يؤمن عدد ممن جربوا السجون بأن ما وراء الأسوار هو «عالم آخر» له «قانونه الخاص»، الذي يصعب التمرد عليه، هناك حيث تسود لغة أخرى و«عملة» مغايرة هي السجائر، وأحيانا، المخدرات، التي تمثل وسيلة للمقايضة. هناك أيضا يخضع الضعيف للقوي، ومن لا يملك ظهرا يحميه قد يقضي عقوبته السجينة في عذاب قد لا ينتهي، بالضرورة، بعد الإفراج عنه.. رغم أن السجون تكلف الدولة ميزانية ضخمة من أجل حماية المجتمع ممن تجاوزوا الخط الأحمر وارتكبوا الجريمة بمفهومها الواسع، وهي «كل فعل أو امتناع يعاقبه القانون».. فإن الأسوار الإسمنتية العالية تشكل، أحيانا، ملاذا آمنا للاستمرار في عالم الجريمة، وهناك أمثلة كثيرة تم فضحها إما بالصدفة من قبل معتقلين حديثي العهد أو بعد زيارة مباغتة للجنة التفتيش، رغم محدودية نشاط هذه الأخيرة. سمايرية وحشيش الملقب ب«زامبيا» نموذج حي يدل على حقيقة الجريمة وتفاعلها حتى داخل السجن، فهذا العنصر، الذي كان احدَ أهمّ الأسماء في شبكة التلاعب بالهبات الملكية، لم يردعه اعتقاله وإدانته عن مواصلة نشاطه انطلاقا من زنزانته، مستعينا بالهاتف المحمول وبعدد من السماسرة الذين يقدمون له معلومات يستعين بها من أجل توزيع «المهام» على باقي العناصر التي لم يطلها الاعتقال، وهو الأمر الذي ما كان لينكشف لولا أن احد المعتقلين الجدد في هذا الملف، والذي ضبط ضمن شبكة ل«السمايرية» ممن يقدمون معلومات مغلوطة للحصول على «لكريمات» والتلاعب بها أكد، في تصريحاته للضابطة القضائية، أن الملقب ب«زامبيا» هو من كان يتولى مهمة التنسيق من داخل سجن العرائش، بعد أن حافظ على مكانته وهيبته ضمن الشبكة التي كانت لها امتدادات في عدة مدن مغربية.. وليس «زامبيا» وحده من كان يجعل من زنزانته «مكتبا» لإدارة نشاطه الإجرامي، بل إن واحدة من أهم «مرّارات» الحشيش في العاصمة الرباط كانت تدار انطلاقا من سجن سلا، بعد أن تم اعتقال زعيمها إثر حملة أمنية جاءت بعد أن ءصبحت «عكراش» تستقبل الطوابير من أجل الحصول على المخدرات. لم يمنع اعتقال الزعيم من أن يظل اسم منطقة عكراش مرتبطا بالمخدرات والاتجار فيها، بعد أن تولى باقي أفراد الأسرة «إدارة» نقطة البيع، مستعينين بخدمات العشرات من الأعوان والمخبرين الذين كانوا يخضعون لأوامر تصدر بالتراتبية.. وكان مصدرها الأساس هو زنزانة في سجن سلا، رغم أن إدارة السجن لجأت إلى وضع جهاز تشويش تسبّبَ فقط في مشاكل حقيقية لساكنة الحي القريب للسجن وكذا للعاملين في الأمن، بحكم وجود السجن قرب المنطقة الإقليمية للأمن.. كان هذا الجهاز الذي وضع بهدف التشويش على أي مكالمات قد يكون مصدرها السجن في صالح شبكة حققت أرباحا مالية مهمة من خلال بيع مكالمات بسعر يختلف حسب الوجهة والمدة عن طريق الاستعانة بنوع معيّن من الخدمات الهاتفية التي «تنفلت» من جهاز التشويش وتسمح لمستعملها بالحديث بكل وضوح مع مخاطبه.
محام «مقيم» في السجن هناك حكاية أخرى تتعلق بمدان بالمؤبد استغل فترة سجنه الطويلة لجمع ثروة ناهزت 30 مليون سنتيم، من خلال تكوين شبكة لبيع المخدرات وباقي «الخدمات» المرتبطة بها من أوراق «النّيبرو»، الذي يُستعمَل في إعداد لفافات الحشيش، وعقاقير الهلوسة، التي كان يمون بها بانتظام، واستعملها ذات مرة لمعاقبة أحد الحراس الذي تحول إلى طفيلي يزوره في زنزانته من أجل التطاول على الأكل الخاص به، وبعض الهدايا التي كان يتوصل بها، حيث دس له حبتين داخل مشروب وضعه في مكان ظاهر لعمله أن يد الحارس ستمتدّ إليه وهو ما تم فعلا ليفقد هذا الحارس عقله لمدة من الزمن.. سيجد هذا السجين، الذي عرف كيف يجمع ثروة وهو داخل السجن، نفسه طليقا بعد 17 سنة، ليشتري شقة ويخصص ما تبقى من المبلغ لاستئناف «نشاطه»، بعد أن نجح في تكوين أسرة. سجين آخر، وهذه المرة بسجن القنيطرة، كان بارا بوالديه وكان يقتطع جزاء مهما من مداخيل بيع المخدرات لإعالة أسرته، لكنه سيجد نفسه في قبضة الأمن، لتتم إدانته، غير أن ذلك لم يمنعه من التفكير في والديه وإخوته الصغار، حيث نجح في جمع مبلغ 13 ألف درهم في ثلاثة أشهر انطلاقا من زنزانته.. لكن هذا المبلغ «سيطير» منه حين حاول خلال جلسة المحاكمة الاستئنافية تسليمه لوالده، حيث لاحظ أحد رجال الأمن انتقال رزمة غربية من يد إلى أخرى لقيوم بتفتيشها ومصادرتها.. وفي نفس السياق، وجد أحد المحامين نفسه، وعوض أن يدافع عن المعتقلين، مكبَّلا بالأصفاد بعد متابعته بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد ويتحول إلى نزيل في السجن.. لم يُفوّت هذا المحامي، الذي اشتهر بغليونه، الفرصة لجمع المال، بعد أن صدر حكم بإدانته، وقام بنقل «مكتبه» إلى زنزانته، حيث كان يتولى تقديم الاستشارات القانونية للسجناء ويُلقّنهم تفاصيل الكلمة الأخيرة وطريقة الرد على أسئلة القاضي.. كما كان يشرح لهم الثغرات القانونية التي يمكن استغلالها في أي نشاط إجرامي مستقبلي من أجل تفادي الوقوع في قبضة العدالة، وهو ما جعله يحقق مداخيل فاقت تلك التي كان يجنيها وهو خارج أسوار السجن.. بعد أن تحول إلى شخص مهم يتهافت عليه جميع النزلاء وينادونه «الأستاذ»..
