في الثامن من يونيو الماضي، اقترح النائب البرلماني الشيوعي أندريه جيران وعمدة مدينة فينيسيوه سابقا، تشكيل لجنة برلمانية للتداول في قضية البرقع، الذي بدأ، على حد تعبيره، في «اكتساح الفضاء الخارجي الفرنسي». ولم يسقط اقتراحه في آذان صماء، إذ تشكلت على الفور لجنة تتألف من 58 برلمانيا يمثلون مختلف التيارات السياسية، من اليمين إلى اليسار مرورا بأحزاب الوسط وبالبيئويين. وبعد ردود فعل تراوحت بين الشجب والدعوة إلى التريث، خبا السجال على خلفية قضايا أخرى ما لبثت أن غطت نسبيا على المشادات من حول البرقع، الذي يطلق عليه البعض أيضا تسمية النقاب، «الخمار الكامل». وهكذا، انشغل الإعلام والرأي العام بمحاكمة «كليرستريم»، وبقضية ترشيح جان ساركوزي، نجل الرئيس الفرنسي لرئاسة الإيباد، والتي تعتبر «الوول ستريت فرنسا»، ثم بالحكم على وزير الداخلية السابق شارل باسكوا بسنة حبسا نافذا على خلفية فضيحة «أنغولا غيت»، ودعوة جاك شيراك إلى المثول أمام العدالة بسبب الوظائف الشبحية، لمّا كان عمدةً لولاية باريس... إلخ. غير أن حظر المآذن في سويسرا كان بمثابة الشرارة التي أشعلت من جديد فتيل السجال من حول البرقع. وتزامن الحظر أيضا مع انتهاء اللجنة البرلمانية من الاستماع إلى إفادات وشهادات 50 شخصية تنتمي إلى ميادين السياسة، البحث العلمي، الفكر، الدين، المؤسسات المدنية أو الاجتماعية. وقد تباينت الآراء بين قائل باستئصال البرقع من المشهد العمومي بسن قانون يصوت عليه البرلمان، وقائل بعدم تضخيم ظاهرة هامشية، قد تتحول إلى حطب للمتطرفين. في الطرف الأول، رافعت أصوات علمانية-نسوية، مثل إيلازابيث بادينتير، وفي الطرف الثاني أصوات مسلمة مثل طارق رمضان ومحمد الموساوي (رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية). ولا غرابة إن جاءت شهادة 3 وزراء ساركوزيين من العيار الثقيل ختاماً لمسك أشغال اللجنة، إذ قدم إفاداتهم في السادس عشر من هذا الشهر كل من بريس هورتفوه، وزير الداخلية، وإيريك بيسون، وزير الهجرة، الادماج، الهوية الوطنية والتنمية المتضامنة، وكزافييه داركوس، وزير العمل. والتحمت مواقفهم حول ما قاله «الشاف لكبير» ساركوزي من أن «البرقع لا محل له من الإعراب في فرنسا». يبقى الإشكال: بعد تقديم التقرير النهائي للجنة أمام البرلمان في نهاية يناير من 2010، هل سيصدر هذا الأخير ظهيرا يلغي بموجبه ارتداء البرقع بصفة نهائية أو، على الأقل، جزئيا في بعض المحلات (مثل الأبناك، البريد، المدارس، النقل العمومي)، ومعاقبة الرافضات لنزعه بإلغاء طلباتهن بالحصول على الجنسية الفرنسية أو شهادة الإقامة؟ أي موقف سيتخذه المجلس الدستوري، أعلى هيئة قضائية في البلاد، والذي له صلاحية إلغاء القرار، بناء على المادة الرابعة لإعلان حقوق الإنسان والمواطن؟ ثم ماذا سيكون موقف المجلس الأوربي لحقوق الإنسان الذي يمكنه إلغاء الحظر بناء على المادة التاسعة من المعاهدة الأوربية لحقوق الإنسان والتي تشير إلى أن «لكل شخص الحق في حرية الفكر، حرية الوعي والدين»؟. الأخطر من ذلك هو شعورُ وردّة فعل «الشارع المسلم» في فرنسا في حالة المصادقة على حظر البرقع. حتى وإن كان العديد من المسلمين يعتبرونه دخيلا على عاداتهم ويجدون أنه لباس خشن، فقد يشعرون بالميز والحيف مثلما شعر به مسلمو سويسرا من خيبة وانكسار غداة الاستفتاء على حظر المآذن، لأنهم يرون أن المستهدف من وراء المآذن والبرقع هو الإسلام. بيد أن كل هذه الاعتبارات لا وزن لها أمام إرادة ورغبة الداعين إلى حظر البرقع. فالنتيجة معروفة مسبقا وسيبقى الخاسرون هم المسلمون. لكن ثمة خطرا كامنا في قرار المنع: أن يتكاثر البرقع في الشارع الفرنسي مثلما تكاثر الحجاب على إثر منعه بظهير! في شهر يوليوز، وفي عز المشادات حول البرقع، كشفت الاستخبارات الفرنسية عن وجود قرابة 400 حالة. اليوم، تكشف آخر الإحصائيات عن وجود 2000 حالة. وفي حالة إصدار ظهير بمنعه، ليس من المستبعد أن «يفرخ البرقع على الجهد»!