الجريمة لا تعترف بالمكان ولا بالزمان، خاصة حين يتحول تطبيق القانون إلى مجرد إجراءات روتينية تنتهي عند إيداع السجين داخل الزنزانة.. هناك، حيث يكتشف «مختبرا» كبيرا لتطوير الجريمة وجعلها تكتسب «مناعة» أكبر تجعلها تتم تحت أنظار القانون وبتواطؤ مع بعض ممن يمثلونه. الحبس عند معظم المغاربة عالم مخيف، «تتسرب» منه حكايات يتجاوز بعضها حدود الخيال، ويؤكد بعضها أن هذه المؤسسات تحولت إلى «مصانع» لإعادة تدوير الجريمة وتطويرها من أجل تخريج أفواج جديدة من عتاة المنحرفين، وهو ما تؤكده، بما لا يدع للشكّ، نسب الملفات المرتبطة بقضايا العَود. ورغم أن بعض قدماء المجرمين يؤكدون أن حال السجون في المغرب قد تغيّر وأصبحت بمثابة «فنادق» مقارنة بما كانت عليه في الماضي، حيث كان على النزلاء مواجهة البراغيث والقمل و«الجّْرْبة» التي كانت تحرم الكثيرين من النوم.. وكان علاجها يتم بوضع مادة «بسكابيول» وقطع كبيرة من صابون الكف داخل دلو، مع إضافة كمية من الماء.. وبعد خلط المزيج جيدا، يتم «رص» السجناء على شكل حائط بشري والاستعانة بفرشاة تُستعمَل لوضع الجير من أجل تمريرها على وجهوهم وأجسادهم، على أمل أن تختفيّ هذه «الجربة».. كما كان الاغتسال يتم مرة واحدة في كل 15 يوما، وهو ما يجعل بعض السجناء مثل «حاوية قمامة متنقلة».. هذه المَشاهد، ورغم أنها احتفت نسبيا، فإن السجون المغربية ما تزال «كتابا مغلقا» تتسرّب منه، بين الفنية والأخرى، تفاصيل صادمة!.. أن يصبح السجن مكانا آمنا للاتّجار في المخدرات، بكل أنواعها، والتخطيط لجرائم قتل وسرقة والتحرش والاغتصاب والشذوذ و السحاق.. ولائحة طويلة من الممارسات غير القانونية.. هو أمر يدق ناقوس الخطر ويؤكد أن السياسة الجنائية في المغرب قد فشلت، إلى حد الآن، في تحصين المجتمع من الجريمة وفي الوقاية من امتدادها وتحوّلها إلى سلوك يُعبّر من خلاله عدد من الأفراد عن احتجاجهم على ما يعتبرونه «حكرة» أو إقصاء أو عدم إنصاف القدر لهم.. يؤكد هدا الواقع، أيضا، أن الحديث عن إصلاح القضاء في المغرب يجب أن يأخذ بعين الاعتبار واقع السجون، الذي فضحته، هذه المرة، لجنة برلمانية صُدمت ل«الأهوال» التي عاينتها في سجن واحد فقط.. علما أن لائحة السجون المثيرة للجدل طويلة وتشمل، أيضا، سجن «الزاكي» في سلا وسجن و«طيطة» وسجن «عين قادوس» وغيرها كثير. وما جاء به تقرير الجنة، ورغم قوته، ليس بالأمر الجديد، بل سبق لعدد من الجمعيات والهيئات الحقوقية أن أنجزت بخصوصه تقارير فضحت ما يحدث داخل السجون، وقدّمت معطيات وأرقاماً دقيقة على أن سجون المغرب قد «انفلتت» من رقابة القانون وأصبحت شبيهة بسجون بعض دول أمريكا اللاتينية، التي يتحكم فيها السجناء ويفرضون داخلها «قانونهم الخاص»، بتواطؤ مع الحراس.. وهي التقارير التي كانت تتعامل معها مندوبية السجون ببلاغات تكذب وتنفي.. وترسم صورة «وردية» للسجون وتتحدث عن تحسين جودة التغذية والإقامة ووضع خطط للإدماج.. غير أن هذا الملف اتخذ حاليّا منحى أخر وأصبح مثل كرة ثلج تكبر يوما بعد يوم، ما يُرجّح أن الايام القادمة ستشهد التضحية في بعض الأسماء من أجل احتواء هده الفضيحة التي جعلت حفيظ بنهاشم يقرّ، في النهاية، ببعض ما جاء في تقرير اللجنة لأن النفي المطلق لم يعد يجد ولن يكون في صالحه.. تؤكد التطورات التي شهدها ملف السجون أن كمية المخدرات التي تعلن المندوبية عن حجزها، بين الفينة والأخرى، هي «مجرد شجرة تخفي غابة كثيفة» نمت في السجون.. ويتم في ظلامها تكديس الثروات من خلال غضّ الطرف وتموين عدد من النزلاء بكميات من الحشيش لبيعها، وأيضا ب«السليسيون» و«القروقوبي» وبغيرها من الممنوعات و»الغنائم» التي يتم اقتسماها، علما أن «راسْ وْقيدة» من مخدر الشيرا -وهو مصطلح للدلالة على قطعة صغيرة بحجم رأس عود الثقاب- يباع بحوالي 25 درهما، علما أن ثمنه الحقيقي لا يتجاوز ثلاثة داهم.. ويصبح ثمن ورقة «النّيبرو» (اللّفافة) درهمين عوض 20 سنتيما.. دون الحديث عن الرشاوى والإتاوات التي يتعيّن على السجناء دفعها إما من أجل حماية أنفسهم من الاعتداء أو للتمتع ببعض «الخدمات».. و»التسعيرة» واضحة ومعروفة للجميع، وعلى من يرفض ذلك أن يضرب رأسه عرض الحائط.. في وقت سابق، كانت إدارة السجون تعامل بعض السجناء الذين يقدمون على محاولات الانتحار أو يخيطون أفواههم احتجاجا على الأوضاع التي يعيشونها على أنها «حالات معزولة»، لكنّ هذا الأمر يجب أن يتغير، ما دام القانون يكفل للسجين حقوقه، علما أن السجن لا يضم فقط القتَلة والسفاحين و»وجوه الشّرْع» ممن يعترضون سبيل الأبرياء، بل إن عددا من المغاربة حاصرهم القدَر وجعلهم مجبَرين على ارتكاب خطيئة زجّت بهم داخل الزنزانة، ومنهم أيضا مظلومون قضوا سنين طويلة في السجن قبل أن تظهر براءتهم.. لقد راكم مسؤولون سابقون في عدد من السجون المغربية ثروات مهمة ويصارع مستخدَمون صغار حاليا هذا «الزمن الصعب» براتب «هزيل» وأيام «باردة» يتقاسمونها مع السجناء.. لذا يجدون في هذا «العالم المغلَّف» فرصة ل«تحسين الدخل» من خلال التعامل مع بعض الأثرياء ومختلسي المال العام وبارونات المخدرات ممن يتمتعون بخدمات «فندق من خمسة نجوم» مقابل إكراميات «سخية» يتم توزيعها مقابل التّغاضي عمّا عما يجري خلف أسوار السجون.