«لا تدعه يبقيك مستيقظا طوال الليل لأن اللغز لن تستطيع حله والأسئلة لن تجد لها أجوبة»، لكن في «أسرار غامضة طبعت التاريخ» نقوم بالإحياء الدرامي الدقيق لتلك الأسرار التي ألهمت الخبراء وأثارت اهتمامهم وأذهلتهم لقرون وعقود وجعلت من شخصياتها أساطير في الذاكرة. سوف نقوم بكشف حقيقة بعض الشخصيات الأسطورية من خلال اكتشاف أدلة ونظريات جديدة. في أواخر عام 1870 عاش أحد أكثر الخارجين عن القانون شهرة بالغرب الأمريكي. كان يدعى الولد بيلي. قاتل مراهق أرعب نيو مكسيكو وصور على أنه من أكثر الشخصيات عنفا وتجردا من الرحمة. يروى بأنه قتل 21 رجلا، وسطا على البنوك، وظهرت صوره على الملصقات وعليها عبارة: مطلوب حيا أو ميتا. كان يقف في الطريق ويتحدى الناس أن يستلوا أسلحتهم. حياته الإجرامية انتهت حين أرداه رجل القانون بات غاريت قتيلا. هذه هي أسطورة الولد بيلي، لكن تحليلا دقيقا وأدلة جنائية جديدة تكشف أن قصته كانت مختلفة تماما. من يكون بيلي؟ جزء كبير من حياته يمثل لغزا، إذ لا يعرف أين ولد، ومن يكون والده، ولا أين قضى سنواته الخمس عشرة الأولى، لكن اسم هنري مكارثي، أو الولد بيلي، ظهر في التاريخ المسجل حين ألقي عليه القبض لسرقة بعض الملابس من حبل غسيل وهو في الخامسة عشرة من عمره سنة 1875، ثم حين ألقي عليه القبض في مقاطعة لنكولن بنيو مكسيكو في اشتباك دموي، فصنف مجرما خارجا على القانون دون سن الواحدة والعشرين. يؤكد المحللون المعاصرون أن تصرفات بيلي الإجرامية تعود إلى لقاء شخص إنجليزي يدعى جون تونستلر. كان هذا الأخير تاجرا يدير متجرا ومزرعة للماشية، ومنح بيلي وظيفة عنده في شتاء 1877. كان هناك متجر منافس في المدينة يملكه شريكان ناجحان جدا، هما لورانس ميرفي وجيمي دلن، ولم يكونا ينظران بعين الرضا إلى تونستلر. كانت قوانين الغرب الأمريكي تختلف عن آداب تونستلر الإنجليزية، وكان ميرفي ودلن يسيطران على الشريف برادي، فقام هذا الأخير بإرسال قوة أمنية لاعتقال تونستلر وإزالته كخطر تجاري، ولم يتصور الرجل القادم من مجتمع فيكتوري متحضر أنهم قد يقدمون على قتله. كانت جريمة واضحة المعالم. رأى رجال تونستلر، الذين تشكلوا في فريق أطلق على نفسه اسم «المنظمين»، أن يأخذوا بزمام الأمور، فانضم إليهم بيلي، ليس كمسلح، بل كشاب يسعى إلى الانتقام من قتلة مستخدمه الوحيد الذي عامله كإنسان. حصل «المنظمون» على صفة قانونية حين صدرت مذكرة توقيف في حق قتلة تونستلر. وامتدت حرب لنكولن من فبراير إلى يوليوز عام 1878 وقد كانت السبب في بلوغ بيلي الشهرة وسقوطه. ميلاد الأسطورة كمين واحد يمثل نقطة التحول في حياة بيلي. إنه الجزء الذي شارك فيه في قتل الشريف برادي شهرين بعد موت تونستلر. كان «المنظمون» قد قضوا ليلتهم في متجر تونستلر، وفي الصباح بينما كانوا يتناولون إفطارهم رأى أحدهم من النافذة الشريف ورجاله يسيرون في الشارع، فاتخذوا واحدا من أغبى الكمائن، وهي فتح النار على الشريف ومرافقيه.. اثنان لم يصابا بأذى، لكن الشريف فارق الحياة بعدما اخترقته 19 رصاصة. ألغيت صفتهم القانونية وتصاعدت الحرب حتى وصلت إلى إطلاق نار دموي ومحاصرة منزل مشتغل في لنكولن، خلالها قام بيلي بأول خطوة جعلت منه أسطورة الرجل الخارج عن القانون. تولى بيلي القيادة للمرة الأولى ونفذ عملية إلهاء لجذب إطلاق النار صوبه، ليمكن الآخرين من الهروب. وقد انتهى القتال بنجاة بيلي، لكن العديد من رفاقه ماتوا.