يقول بعض السجناء إن المخدرات تنتشر بشكل مخيف داخل المؤسسات السجنية بفاس. ويشتكي بعضهم من ضغوطات تمارس عليهم من قبل موظفين للمتاجرة في مختلف أنواعها. ويذهب حقوقيون إلى أن انتشار هذه الظاهرة يؤكد فشل سياسة إعادة إدماج السجناء. رفضت إدارة السجن المحلي بوركايز بفاس تسلم شكاية بعث بها السجين عرشان حميد، الملقب ب«إيرمان»، إلى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بفاس، يتهم فيها موظفين داخل المؤسسة، ذكرهم بالاسم، بممارسة ضغوطات عليه من أجل العمل على ترويج المخدرات. وتقول الشكاية إن هؤلاء الموظفين عمدوا إلى تعذيبه بعدما رفض طلبهم عبر استعمال ما يعرف ب«الفلقة». وجاء في شكاية السجين، المعتقل على خلفية ملف يتعلق بالضرب والجرح وهتك عرض قاصر والذي حكم عليه بخمس سنوات قضى منها إلى حد الآن ما يقرب من ثلاث سنوات وشهر، أن «إيرمان» قام بمحاولة انتحار فاشلة عبر «تشريط» جسده بآلة حلاقة بسبب هذه الضغوطات. وتطالب الشكاية، التي بعث بها هذا السجين الذي يحمل رقم اعتقال 9130، بفتح تحقيق نزيه في القضية ورفع الظلم عنه وحمايته من أي إجراءات انتقامية قد يقوم بها الموظفون المتهمون ضده. وفي السياق ذاته، حصلت «المساء» على بعض الصور التي التقطت لهذا السجين في رمضان الماضي وهو يبيع «النيبرو» في «متجره» بالسجن. وقال «إيرمان» إنه كان يبيع في تلك الفترة أيضا «الماحيا» والحشيش وأسلحة بيضاء، مضيفا أنه كان يبيع سلاحا أبيض يعرف ب«بوكوردا» ب100 درهم و«بونقشا» ب80 درهماً. وأورد أن الضغوطات بدأت تمارس عليه عندما تراجع عن بيع المواد غير القانونية واكتفى ببيع مواد استهلاكية للسجناء. واتهم هذا السجين موظفا بالسجن بالوقوف وراء عملية إدخال هذه المواد الممنوعة إلى السجن، مشيرا إلى أنه يتوفر على 6 شهود مستعدين للإدلاء بشهاداتهم حول هذه الاتهامات. وأفاد «إيرمان» بأن محاولاته للاتصال بمدير السجن باءت بالفشل، موضحا أن الأخير يثق بالموظفين ولا يثق بالسجناء. حكاية أخرى أما السجين مراد الزمغودي فقد دخل، طبقا لشكايته، في إضراب عن الطعام منذ يوم الثلاثاء الماضي، وذلك احتجاجا منه على ما سماه بالتعذيب الذي يتعرض له من قبل موظفين في ذات المؤسسة بسبب مقال سابق نشر في «المساء» يتطرق إلى ضغوطات يقول إنها مورست عليه بدوره من أجل العودة مجددا إلى الاتجار في المخدرات، لكن هذه المرة داخل المؤسسة السجنية. وكان هذا السجين الذي يحمل رقم الاعتقال 9765 قد حكم عليه بالسجن بتهمة المتاجرة في المخدرات. ويشير إلى أنه تاب عن هذا العمل، لكن بعض الموظفين يضغطون عليه من أجل العودة إليه. وأوردت الشكاية أن رئيس المعقل عمد، مباشرة بعد صدور المقال، إلى إرسال مجموعة من الموظفين إلى زنزانة السجين وتمت مصادرة صور خاصة بعائلته وعرضها على السجناء، وامتنع المسؤول عن إرجاعها إليه. في حين رفض المدير استقباله للاستماع إليه. ويطالب السجين في شكايته بفتح تحقيق في الموضوع وإرجاع الصور العائلية إليه والتي تستعمل من قبل رئيس المعقل في «الإساءة» إليه «باستعمالها في أمور غير لائقة». وتقول المصادر إن كل أنواع المخدرات تدخل إلى السجون بجهة فاس بولمان. ف«بلاكة» الحشيش في سجن بوركايز مثلا تباع ب150 درهما. وتورد المصادر أن بعض الموظفين هم الذين يعمدون إلى إدخال المخدرات إلى المؤسسة السجنية، وأن هناك عدة «حيل» تستعمل لإدخال هذه المواد، فالموظف يعمد، في