تبدو الولاياتالمتحدة هذه الأيام كسيدة متحمسة وسعيدة للغاية بسبب إنجازات «أبنائها» الباهرة في الألعاب الأولمبية، التي تستضيفها العاصمة البريطانية لندن. فقد طردت التغطية المباشرة لفعاليات الأولمبياد أخبار السياسة التعيسة، التي تسببت طوال الأشهر الماضية في تقسيم الرأي العام الأمريكي إلى معسكرين «متقاتلين»: جمهوري يرغب في طرد أوباما من البيت الأبيض، وديمقراطي ناقم يرغب في مواصلة الإصلاحات التي بدأها أول رئيس أمريكي أسود قبل أكثر من ثلاث سنوات، بالرغم من استمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة وارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة. نسي الأمريكيون خلافاتهم السياسية الكثيرة والعميقة وارتدوا جميعا ألوان علمهم الوطني البيضاء والزرقاء والحمراء، ووقفوا بفخر شديد لمتابعة الإنجازات الرياضية الباهرة التي حققها الرياضيون الأمريكيون الذين يشاركون في هذه الدورة من الألعاب الأولمبية بعاصمة الضباب لندن. الرياضة طغت على ما عداها من المواضيع داخل أمريكا وأسماء السياسيين، التي عادة ما تتصدر الصفحات الأولى للجرائد الكبرى ومواقع الإنترنت وتحتل شاشات التلفزيون طوال ساعات اليوم الإخبارية، كلها توارت، بل اختفت تماما في بعض الأحيان، لتظهر محلها صور الدلفين الأمريكي مايكل فيلبس ونجوم فريق كرة السلة وعدد كبير آخر من نجوم الرياضة الأمريكية، الذين حصدوا الذهب في لندن ويستعدون للعودة إلى بلادهم.
الدلفين فيلبس!
مايكل فيلبس، الذي يلقبه الإعلام الأمريكي بالدلفين، حقق إنجازا باهرا في أولمبياد لندن، بعدما حصد أربع ميداليات ذهبية وانتزع لقب أفضل رياضي أولمبي على مر التاريخ بفضل حصوله على اثنين وعشرين ميدالية أولمبية (تسعة عشرة منها ذهبية) وانتزع الرقم القياسي السابق من نجمة الجمباز الروسية لاريسا لاتينينا. وأبهر فيلبس، الذي ولد في الثلاثين من شهر يوليوز سنة 1985 في مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند، الجمهور في لندن بعدما نجح في حصد الميداليات الذهبية وفاز بواحدة منها بفارق جزء واحد من الثانية خلال سباق مليء بالتشويق. وكان فيلبس، الذي يعاني من مرض فرط النشاط وقلة التركيز، قد فقد الكثير من شعبيته داخل أمريكا خلال الشهور التي سبقت الألعاب الأولمبية، بسبب الزيادة الكبيرة في وزنه وبسبب نشر صوره وهو يدخن لفافات الحشيش على شبكة الإنترنت وإدمانه على السهر في النوادي الليلية مع نجوم هوليود، مما اضطره إلى تقديم اعتذار رسمي لمعجبيه، وخصوصا الأطفال منهم، الذين قال لهم في وصلة تلفزيونية مؤثرة بأنه لا يتمنى أن يقلدوا «هفواته الغبية»، بل يتمنى منهم أن يقلدوا إنجازاته الرياضية وإصراره على التفوق والنجاح، رغم فقره وإصابته بمرض فرط النشاط. وتصالح فيلبس مع جمهوره داخل أمريكا بعدما أهدى لبلاده الميداليات الذهبية الأربع، التي حصدها في لندن، وبعدما انتزع لقب أفضل رياضي أولمبي على مر التاريخ عبر حصوله على اثنين وعشرين ميدالية أغلبها من الذهب، وهو الرقم الذي تعجز دول كاملة عن تحقيقه خلال الألعاب الأولمبية التي تجري كل أربع سنوات!
قدما ميسي الضخمتان!
