إن الخطوات الحاسمة التي أعلنها الرئيس محمد مرسي يوم الاثنين تُرى في مصر إكمالا ضروريا للثورة المدنية، فعزل الجيش عن السياسة وتعريف المجلس العسكري الأعلى من جديد بكونه جسما استشاريا غير ذي قرار وصب مضمون حقيقي في منصب رئيس الدولة باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، كانت جزءا مركزيا من مطالب حركات الاحتجاج في السنة ونصف السنة الأخيرين. إن «تبنيها للجيش» في بداية الطريق وتعريفه بكونه جزءا من الثورة كان ضرورة ما كان يمكن التسليم لها زمنا طويلا، ولاسيما بعد أن أرسل المجلس العسكري الأعلى إشارات متوالية إلى أنه ينوي الاستمرار في صوغ سياسة مصر. وقد خطط لفعل ذلك إما بفرض الطنطاوي على مرسي وزيرا للدفاع أو بالاستيلاء على صوغ الدستور. إن محاربة الإرهاب في سيناء خاصة، وفي هذا ما فيه من التناقض المنطقي، هيأت لمرسي فرصة حياته ولمصر الانقلاب الذي تمنته منذ 1952 حينما تولى الضباط الأحرار السلطة. والمشكلة الرئيسة هي أن الدولة يرأسها رئيس من قبل الإخوان المسلمين تُفسر كل خطوة منه مضادة للجيش فورا بكونها نضالا لتغليب الأجندة الإسلامية المتطرفة لا بأنها جهد لإنشاء دولة مدنية يكون الجيش فيها خاضعا للحكومة، وهذا بصورة طبيعية هو الخوف أو التهديد على نحو أصح الذي تخشاه إسرائيل والولاياتالمتحدة خشية خاصة. كان افتراض العمل في الدولتين بعد انتخاب مرسي أن الحال في مصر ستكون كالحال في تركيا، حيث بقي الجيش في تركيا حلقة اتصال بجهات استخبارية وعسكرية أجنبية وتراه إسرائيل قاعدة لاستمرار التعاون. وظنوا في الإدارة الأمريكية وفي إسرائيل أنه ما بقي الطنطاوي يُدير شؤون الدولة فإن اتفاق السلام محمي ولن يتضرر التعاون العسكري. لكن ليس من الفضول أن نذكر أن الطنطاوي هو الذي عارض مدة طويلة التدخل والمساعدة الأمريكية على مواجهة الإرهاب في سيناء، فقد رفض الموافقة على ربط المجسات المحكمة التي قدمتها الولاياتالمتحدة للتعرف على الأنفاق على طول الحدود مع غزة بقمر صناعي أمريكي محتجا بأن ذلك مس بسيادة مصر. ولم يسارع إلى الرد على مكالمة هاتفية من إسرائيل حينما هاجم المتظاهرون سفارة إسرائيل، واستمر في تعريف إسرائيل بكونها عدوا محتملا. ليس وزير الدفاع الجديد، عبد الفتاح السيسي، الذي كان إلى حدود الاثنين رئيس الاستخبارات العسكرية محبا لإسرائيل أو مواليا للأمريكيين. ويُحاكم مدير قناة «الفراعين» لأنه وصف السيسي بكونه «رجل الإخوان المسلمين في الجيش»، وليس هو الوحيد الذي يعتقد ذلك. إن الإجراء الذي نفذه مرسي يوم الاثنين لا يتعلق فقط بتبديل أشخاص بل بتغيير بنية حاكمة سيكون الرئيس والحكومة معها منذ الآن هما اللذان يديران سياسة الأمن والسياسة الخارجية أيضا، ويبدو أن مرسي غير مستعد للتخلي عن القوة والسلطة اللتين كانتا لمبارك، لكن من غير الحاشية العسكرية المثقلة. لن يكون الفرق ذا أهمية عند إسرائيل، ففي السنة ونصف السنة الأخيرين أيضا تم الحوار مع الجيش المصري مع تفهم العوامل القسرية للجيش في مواجهة القيادة المدنية للإخوان المسلمين. ولما كانت الحال أنه لم يُطلب حسم في المستوى السياسي إلى أن وقعت العملية في رفح كان يمكن الاستمرار في حوار حذر وسري، لكن منذ نشأت الحاجة إلى اتخاذ قرار سياسي يتعلق بنقض اتفاق كامب ديفيد وإدخال سلاح الجو إلى سيناء كان مرسي خصوصا هو الذي اتخذ القرار الحاسم. تواجه الإدارة الأمريكية تحديا مشابها الآن وهي التي فقدت أيضا ما يُعرف بكونه الذراع العسكرية السياسية الموازنة للجيش. وكان الخوف الرئيس وما يزال من احتمال تجديد العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران وبناء حلف استراتيجي يضعف قوة الحلف العربي الأمريكي لمواجهة الجمهورية الإسلامية الشيعية. لكن تبين هنا أيضا أن مرسي الذي لا يحب إيران هو الذي قوى سريعا مكانته ومكانة مصر، فعلاقة التعلق الاقتصادي بالسعودية وقاعدة التسلح الأمريكي ومعرفة دور إيران في المذبحة في سوريا أبعدت مرسي عن محور طهران. عن «هآرتس»