وبعد تصنيفهم مجرمين خارجين عن القانون تبعثر من بقي منهم في أرجاء البلاد، وأصبح بيلي في حالة فرار. حاول بيلي تسليم نفسه كمواطن ملتزم بالقانون، وطرحت فرصة جديدة نفسها حين تم تعيين حاكم بعد أشهر من نهاية الحرب. أعلن الحاكم الجديد ولاس العفو عن جميع من شاركوا في حرب مقاطعة لنكولن، وكشفت التحقيقات عن وجود صفقة سرية بأن يحصل بيلي على العفو عن جرائمه مقابل تسليم نفسه. مثل بيلي أمام المحكمة وشهد ضد عصابة ميرفي بصفته شاهد عيان، لكن لم تجر الأمور وفقا للخطة المتفق عليها. طلب ولاس من أتورني النائب العام عدم محاكمة الولد بيلي، لكن أتورني رفض وأدين بيلي بالإعدام شنقا. غير أنه تمكن من الفرار عام 1881 وخطى أول خطوة له في عالم الشهرة، فقد خدع سجانين معا وقتلهما وهرب. ورغم أن بات غاريت الشريف الجديد لم يكن موجودا عندما فر بيلي، فإن روايته كانت هي المقبولة، وفي تلك اللحظة ولدت أسطورة الولد بيلي. النهاية والبداية تفيد رواية غاريت أن بيلي أثناء مرافقته إلى بيت الخلاء تمكن من الفرار في طريق العودة، إذ سبق سجانه بيل وصعد الدرج ودخل بيت الأسلحة، وأخذ بندقية وأطلق النار على بيل، الذي كان أسفل الدرج، ثم أطلق النار من النافذة على الحارس الثاني أرينغز، ووضع لنكولن في حالة رعب وهو يلوذ بالفرار. لكن بعض الأدلة تشير إلى أن غاريت كان يكذب، وأن أعمال بيلي كانت نتيجة يأس وليس عن سبق إصرار وترصد. استنادا إلى تحاليل جنائية حديثة باستعمال مادة ليمنول، التي تكشف الدماء الجافة حتى لو كان عمرها أكثر من 100 عام وتتحول إلى اللون الأزرق، اتضح وجود دم في أعلى درج مكان الخلاء وليس أسلفه. وتبين أن السجان بيل والسجين بيلي دخلا في اشتباك في أعلى الدرج، وبعد أن حاول هذا لأخير الانقضاض على المسدس تعثر وانطلقت الرصاصة القاتلة. هرع السجان الثاني أرينغز إلى المحكمة من الفندق، ونظر إلى أعلى فرأى بيلي ممسكا ببندقية، ولأن الحياة أصبحت إما قاتلا أو مقتولا انطلقت رصاصة بيلي صوب أرينغز. لم يُرعب بيلي لنكولن، فقد كان لديه فيها الكثير من الأصدقاء. لقد أمضى ساعة كاملة وهو يودع الجميع قبل أن يمتطي حصانا ويهرب. إن هذه الشعبية الواضحة المتزامنة مع هروبه الأخير هي التي خلقت أسطورة الولد بيلي.إذ تداولت اسمه صفحات الصحف المحلية والوطنية، وأهمها «نيويورك تايمز». أصبح الولد بيلي في نظر القانون قاتلا مدانا، وموته بطريقة أو أخرى لا مفر منه، وبعد 11 أسبوعا من هروبه شهدت قلعة سامر نهايته حين أرداه الشريف بات غاريت قتيلا. لم تجر الأمور لصالح الولد بيلي بسبب الخيارات الخاطئة، خيارات ولد بالكاد أصبح رجلا، ومما لا شك فيه أن بيلي كان قاتلا، لكنه لم يكن من أكبر المطلوبين بين مجرمي الغرب الأمريكي كما صورته الأسطورة، إذ توضح وثيقة قديمة أنه كان يحتل المرتبة 14 ضمن هؤلاء.