أصدر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، في شهر يونيو الماضي، تقريرا عن الإسلاموفوبيا يفيد بأن العداء الذي يطال الجالية الإسلامية بفرنسا عرف انخفاضا في شهر يونيو بنسبة 50 في المائة. الحقيقة أن هذا التراجع لم يكن سوى طارئ ظرفي، فندته بسرعة أرقام وحقائق شهري يوليوز وغشت، مما يثبت أن الإسلاموفوبيا تبقى لصيقة باللاوعي الفرنسي، والغربي عموما؛ كما أنها ظاهرة تنمو بنمو وشفافية الإسلام في المشهد الغربي. وتأتي الحادثتان الأخيرتان اللتان لا يزال يعيش تداعياتهما مسلمو فرنسا، في عز رمضان، كبرهان ساطع على هذا التوجه؛ فيوم الأربعاء الماضي، عند صلاة الفجر، اكتشف مسلمو مدينة مونتوبون، جنوبفرنسا، رأسي خنزيرين معلقين على باب المسجد. كما أهرق مجهولون أمام باحة المسجد سطولا من الدم. إن كانت هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها الجالية المسلمة للمدينة لمثل هذا التحرش العنصري، فإنه سبق للمتطرفين من العنصريين أن وظفوا رمزية الخنزير للمس بمقدسات المسلمين، فقد علقت شرذمة من العنصريين قوائم خنزير على باب مسجد مدينة كاستر عام 2009 وعلى باب مسجد مدينة ريمس. وعليه، فإن الإسلاموفوبيا ليست في وضع تراجع بل تعرف، على العكس من ذلك، صحوة حقيقية. وقد أحصى المرصد الوطني لمناهضة الإسلاموفوبيا في النصف الأول من العام الجاري 17 عملا إسلاموفوبيا (تعديات، محاولات اغتيال، تخريب للمقدسات الإسلامية)، وذلك مقارنة ب11 محاولة عام 2011، أي بزيادة 54,54 في المائة. وتجد هذه الزيادة بعضا من تفسيرها في السجال السياسي الذي رافق قضايا: منع ارتداء النقاب والبرقع واللحم الحلال والهوية الوطنية، وهو سجال أطلق ألسنة وحركات المتطرفين من العنصريين. وخلص التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية في العالم إلى نفس النتيجة لما ندد بتنامي العداء تجاه المسلمين في أوربا، مع انتقاده بالأخص القوانين التي تمنع ارتداء البرقع في فرنسا وبلجيكا. وقبل حادث تعليق رأسي خنزيرين على باب المسجد بيومين، اندلعت فضيحة فصل المنشطين المسلمين الأربعة من عملهم في المخيم الصيفي من طرف بلدية جانفيلييه (في ضاحية باريس) بذريعة صيامهم رمضان! وسبق للبلدية أن فصلت الفوج الأول الذي عمل في الأيام الأولى من رمضان، وحاولت تطبيق نفس الإجراء على الفوج الثاني الذي شرع في العمل في شهر غشت بأحد المخيمات الصيفية في بلدة ليلاند، متذرعة بالعقد الذي يقتضي من هؤلاء الأشخاص عدم الصيام. ويعود المشكل أصلا إلى عام 2009، بعد حادثة السير التي تسببت فيها منشطة مخيم كانت تسوق حافلة على متنها خمسة أطفال، ذلك أنه على إثر غفوة منها، انقلبت الحافلة ليصاب الأطفال بجروح متفاوتة الخطورة. وحملت البلدية المسؤولية لصيام السائقة المنشطة! حينها، أدخلت تعديلات على القانون ليفرض أحد بنوده على المنشط الأكل والشرب ولو في عز رمضان! المثير في الأمر أن الضجة تقف من ورائها بلدية يسيرها فريق ينتمي سياسيا، لا إلى اليمين أو اليمين المتطرف، بل إلى الحزب الشيوعي حيث يتردد عمدتها على موائد المسلمين في شهر رمضان وفي الأعياد! وعلى إثر هذه الهفوة التي تداركها فيما بعد، نزلت شعبيته إلى الدرك الأسفل. وقد نظم منتدى مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا يوم السبت وقفة إفطار احتجاجية أمام مقر بلدية جانفيلييه؛ فيما قرر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية رفع دعوى قضائية بسبب التمييز في حق المسلمين. الواضح أن الإسلاموفوبيا ليست وقفا على اليمين وحده، فحتى اليسار له نصيب من المسؤولية في تغذيتها. ويشعر المسلمون على خلفية انتشار مثل هذه المعاملات بالغبن والخيانة، هم الذين منحوا أصواتهم وثقتهم لليسار في الانتخابات الرئاسية، وينتابهم إحساس بأنهم أصبحوا لا فحسب أكباش فداء أصحاب اليمين بل أكباش فداء أصحاب اليسار كذلك.