومة التسلط، حفاظا على مصالحها وحقدا إيديولوجيا دفينا وأعمى، ليزيدنا إصرارا إزاء المكر وكدحا موصولا ضد الظلم لاقتلاعه من جذوره، لنحاول أن نقرأ معالم الانقلاب في الصورة كما تبدّت لي: خرق الدستور في التعيينات الأخيرة (تعيين جطو مثلا)؛ اتخاذ إجراءات تدبيرية تدخل في نطاق التدابير الاعتيادية والإدارية التي هي جزء من صلاحيات رئاسة الحكومة (قضية انهيار السكن بالبيضاء)؛ الإقدام على اتخاذ إجراءات زجرية؛ محاولة إرباك العمل الحكومي من خارج التشكيلة الحكومية ومن داخلها؛ تصوير الأمور في البلاد وكأننا إزاء قوس؛ الخرجات الإعلامية الكثيفة لرموز الاستبداد والعهد البائد؛ محاولة شيطنة العدالة والتنمية ونهج أسلوب محاولة العزل استعدادا لشن حرب شاملة عجزت أساليبهم البائدة عن إنجاز مهامها؛ الحديث عن عودة منطق الملكية التدبيرية؛ محاولة الوقيعة بين رئاسة الحكومة بقيادة العدالة والتنمية وملك البلاد باعتباره رئيسا للدولة له صلاحيات ضمانية وتحكيمية ورمزية ودينية كما هي متعاقد عليها في الدستور، ولرئاسة الحكومة صلاحيات تنفيذية تشمل أركان السلطة والدولة برمتها؛ محاولة البعض الدخول في اختصاصات الحكومة وإرباكها وانتزاعها؛ خلق تشويش على مستوى لغة الأرقام، بل وصل الأمر بالبعض إلى التحريض المدبر قصد إثارة العقبات والتشكيك في مصداقية العمل الحكومي؛ استعمال وسائل عمومية وأدوات الإعلام والإدارة وبعض النخب و..و.. للتشكيك في حيوية الانتقال الديمقراطي وللتلويح بإمكانيات الردة من جديد والانقلاب على مجمل المسار الديمقراطي والإصلاحي؛ نهج سبيل التخويف والإرعاب للنخب ولرجال الأعمال، لننظر في التصريحات المريبة لرئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب حول علاقة الاقتصادي بالسياسي والمال بالسياسة، وبالضبط دور الملك المستثمر، وموقفها من ذلك والذي بالتأكيد لا يمثل المقاولين ورجال الأعمال؛ محاولة خلق تقاطب على أرضية إيديولوجية لا على أساس حسم الصراع السياسي في اتجاه البناء الديمقراطي؛ جر الاتحاد الاشتراكي إلى لعب دور غير ديمقراطي في المرحلة مع بقية مكونات اليسار؛ استثمار التقاطبات الحزبية الداخلية والفشل على مستوى الديمقراطية الداخلية في مجمل الأحزاب (نموذج الاستقلال). لننظر في هذه الترسانة، في جملتها، ونحلل الوضع السياسي العام للبلاد في نسقيته.. إننا إزاء محاولات حثيثة للردة والنكوص، يدبرها ويخرجها عقل سلطوي مناور. إننا بصدد محاولات رسم الحكومة ك«بارشوك» سياسي، في محاولة لتفخيخها وتفجيرها، وفي تمجيد غير مفهوم من قبل بعض النخب السياسية لنمط الحكم الاستبدادي الناعم، من خلال التلميح إلى أننا شعب لا يستحق الديمقراطية وأننا أمة لا تحسن الاختيار. علينا أن ننظر إلى تطورات الوضع في سوريا وما يقع في مصر وتونس من دول الربيع الديمقراطي لنفهم جيدا أن قوى الاستبداد والمناهضة للإصلاح تعيد ترتيب صفوفها وتنظم كياناتها وتبحث لها عن تحالفات جديدة لاستعادة المبادرة بعيدا عن منطق الشعوب. كل هذا للفهم السياسي، لا للتحليل الفكري والاعتبار والنظر. لكننا لن نستسلم، سنظل مقاومين ممانعين للاستبداد وأوكاره ورموزه ونخبه ومنطقه، سنسعى إلى تكريس منطق الشراكة والتشارك والمصالحة والإصلاح، سعيا إلى إكساب شعبنا حظه وموقعه في اقتسام السلطة والثروة والنظام الرمزي والقرار، بروح التوافق التاريخي والتعاقد السياسي والاجتماعي، على أرضية صيانة الحقوق والحريات والتوزيع العادل للثروات والتوازن المنضبط بين المؤسسات السياسية والدستورية، وإقرارا لمبدأ المحاسبة والرقابة الشعبية، السلطة ليست غنيمة حرب، ولا ريعا من غير استحقاق، وليست أصلا تجاريا أبديا يحصن الحاكمين من الانتهاكات والتجاوزات، بل هي عقد تشارطي بين الحاكم والمحكوم، لا عقد إذعان وخضوع مطلق ومذل للكرامة الآدمية، لقد قالها عبد الإله بنكيران: سننجح ولن نستسلم، لن نستسلم ما بقي في الحياة متسع، هذا منطق التاريخ وقانون النصر، فهو صبر ساعة. حي على المقاومة السياسية، لا لروح الهزيمة والاستسلام والنكوص، حي على الكفاح الشعبي والنضال الديمقراطي لا للارتداد ولا للتردد والاشتباه. سيكون النصر حليفا للشعب ولخدام الشعب وللأوفياء إلى تطلعات الشعب ولذوي المصداقية الذين لهم ثقة في الشعب. فإذا عزمت فتوكل على الله.