ميسي فرانكلين، شابة فارعة الطول من مواليد سنة 1995، تتميز بكتفيها العريضين وابتسامتها الواسعة وصوتها الهادئ الناعم، بالإضافة إلى قدمين ضخمتين للغاية ساعداها على الفوز بأربع ميداليات ذهبية في منافسات السباحة بلندن وتحطيم رقم قياسي عالمي في مسافة 200 متر. استغربت ميسي كثيرا عندما ركزت وسائل الإعلام البريطانية اهتمامها على قدميها الضخمتين اللتين تبدوان كزعانف سمكة هلامية ضخمة، لكنها أكدت فيما بعد بأنها تقبلت الأمر وكشفت أنها كانت تصلي لله كل أسبوع كي تشكره على منحها قدمين ضخمتين لأنهما يساعدانها على السباحة بشكل أسرع، بالرغم من المشاكل التي كانت تعانيها في المدرسة عندما كان زملاؤها في القسم يسخرون من أحذيتها كبيرة المقاس. وقالت ميسي وهي تضحك بنعومة في مقابلة صحفية إن قدميها كانتا تنموان بطريقة مثيرة للاستغراب وكانت تتعرض بسببهما للتحرش من طرف الأطفال الذين يدرسون معها، لكنها تجاوزت تلك المضايقات بعدما بدأت تفوز في مسابقات مدرستها الخاصة برياضة السباحة، وبدأت تتفوق على أقرانها بفارق زمني كبير في المنافسات. كما كشفت ميسي، بخجل، عن أن مقاس قدميها يبلغ 15 في أمريكا، وهو ما يعادل ربما مقاس 50 في أروبا، التي لا توجد بها أحذية بهذا المقاس أصلا، ويتطلب الأمر توصية قبلية قد تستغرق أشهرا طويلة، لكنه موجود في أمريكا!
فريق نسائي أفضل من ألف رجل!
هذا هو الوصف الذي أطلقته وسائل الإعلام الأمريكية على فريق كرة القدم النسائي، الذي فاز في مباراة شيقة على نظيره الياباني بهدفين مقابل واحد، يوم الخميس الماضي، في المباراة النهائية لأولمبياد لندن في كرة القدم النسائية. واستماتت اللاعبات الأمريكيات في الدفاع عن الهدفين اللذين تم تسجيل أولهما في بداية الشوط الأول والثاني في بداية الشوط الثاني، مقابل هدف يتيم للفريق الياباني. وفازت اللاعبات الأمريكيات بالميدالية الذهبية وانتقمن من الهزيمة المرة، التي تجرعنها خلال بطولة العالم الأخيرة، التي جمعتهن أيضا بالفريق الياباني، الذي فاز بضربات الترجيح بعدما انتهى وقت المباراة الأصلي والشوطان الإضافيان بالتعادل. وكانت فرحة اللاعبات الأمريكيات غامرة بعد صافرة النهاية، وعبرن عن سعادتهن الغامرة بالفوز بالميدالية الذهبية وأهدينها لأمهاتهن وبلادهن، وترددن كثيرا في الإجابة على أسئلة الصحفيين الأمريكيين حول كيفية صرف المبلغ المالي، الذي خصصته لهن اللجنة الأولمبية الأمريكية، والذي بلغ مليونا ونصف دولار، بالإضافة إلى المنحة التي يحصل عليها كل رياضي أمريكي فاز بالميدالية الذهبية، والتي تبلغ خمسة وعشرين ألف دولار.
احتفاء إعلامي كبير
كان هناك رياضيون أمريكيون آخرون زرعوا الفرحة في قلوب الأمريكيين طوال أيام الألعاب الأولمبية في لندن، وجعلوا بلادهم تتربع من جديد على عرش هذه الألعاب، متفوقة بذلك على دولة يفوق عدد سكانها مليارا ونصف نسمة، وتعمل جاهدة على كسر الاحتكار الأمريكي للألقاب الأولمبية، وهي الصين. واحتفى الإعلام الأمريكي كثيرا بإنجازات الرياضيين وسلط الأضواء على حياة أغلبهم البسيطة وعملهم الدؤوب، من خلال تدريبات شاقة يومية طوال أيام السنة، من أجل تحقيق نتائج إيجابية في الألعاب الأولمبية. وجاء في تقارير إعلامية أن عددا من الرياضيين الأمريكيين لم يشاهدوا التلفزيون أبدا طوال السنتين الماضيتين وأنهم كانوا يتدربون لساعات طويلة يوميا ولمدة خمسة أيام في الأسبوع. كما أفادت تلك التقارير بأن عددا كبيرا من الرياضيين من الأسر الفقيرة، التي ازداد فقرها بسبب تداعيات الأزمة التي تخنق الاقتصاد الأمريكي وتسببت في موجة ركود عالمية تهدد اقتصادات دول عديدة حول العالم. فمثلا أسرة السباح الأمريكي ريان لاكطي، الحاصل على أحد عشر ميدالية أولمبية، خمس منها ذهبية، أعلنت