«حنان»، «ربيعة» وآخرون.. خدمات جنسية مقابل الأكل والحماية يؤكد أصدقاؤه الذين كانوا يعرفونه في مراهقته أنه كان وسيما وشهما ويتمتع ب«رجولة» تجعله يوظف قوته للدفاع عن «الضعيف».. غير أن الظروف الاجتماعية القاهرة التي عاش فيها، وسط أسرة «احترفت» بناتها الدعارة وغرق فيها الأخوة الذكور في المخدرات بشكل جعل «السطافيط» «معتادة» على أن تحل، بين الفنية والأخرى، لتخرج أحدهم وتزج به في السجن.. جعلت مسار حياة «ربيع» ينقلب 180 درجة، بعد أن تجاوز سن الثامنة عشرة لتكون جريمته الأولى هي سرقة جهاز «ستيريو» ليمضيّ في السجن خمسة أشهر، خرج بعدها منكسرا ومحطما، بعد أن فقد «بكارته» الأخلاقية وأصبح، مثلَ إخوته، من «وجوه الحبس».. حاول «ربيع»، في البداية، نسيان هذه التجربة واستعادة مكانته داخل الحي ووسط أصدقائه، لكنه فشل وانجرف إلى عالم المخدرات والإدمان.. ليتأكد للجميع أن السجن أصبح مكانَ ابنِ الحي المفضّلَ الذي يلجه ليقضي عقوبات مختلفة المدة، قبل أن يظهر، من جديد، وكأنه جاء في «عطلة قصيرة»، قبل أن يختفي مجددا. ما كانت فضيحة «ربيع»، التي بقيت محصورة داخل السجن لتُعرَف لولا أن محكوما من نفس الحي تحوّل إلى «إذاعة» نشرت خبرا صدم الجميع وقدّم تفاصيلَ مثيرة تحكي كيف تحول «ربيع» إلى «ربيعة»!.. أكد النزيل -«المذياع»، الذي غادر أسوار السجن وفي جعبته «قصة» مثيرة، للجميع أن ربيع هو «دمية جنسية» لبارون مخدرات تمت إدانته بعد ارتكابه جريمة قتل.. وقال إن الشخصية التي يشتهر بها ربيع في الحي ليست سوى قناع وإنه يعيش داخل السجن ك«فتاة» مُهمّتها جعل عشقيه يشبع رغبته الجنسية طيلة سنوات عقوبته الطويلة، لهذا يتعمّد ارتكاب جرائم للعودة مجددا إلى السجن، حيث يتمتع بكل ما لذ وطاب من أكل وسجائر ومخدرات.. و«مقابل» ذلك معروف، غير أن ذلك لا يمنع من «احترامه» من طرف باقي السجناء، الدين كانوا يتخوفون من بطش بارون المخدرات ومن «نفوذه». لم يكتف السجين -«الإذاعة»، الذي غادر أسوارَ السجن بذلك، بل خصص «حلقات» لسرد حقيقة «ربيع» خلال جلسات من السمر الليلي أكد فيها أنه ليس وحده من حُكِم عليه بأداء «ضريبة» من جسده، بل هناك آخرون، ومنهم سجين مثلي ملقب ب«حنان» ومحكوم بالمؤبد، قطعت أسرته كل علاقة به وأصبح «متاحاً» لكل من تجلب عائلته قفة فيها مأكولات شهية.. حيث يطوف على السجناء وهو يحمل قطعة ثوب وحين تجذبه رائحة وجبة شهية يعرض على صاحبها اقتسماها معه مقابل سماحه له بممارسة الجنس عليه.. بعد أن يتم وضع المنديل كغطاء لصنع ما يشبه غرفة نوم تحجب الرؤية عن الآخرين.. وهو الأمر الذي جعل بعض السجناء المحكومين بمدد طويلة يُطالبون أسرهم بإحضار قفة تتضمن المأكولات المحببة إلى «حنان» من أجل أن يتمتعوا ب«وجبة» جنسية!.. لا يقتصر الشذوذ على السجناء الرجال، بل يمتد، ايضا، إلى الجناح الخاص بالنساء، ففي الوقت الذي تلجأ بعض النزيلات إلى العادة السرية أو إلى استعمال بعض الطرق الغربية، كوضع الخبز المنقوع في الماء داخل عازل طبي. كما تقوم نزيلات باتخاذ «خليلات» لهنّ، إما طوعا أو عن طريق الإجبار، من أجل إطفاء نيران شهواتهنّ الجنسية..