لا أريد أن أتحامل على أحد، وأعرف أن هناك منظمات حقوقية نزيهة تعج بمناضلين حقيقيين، يفضلون الموت على قلب المعاطف والعواطف، سواء في «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» أو «منتدى الحقيقة والإنصاف» أو غيرهما... لكنني حين أتأمل الوضع الحقوقي في بلادنا، من الحرب المفتوحة على الصحافة إلى الاعتقالات الانتقامية التي تطال شباب العشرين من فبراير مرورا باستمرار حالات الخطف والتعذيب وتعنيف المتظاهرين، لا أملك إلا أن أتساءل عن جدوى كل هاته الهيئات الرسمية وشبه الرسمية التي تحمل أسماء تنتهي ب «حقوق الإنسان»، وأتأسف على مصير هؤلاء المناضلين السابقين الذين اختاروا ما يشبه التقاعد وصاروا يتلقون معاشاتهم نظير تقارير خشبية تضع مساحيق على الوضع كي تجمّله، ويرفضون تحمل مسؤوليتهم في ما يجري من انتهاكات، بل يتحاشون حتى الكلام في وسائل الإعلام خوفا على الامتيازات والمصالح. أشخاص بدؤوا حياتهم بالنضال وانتهوا «شهود زور»، غارقين في مستنقع «الريع» على رأس هيئات لم تعد تنفع لأي شيء على الإطلاق، ماعدا تحسين أوضاعهم الاجتماعية وتأمين أسفار «فورست كلاص» إلى كل جهات العالم، نظير التستر على حقيقة ما يجري من انتهاكات، ولعلكم تذكرون البيان الشهير الذي أصدره إدريس اليزمي، رئيس «المجلس الوطني لحقوق الإنسان»، بعد زيارة معتقل تمارة والذي لم يكن يهدف إلى شيء آخر غير التستر على معتقل دولي تنافس شهرته سجن «غوانتانامو»، بشهادة وسائل الإعلام العالمية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية التي كان اليزمي يرأس إحداها قبل أن يسقط في المستنقع إياه. عندما نقرأ التقرير الأخير لمنظمة محترمة مثل «أمنيستي أنترناسيونال» عن وضع حقوق الإنسان في المغرب، نتساءل بجدية عن جدوى هيئات مثل «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» و«المنظمة المغربية لحقوق الإنسان»، التي أكملت تحولها إلى هيئة شبه رسمية خلال ولاية أمينة بوعياش... ماذا تفعل هاته الهيئات إزاء الانتهاكات التي يتعرض لها عدد من المواطنين من بوابة بعض القضاة الفاسدين؟ أول أمس فقط، قضت محكمة الاستئناف في تازة بست سنوات سجنا في حق الطالب طارق حماني، ضمن مسلسل الانتقام الطويل من الشباب الذين قادوا احتجاجات حي الكوشة، والتي لم تكن تطالب بأكثر من تحسين ظروف عيش المغاربة المنسيين. قبل حماني، حكم على رفيقه عبد الصمد الهيدور بثلاث سنوات حبسا نافذا، ودخل في إضراب مفتوح عن الطعام دون أن يشعر أمثال اليزمي وبوعياش بأن لهم واجبا تجاهه. كما اعتقل «الحاقد»، مغني الراب الذي أزعجت أغانيه أصحاب الآذان الناعمة، ويونس بلخديم الذي كان يكتب شعارات تظاهرات العشرين من فبراير، والكاريكاتوريست اللاذع خالد كدار، والمدوّن الحر محمد سقراط... وبات من الواضح أن هناك من يريد الانتقام من الشباب الذين قادوا احتجاجات العشرين من فبراير، ويفتش عن أي ذريعة لوضعهم وراء القضبان وتلطيخ سمعتهم بكل الاتهامات. القضاء لا ينبغي أن يكون أداة لتصفية الحسابات، وعلى من يدبرون هاته المحاكمات أن تكون لهم على الأقل شجاعة ملاحقة هؤلاء الشباب بالتهم الحقيقية، لا أن تلفق لهم «مونتيفات» عفا عنها الزمن: السكر العلني، بيع الحشيش، إهانة موظف، ضرب المواطنين،... هذه الأساليب البدائية تذكرنا بأن دولة الحق والقانون مازالت بعيدة، رغم الشعارات البراقة والدستور الجديد وحكومة بنكيران، الديكور تغير وموازين القوى مالت لصالح المخزن، لكن الطريقة التي تدبر بها الأحداث لن تؤدي إلا إلى جولة جديدة من الاحتجاجات، قد تتأخر، لكنها آتية لا محالة. كيف يعقل ذلك؟ الشباب المدللون الذين كانت وسائل الإعلام تتسابق عليهم، ويدعوهم كبار المسؤولين إلى اجتماعات سرية وعلنية، ويطلب رأيهم في الدستور... باتوا فجأة مجرد صعاليك و«حشايشية» و«سكايرية» وقطاع طرق؟ بالأمس كان سقراط ضيفا على لجنة المنوني واليوم أصبح بائع حشيش؟ بالأمس كان «يعدل الدستور» واليوم صار «يعدل الجوانات»؟... سبحان الله!