تتحدث «المساء» في ركن «مهن وحرف في طريقها إلى الانقراض» عن مهن وحرف لم تعد تؤمن رزق أصحابها، بفعل التطور التكنولوجي والتغيرات السلوكية والحضارية للإنسان. كانت بالأمس الأسلوب الوحيد لتغطية مصاريف الحياة لدى العديد من الأسر المغربية بالمدن والقرى، علمها الأجداد للآباء والأمهات، وتوارثها الأبناء والأحفاد، الذين تشبعوا قرونا مضت بالمثل المغربي «تبع حرفة بوك يلا يغلبوك». مهن وحرف رأسمالها مواهب وذكاء وعتاد بسيط، كلفت الإنسان المغربي شيئا من الصبر والعزيمة، وربما بعضا من النصب والاحتيال، ومنحته بديلا غير مكلف، للحصول على المال والاحترام. وأغنت البعض عن التجارة والفلاحة والأعمال الوظيفية. لكن تلك المهن والحرف لم تعد لها زبائن الأمس. جولة قصيرة بالوسط المغربي، وخصوصا القروي منه، تجعلنا نلمس عن قرب واقع تلك المهن وحياة ممتهنيها، ونعيش معهم مرارة الاحتضار الذي تعيشه وسط مجتمع منشغل بالبحث عن الجديد والمستجد. تراجعت حرفة (الصفايحي)، صانع حدوات (صفائح)الدواب، وقل روادها بعد أن قل مستعملو الدواب، وانتشرت وسائل النقل والتنقل العصرية، من دراجات عادية ونارية وسيارات وشاحنات وحافلات وقطارات و... وبعد أن ولى زمن الحروب التي تستعمل فيها الخيول, وأصبحت هذه الحرفة، تمتهن في فترات معينة، وبمناطق نائية, تجعل ممتهنيها يبحثون عن بديل لها, أو دمجها ضمن مجموعة حرف وصناعات يدوية أخرى لتعزيز مداخيلهم المالية اليومية. فقط ظلت هذه الحرفة لصيقة بالأسواق الأسبوعية القروية، حيث لازال معظم القرويين يستعملون الدواب في تحركاتهم. وكذلك خلال فصل الصيف، حيث مواسم الأولياء الصالحين، ومهرجانات التبوريدا. ولو أن المعنيين بفن التبوريدا ورياضة الفروسية بكل أنواعها أصبحوا يوظفون تقنيين في هذا المجال وأطباء بيطريين، لضمان صحة وسلامة خيولهم. ف(الصفايحي) يعمد إلى نصب خيمة قريبة من اسطبلات الدواب والخيول، حيث يستغل تلك الفترات، للتمكن من كسب بعض الأموال، التي يصرفها طيلة السنة على أسرته. ونادرا ما تجد (صفايحي) يمتلك محلا خدماتيا, باستثناء حرفيي(الحدادة) الذين يؤدون خدمات متعددة، ولهم زبائن يختلفون، باختلاف نوعية الخدمات ومهارة كل حداد. وتصنع الحدوة عادة من الحديد أو الصلب وتختلف في شكلها وحجمها ما بين قطعة رقيقة من المعدن لخيول السباق إلى الحدوات الثقيلة ذات الأسنان الحادة للخيول التي تجر الأثقال في الغابات أو على الجليد. عرضها يتراوح بين 1.5 و 5 سم وسمكها 0.5 سم وطولها 2 سم تصنع على الساخن، لتأخذ شكل الحافر، بها ثقوب عددها 8 إلى 6، تستعمل لإدخال المسامير من معدن (الهند)، وإثبات الحدوة مع الحافر. تتراوح أثمنتها ما بين 5 و15 درهما للحدوة. وغالبا ما لا تتعدى مدة صلاحيتها ستة أشهر أو أقل. وربما قد تفسد تلك الحدوة بعد أيام فقط نظرا لطبيعة عمل الدابة ونوعية الأرضية المستعملة لسيرها. علما أنه ينصح بعدم سير الدواب (المصفحة) على الطريق (الكودرون)، وينصح بوضع (صفايح) مطاطية تصنع من العجلات المطاطية المستعملة للسيارات، لكي لا تتعرض للانزلاق، مثل (خيول وبغال الكوتشيات والعربات المجرورة) التي تتنقل يوميا بين شوارع وأزقة بعض المدن. وتختلف أشكال الحدوة حسب الغرض من استخدامها فتكون ذات ثقوب من جانب واحد في حالة مرض أحد جوانب الحافر أو تكون لها قطعة رقيقة في المقدمة تثبت في السطح الخارجي للحافر من الأمام تسمى (الشرارة)، وقد تكون مفردة أو مزدوجة. ويرجع استخدامها إلى القرن السادس قبل الميلاد .