إفلاسها قبل سنتين وحجز البنك على بيت والديه الذي يعيشان فيه بسبب عجزهما عن دفع أقساط الدين، الذي بموجبه اقتنيا المنزل قبل أكثر من عشرين سنة. كما تطرقت وسائل الإعلام الأمريكية إلى لاعبة الجمباز الأمريكية الماهرة، والتي تنتمي للأقلية السوداء، غابي دوغلاس، التي فازت بميداليتين ذهبيتين في لندن، والتي تعد أول لاعبة سوداء البشرة تقتحم هذه الرياضة وتتألق فيها. حيث أوردت تقارير صحفية بأن عائلة «دوغلاس» تعاني من الفقر الشديد وبأن والدتها اضطرت إلى بيع قمصان رياضية على قارعة الطريق لفترة طويلة من أجل توفير المال للسفر مع ابنتها إلى لندن وحضور فعاليات الألعاب الأولمبية وتشجيعها على حصد الذهب. وشكلت قصص الرياضيين الأمريكيين، الذين تألقوا في لندن وفازوا بميداليات ذهبية كثيرة، درسا في الاجتهاد والمواظبة والعمل الشاق في سبيل تحقيق الأحلام، تماما كما قال الدلفين مايكل فيلبس، في تصريح لشبكة «سي إن إن»، وهو ينظر إلى الميداليات الكثيرة التي كانت تطوق عنقه، حيث قال بالحرف: «ليس هناك مستحيل في هذه الحياة.. لقد تخلى عني والدي أنا ووالدتي الفقيرة ولم نكن نملك ما نأكل، كما كنت أعاني بسبب مرضي وفرط حركتي، لكن الاجتهاد والعمل الشاق أوصلني إلى حيث أنا اليوم وها أنا أتقاعد وأنا مازلت في ريعان شبابي وحققت نجاحا كبيرا يرضيني ويرضي والدتي ووطني وتلاحقني عقود إعلانات تفوق قيمتها مائة مليون دولار.. فقط اتبع أحلامك واعمل جاهدا كي تحققها وهي بالتأكيد ستتحقق يوما»!
شخص ينتمي لعصابة حليقي الرؤوس العنصرية يقتحم معبدا للسيخ ويقتل ستة منهم معتقدا أنهم مسلمين! العنصرية والجهل يحصدان أرواح ستة أبرياء في الولاياتالمتحدة اهتزت أمريكا، مطلع هذا الأسبوع، على وقع خبر المجزرة التي ارتكبها أحد قدماء المحاربين في الجيش الأمريكي وعضو في جماعة عنصرية من حليقي الرؤوس، التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض على باقي الأعراق في العالم. فقد اقتحم ويد مايكل بيج أحد معابد أقلية السيخ في ولاية ويسكانسن، صباح يوم الأحد الماضي، عندما كان عدد كبير من السيخ يصلون داخل المعبد وأطلق النار بشكل عشوائي وقتل ستة أشخاص وأصاب شرطيا استجاب لاتصالات النجدة من داخل المعبد بتسع رصاصات. وأفادت وسائل إعلام أمريكية أن ويد مايكل بيج ارتكب هذه المجزرة بدافع الكراهية والعنصرية للمسلمين، وأنه كان يعتقد بأن السيخ من المسلمين لأن رجالهم يغطون شعورهم ونساءهم يلبسون الزي الهندي التقليدي، الذي يغطي سائر الجسد والشعر! ونقلت وسائل إعلام أمريكية عن مصادر أمنية قولها إن ويد مايكل بيج خدم في الجيش الأمريكي في الماضي، وبعد تقاعده انتمى لإحدى الجماعات العنصرية التي تؤمن بأن العرق الأبيض هو الأفضل، والتي تكره الأقليات بشكل عام والدينية منها على الخصوص. كما أفادت وسائل الإعلام الأمريكية بأن بيج وصديقته كانا يخططان لارتكاب مجازر مماثلة في الماضي، وأن الشرطة الفيدرالية «إف بي آي» كانت تراقب تحركاتهما عن كثب مؤخرا، بسبب أشرطة فيديو نشراها على شبكة الأنترنت تمجد العرق الأبيض وتنتقد بلغة عنصرية كريهة الأقليات الموجودة في أمريكا. وعبرت الأقليات العرقية والدينية في أمريكا عن استنكارها الشديد لهذه المجزرة، التي تأتي في أعقاب مجزرة أخرى شهدتها مدينة أورورا بولاية كولورادو، ذهب ضحيتها 12 شخصا عندما اقتحم شخص دورا للسينما كانت تعرض فيلم «فارس الظلام» وأطلق النار بشكل عشوائي. وحذرت منظمات مدنية أمريكية من تنامي ظاهرة إطلاق النار العشوائي، التي تشهدها البلاد مؤخرا، وطالبت بإصلاح قانون حيازة السلاح. لكن مراقبين استبعدوا أن يتم ذلك بسبب النفوذ الشديد، الذي تتمتع به منظمة «آي إر إي»، التي تعد أحد اللاعبين السريين في الساحة السياسية الأمريكية.