بعض المؤسسات في المغرب تصرف عليها الملايين، دون أن يعرف أحد فائدتها بالضبط. ورغم أن النية من وراء إحداثها كانت نبيلة، فإن المصير الذي آلت إليه على أيدي من يسيرونها يدفع إلى التساؤل بجدية عن جدواها وعما يمنع أهل «الحل والعقد» من حلها وتوفير الملايين التي تهدر عليها بلا طائل، خصوصا في هذه الأوقات العصيبة التي تحتاج فيها خزينة الدولة إلى جمع الدرهم الأبيض لليوم الأسود، كي لا تعصف الأزمة الاقتصادية العالمية ببلادنا كما فعلت مع جيراننا الشماليين وشركائهم في منطقة الأورو... من بين هذه المؤسسات هيئة تدعى «مجلس الجالية المغربية في الخارج»، انتهت صلاحيتها منذ أكثر من ستة أشهر، ولم نعد نسمع أخبارها إلا من باب «الفضائح» و«تبذير المال العام»، إلى درجة بات الأمر معها يستدعي تدخلا عاجلا من وزير العدل، كممثل للنيابة العامة، من أجل فتح تحقيق في الاختلالات الخطيرة التي تشوب تدبير هذه المؤسسة ومحاسبة المسؤولين عما آلت إليه. المجلس الذي بدأ عمله عام 2007، «كي يقدم الاستشارة والرأي بخصوص شؤون الهجرة، ولاسيما القضايا التي تهم مواطنينا بالخارج» -كما جاء في الظهير المؤسس- لم ينجز شيئا يذكر على مدى خمس سنوات، ما عدا تأمين أسفار أعضائه إلى كل جهات العالم، والمشاركة في المهرجانات والحفلات والمعارض، علاوة على تقارير باهتة يمكن لأي جمعية تطوعية أن تنجز أفضل منها، دون حاجة إلى إهدار أموال دافعي الضرائب... ولو وزعنا استمارات في موانئ ومطارات المملكة نسأل فيها العائدين إلى أرض الوطن عن رأيهم في مجلس اليزمي، لجمعنا مجلدا ضخما من الشتائم واللعنات التي تعكس حنق المهاجرين من استغلال أسمائهم في تحقيق مآرب شخصية من طرف حفنة من «المتنفعين»، دون حسيب أو رقيب. قبل شهرين، تسرب إيميل خطير يحمل توقيع إدريس أجبالي (الذي بات يقدم نفسه مديرا للمجلس منذ تعيين إدريس اليزمي رئيسا ل«مجلس حقوق الإنسان») يتحدث عن وجود «صندوق أسود» يستفيد من ريعه أعضاء المجلس. اتهامات كافية لإرسال اليزمي ورفاقه إلى عكاشة، جنب عليوة وبنعلو، واجهها إدريس أجبالي بسيل من الشتائم، دون أن يقدم دليلا واحدا على براءته، ولم نسمع عن القضية أي شيء بعد مرور أربعة أشهر، رغم أنه من المفترض أن تحقيقا فتح في القضية، كل ما سمعناه أن اليزمي رفض الذهاب إلى البرلمان للإجابة عن أسئلة نواب الشعب، في احتقار سافر للمؤسسات المنتخبة! ويبدو أن «الكتاب الأسود» للمجلس لا يقتصر على الصندوق إياه، قبل أيام فقط نشر موقع «يا بلادي» تذكرتيْ سفر باسم إدريس أجبالي، «مدير» المجلس: تذكرة طائرة من الدارالبيضاء إلى باريس ومن باريس إلى الرباط، مؤرخة ب17 يناير 2012، قيمتها 14814 درهما، ما يعني أن سعادته سافر في «الفورست كلاص»... وأخرى مؤرخة ب9 غشت 2011، من الدارالبيضاء إلى فوكيت بالتايلاند عبر دبي، ذهابا وإيابا، بقيمة 33089 درهما... ولا يسع الواحد إلا أن يتساءل: ماذا ذهب أجبالي يصنع في فوكيت؟ وكم عدد المغاربة في التايلاند؟ واضح أن اليزمي ورفاقه حولوا «مجلس الجالية» إلى وكالة للأسفار وتعهد الحفلات. وما يحز في النفس أنه في الوقت الذي «يتفقد» فيه إدريس أجبالي أحوال «مغاربة التايلاند»، يحرق «مغاربة فرنسا» أنفسهم في القنصليات، احتجاجا على البيروقراطية، كما حدث في قنصلية باريس قبل شهرين، دون أن يجدوا من يطفئ نيران «الحكرة» التي تلتهم أجسادهم!