سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المعتصم: كنت أرفض أية محاولة لاقتراب الإسلاميين من حزب الخطيب قال إن المرواني أخبره في 1993 بأن أمورا مريبة تحدث حولهم وجهات مشبوهة تبحث عن سبيل للإيقاع بهم
يروي مصطفى المعتصم، واحد من السياسيين الستة الذين وجهت إليهم تهم ثقيلة في ملف خلية بلعيرج، في اعترفاته ل«المساء»، تفاصيل مثيرة ارتبطت بحياته الشخصية والدعوية والسياسية. ويعترف مصطفى المعتصم بأنه كان وراء إطلاق «العمل الإسلامي» في الثانويات والجامعات أيام كانت قلاعا يسارية، ويحكي كيف تعرف على عبد الكريم مطيع، زعيم «الشبيبة الإسلامية»، ليصبح قياديا فيها بعد هروب هذا الأخير إلى الخارج إثر اغتيال الاتحادي عمر بنجلون، حيث سيقابله في السعودية ليقول له مطيع: «احذر عبد الإله بنكيران فهو عميل للنظام». ويحكي المعتصم تفاصيل ما دار بينه وبين عبد السلام ياسين وكيف تخلص منه مرشد العدل والإحسان قائلا: «أنت تصلح لحزب التحرير وليس لجماعتنا». ويقف مطولا عند علاقته بعبد القادر بلعيرج، المحكوم عليه بالسجن المؤبد في قضايا الإرهاب، وتجربة توحيد الحركات الإسلامية، وتجربة القطب الديمقراطي مع حرزني وصلاح الوديع وآخرين سنة 2002، وتأسيسه حزب «البديل الحضاري» ثم اعتقاله بتهمة الإرهاب، وكواليس استنطاقه ومحاكمته، ثم تجربته السجنية. - في 1996 ستتجه حركة «التوحيد والإصلاح»، التي جمعت بين حركة «الإصلاح والتجديد» التي كان يرأسها عبد الإله بنكيران و«رابطة المستقبل الإسلامي» التي كان يرأسها أحمد الريسوني، إلى دخول حزب عبد الكريم الخطيب. كيف نظرتم في «الاختيار الإسلامي» إلى ذلك؟ كان عندي موقف سلبي من الدور الذي لعبه الدكتور عبد الكريم الخطيب، رحمه الله، في الساحة السياسية المغربية، خصوصا منذ الاستقلال، ولهذا كنت دائما أرفض رفضا باتا أية محاولة لاقتراب الإسلاميين من حزبه، حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية. وأعتقد أن وجودنا في الوحدة كان سيكون بمثابة إعاقة حقيقية للاندماج في حزب الخطيب لو طرحت فكرة الاندماج علينا ونحن جزء في تلك الوحدة، مما كان سيبعثر كل ترتيبات ادريس البصري، وزير الداخلية، وعبد الكبير العلوي المدغري، وزير الأوقاف. - هل كان مطروحا في نقاشاتكم الوحدوية لسنة 1992 خيارُ الدخول في حزب عبد الكريم الخطيب؟ كثر الحديث عن البحث عن قوقعة فارغة والدخول إليها باعتبار أن الدولة ما كانت لتسمح بتأسيس حزب ذي مرجعية إسلامية. ما تم تداوله بعد معرفتنا باللقاءات التي كانت تعقدها جمعية «الدعوة» من فاس مع جمعية «الإصلاح والتجديد»، التي كان يرأسها عبد الإله بنكيران، هو إمكانية توسيع دائرة الوحدة لتشمل أيضا جمعية بنكيران، فكان موقفنا هو أننا يجب أن نبني وحدتنا التي عملنا من أجلها سنتين أولا، ثم ننظر في مقترح الوحدة مع جهة أخرى. من ناحية ثانية، كنا نعرف أن عددا من أبناء الحركة الإسلامية قد التحقوا بحزب عبد الكريم الخطيب. - مثل من؟ كان هناك عدد من أبناء الشبيبة الإسلامية القدامى بالدار البيضاء الذين التحقوا فعليا بعبد الكريم الخطيب، أذكر منهم، على سبيل المثال، هندي عبد اللطيف، حراثي، الدروي وآخرين. - ألم يخدم خروجكم من الوحدة مع الفصائل الإسلامية الأربعة سنة 1992 ترتيب الدولة السياسي الذي تحدثت عنه؟ ممكن، ولكن هامش المناورة كان ضعيفا عندنا، خصوصا عندما لم تدعمنا الحركات الإسلامية الأخرى. بقينا نراهن حتى آخر لحظة على أن تتوحد جمعية «الدعوة» مع جمعية «الإصلاح والتجديد» وتبقى الحركات الأربع الأخرى لبناء خط ثالث. لقد شئنا وشاء الله وما كان إلا ما شاء الله. ربما ما جرى كان خيرا للحركة الإسلامية وللمغرب، ربما لم نكن براغماتيين بما فيه الكفاية، ربما لم نحسن تقدير الأمور... لكنني شخصيا أتحمل اليوم مسؤولية كل مواقفي التي كان فيها الصائب والخاطئ. ربما فقدت الكثير مما ربحه غيري، لكنني أشعر اليوم براحة البال والضمير.. لقد ربحت نفسي، وأعتقد أنني كنت وفيا للمبادئ التي تشبعت بها منذ نعومة أظافري. - أين تعتقد أن مهندسي الساحة السياسية كانوا يضعون «الاختيار الإسلامي» في تلك المرحلة؟ كانوا يرون فينا عناصر تربك ترتيباتهم، وبالتالي عناصر يجب أن ترسل إلى السجن. - كيف ذلك؟ أنا شخصيا كنت مقتنعا بأن رؤوسنا ستوضع تحت المقصلة قريبا، وقد قلت، أثناء محاكمتي في قضية بلعيرج سنة 2008، إن هذه القضية قد تم الترتيب لها في سنة 1992، إذ كان من المفروض أن يتم توريطنا في قضايا أمنية بهدف سحقنا والإجهاز علينا. وكنت مقتنعا بأن الساحة الإسلامية سترتب بالشكل التالي: جزء منها سيتم إدماجه في اللعبة السياسية، وجزء قد كفاهم شره برفضه الدخول في اللعبة السياسية من الأصل، وجزء ثالث يجب أن يرمى في السجن إلى أن يتم ترتيب الساحة السياسية؛ لذا كنت واضحا مع الإخوة في قيادة «الاختيار الإسلامي»، فإما أن نختار الخروج إلى العمل العلني وإما أن نشتت «الاختيار الإسلامي» بشكل نهائي. - وهذا كان محط خلاف بينك وبين محمد المرواني؟ أبدا، لقد عشنا اختراقات حقيقية في 1993، والمرواني كان أكثر الناس معرفة بهذا. فمرة، استدعاني إلى الرباط ليقول لي إن أمورا مريبة تحدث حولنا، سواء في داخل المغرب أو خارجه، وكان مقتنعا بأن جهات مشبوهة تبحث عن سبيل للإيقاع بنا. - من هي هذه الجهات؟ لوبيات نافذة في السلطة اعتادت الحكم بالمؤامرة على السياسيين المغاربة. - على ماذا اختلفتم، إذن، أنت والمرواني؟ قيل إن المشكل كان حول السرية والعلنية، وهذا غير صحيح لسبب بسيط هو أننا قد قطعنا مع السرية حينما قدمنا أوراق اعتمادنا إلى الحركة الإسلامية، وكنا قد قطعنا مع السرية حينما أسسنا فصيل طلبة الميثاق وأنزلناه لمحاربة خطط المتآمرين على الساحة الطلابية؛ وقيل إن المشكل بيننا كان حول رفضي تفعيل الديمقراطية الداخلية، وهذا أيضا غير صحيح لأن اتخاذ القرار الديمقراطي يتطلب دمقرطة المعلومة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمعلومات مهمة جدا. كل ما هنالك أن المرواني لم يكن على استعداد آنذاك للخروج إلى العمل العلني لأسباب لم أفهمها إلى اليوم، ولقد طرح شروطا غير قابلة للتطبيق لكي يقبل بالخروج إلى العلنية، اعتبرناها عبثية وغير جدية لأننا في المغرب كنا نقول إن هناك ترتيبا سياسيا جاريا وإذا لم نتحرك بسرعة فسنجد أنفسنا في وضعية شرود. هذا النزاع الذي بدأ موضوعيا ستتم شخصنته؛ وعوض أن يضع محمد المرواني حدا للمخترقين ويقطع الطريق على مخططاتهم، قام بطردي وخرج معي يوم 20 غشت 1995 الأخوان محمد الأمين الركالة ومصطفى المسعودي، القياديان في «الاختيار الإسلامي»، ومجموعة من الإخوة والأخوات.