استخدم الرومان لخيولهم حدوات من الحديد مركبة في أحذية جلدية . وقد كانت صناعة الحدوات وتركيبها حرفة هامة قبل استخدام السيارات، وكان صانع الحدوات يعالج الخيول من أمراضها قبل ظهور الطب البيطري. والخرافة تجعل من الحدوة تميمة تجلب لحاملها الحظ السعيد. حيث كان الناس قديما يعلقون الحدوات أمام أبواب منازلهم لإبعاد ( العين وجلب الخير). ولازالت بعض الأسر تستعملها إلى يومنا هذا. ف(الصفايحي) الأصيل والمهني، يكون فنانا في انتقاء نوع (الصفيحة)، الملائمة، وصنعها بالشروط الموازية لكل دابة، ويستطيع أن يلعب دور الطبيب البيطري، الذي يعالج آلام وتوعكات الدواب، بمنحهم حدوات مناسبة ومريحة. فالحدوة تحمي قوائم الدواب التي تركض أو تستعمل كثيرا في خدمة الناس، أو في سباقات أو خيول التبوريدا. كما كانت تحمي خيول جيوش العرب قديما، وتمكنهم من الصمود أثناء الركض أو المواجهة. وتوضع على أرجل بعض خيول الركوب حدوات تثبت على مقدمة الحوافر لتساعدها في رفع أقدامها عاليا وتوضع على حوافر خيول السباق حدوة خفيفة من الممكن أن تتآكل بعد عدة سباقات وهناك حدوات توضع في الشتاء وأخرى توضع للخيول التي تجر عربات الجبال العالية وتكون لها حافظة الحدوة التي تساعد على حفظ الخيول من الانزلاق على الصقيع أو الثلج. ويستخدم (الصفايحي) مسامير خاصة لتثبيت الحدوة في الحافر. تختلف في أطوالها وأحجامها وأشكالها، والمسمار يتكون من رأس وعنق وساق وسنن. وعلى الصفايحي أن يحسن اختيار المسامير وكيفية إدخالها، لكي لا يصيب جوانب حساسة من قوائم الدابة، ويصيبها بألم أو جرح وتصبح عرجاء. ويتكون عتاد (الصفايحي) من عدة قطع يدوية، بداية بسكين الحافر ذات شكل خاص من الصلب تستخدم لتسوية الحافر، و مبرد سطحه خشن بدرجات مختلفة و شاكوش صغير(مطرقة) لدق المسامير، و كماشة حادة (ملقاط) لإزالة الحدوة القديمة وقطع مسامير الحدوة الجديدة عند البرشمة و سكين لقطع الزائد من الحافر بعد تثبيت الحدوة، و مطرقة لتعديل الحدوة لتلائم الحافر وسندان و(الصفايحي) صانع الحدوات، يطلق عليه كذلك اسم (البيطار). وتعني العامل الذي ينعل الخيل، وترجع هذه التسمية إلى أيام غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كانت تقف الخيول فى الرمال ولا تستطيع التحرك، ولما وضعوا لها (صفائح)، تمكنت من السير. فمع كثرة تحرك الدواب، يتآكل جلد حوافرها، فتتأذى أعصاب قوائمها أو تجرح، ويصيبها العرج. وحوافر الخيول وباقي الدواب تختلف وتتنوع. فهناك الحافر المسطح وهو ضعيف، تكون زواياه حادة يلتف على الجدر القرنية تنساب جدره وقد يكون سببه وراثي (خلقي ) أو نتيجة عدم ملاءمة تهذيبه أو عدم ملاءمة الحدوة الحديد، ويعالج بتهذيب الحافر وتركيب الحدوة المناسبة. وهناك حوافر ممتلئة تعالج بتركيب حدوة عريضة . وهناك حافر التيس أو الحافر المنحدر وينتج من أمراض مختلفة أو وراثية، ويتطلب حدوات مناسبة .والحافر المقوس الذي يتطلب التهذيب باستمرار .وغيرها من الأنواع التي تتطلب (صفائح) خاصة. ويبقى (الصفايحي) المتنقل عادة بين الأسواق الأسبوعية القروية أو الباحث عن مواسم التبوريدا، رهينا بعدد الزبائن الذي بدأ يقل سنة بعد أخرى. بسبب التطور الذي بدأت تعرفه القرى المغربية، حيث الغزو الصناعي (سيارات رباعية الدفع، صطافيط، جرارات، دراجات...)، وحيث الأجيال الصاعدة القروية، بدأت تنفر من وسائل النقل البدائية. كما أن فرص العمل داخل مواسم التبوريدا بدأت تنقرض، بعد أن احتكرت بعضها من طرف (صفايحية) مقربين من بعض المسؤولين عن مواسم التبوريدا. وبعض الفرسان ومقربون منهم تعلموا الحرفة، ولم يعودوا في حاجة إلى (الصفايحي) من أجل خيولهم. علما أن هذه الفئة ورغم مرور عدة قرون، لم تطور صناعتها، وظلت وفية لأصالتها وتراثها.