بعض الأحيان، إلى دس المخدرات تحت لباسه أو في حقيبته الشخصية التي يتظاهر بكونها تحتوي فقط على طعامه وشرابه، هذا في الوقت الذي يمنع فيه القانون إدخال الأمتعة الشخصية للموظفين إلى داخل المؤسسة. وبعد إدخالها تسلم إلى السجين المتفق معه على بيعها وتقسيم «الوزيعة» بعد ذلك. وفي أحيان أخرى، يضعها الموظف في مكان متفق عليه مسبقا. وتضيف المصادر أن أغلب هذه العمليات تتم نهاية كل أسبوع، وهي الفترة التي تعرف بتخفيض عدد الموظفين المكلفين بالحراسة. ومما يشجع على تنامي هذه الاختلالات داخل السجون عدم توفر بعضها على منازل خاصة بالمدير وعدم تزويد منازل بعض المديرين، داخل هذه المؤسسات، بكاميرات تتيح لهم متابعة الوضع داخل السجون. لكل ثمنه وكانت لجنة تفتيش من الإدارة العامة للسجون بالرباط قد حلت منذ حوالي شهرين بسجن عين قادوس. وأفضت «حملتها» إلى العثور على كميات من المخدرات وأنواع مختلفة من الأسلحة البيضاء وهواتف نقالة في منزل أحد المسؤولين بالسجن. ولم يعمل هذا المسؤول على تسجيل هذه المواد في سجل الأمتعة التي تمت مصادرتها من السجناء، كما أنه لم يقم بإخبار الإدارة المركزية عن هذه المواد المصادرة. ويرفض المسؤولون بسجني عين قادوس وبوركايز التواصل مع الصحافة والرد على اتهامات السجناء. ويحكي أحد الحقوقيين الذين سبق لهم أن مروا بسجن عين قادوس بفاس كيف أن المخدرات بكل أنواعها تدخل إلى المؤسسة أمام أعين بعض الموظفين. ويذهب هذا الحقوقي إلى أن أثمنة إدخال هذه المخدرات معروفة مسبقا. ويذهب إلى أن مادة «السليسيون» تباع في السجن ب30 درهما، وفي أواخر رمضان الماضي وصل ثمن العلبة الواحدة من هذه المادة إلى 50 درهما. أما «النيبرو» فيباع داخل السجن بدرهم للورقة الواحدة. وإلى جانب تواطؤ بعض الموظفين، يقول هذا الحقوقي إن الحشيش يتم إدخاله بطرق شتى، لكنها معروفة في أوساط المؤسسات السجنية. فيمكن أن يوضع داخل «صندالة» الزائر الذي يعمد إلى عملية تبادل «الصندالة»، خلال الزيارة، مع السجين. كما يمكن أن يوضع في «شارجور» الهاتف النقال، ولإدخال هذه الآلة يكفي دفع 20 درهما للحارس أمام الباب الرئيسي. ويوضع الحشيش كذلك داخل أجهزة أخرى من قبيل الهاتف النقال والتلفاز والمذياع. ولإدخال كل جهاز من هذه الأجهزة يكفي دفع ما بين 20 و100 درهم. فشل سياسة إدماج السجناء يقول عز الدين المنجلي من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهو كذلك من المعتقلين سابقا على خلفية أحداث ما يعرف بانتفاضة صفرو، إن المخدرات منتشرة بشكل قوي في السجن على مرأى من الإدارة «إلى درجة أن الإداريين في هذه المؤسسة لديهم شبه قناعة بأنه من المستحيل وضع حد لهذا المشكل داخل السجون». وأورد أن حيل إدخال المخدرات إلى السجن يمكن أن تنطلي على بعض الموظفين النزهاء، «لكن، في المقابل، هناك موظفون متورطون في المخدرات وفي تلقي رشاوى من بعض تجارها داخل السجون». واعتبر المنجلي أن وجود المخدرات داخل السجون هو بمثابة رسوب لسياسة إدماج السجناء، داعيا إلى إعادة النظر في العقوبات الجنائية السالبة للحرية لأنها تترك السجين يفكر في خلق عوالم بديلة تسقطه في عالم المخدرات. وتطرق المنجلي، من جهة أخرى، إلى الوضع الاجتماعي المتدني لموظفي السجون، مشيرا إلى أن انخفاض رواتبهم يدفعهم إلى البحث عن مداخيل مكملة للعيش في ظل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.