أكد عبد الرحيم الجامعي، المحامي ورئيس المرصد المغربي للسجون، أن ما كشف عنه تقرير اللجنة البرلمانية حول المؤسسات السجنية لم يأت بجديد، على اعتبار أن تلك الخروقات سبق أن كشفت عنها ونبّهت إليها مجموعة من المنظمات الحقوقية في عدة تقارير، ما يفرض، في رأيه، على المندوب العام لإدارة السجون، حفيظ بنهاشم، تقديم استقالته، نظرا إلى «حصيلته غير المشرفة على رأس المندوبية».. - كيف استقبلتم، في المرصد المغربي للسجون، التقرير الأخير للجنة البرلمانية التي قامت بزيارة إلى مجموعة من السجون؟ لم نندهش ولم نفاجَأ بتقرير اللجنة.. بل سأقول لك إن ما ورد في هذا التقرير سبق للمرصد أن كشف عنه في تقاريره السابقة، خاصة ما يتعلق منه بأوضاع السجون والمسجونين. وبناء على ذلك، فنحن نعتبر أن هذا التقرير جاء ليؤكد الحالة المزرية للمؤسسات السجنية، إنْ على مستوى البنية التحتية، التي تشكل «فضيحة مدوية»، نظرا إلى عدم ملاءمتها مع عدد نزلاء السجون، الذين يصل عددهم، في بعض الأحيان، إلى 70000 نزيل.. أو على مستوى التدبير والحكامة، التي تشكو، هي الأخرى، من مجموعة من الاختلالات، بل أحيانا من انحرافات تتمثل، على الخصوص، في عدم اتخاذ مصالح السجون الإجراءات اللازمة لجعلها مكانا آمنا يعيد الثقة إلى السجناء، وللرفع من وعيهم بالمسؤولية، تمهيدا لإعدادهم، نفسيا ومعنويا، لتقبل عملية إعادة الإدماج في المجتمع.. وأخيرا، على المستوى الاجتماعي، الذي شهد، بدوره، تدهورا كبيرا وصل إلى درجة فقدان الأمن الإنساني داخل السجون المغربية، في ظل انتشار عدد من الظواهر السلبية بين أسوار المؤسسات السجنية، وسط صمت المسؤولين وتجاهلهم الأوضاع الكارثية داخلها. - ما هي، في نظرك، تداعيات تقرير اللجنة البرلمانية على الأوضاع المستقبلية داخل السجون؟ حينما يتحدث التقرير عن عدد كبير من الاختلالات ويضع على مرأى ومسمع من المجتمع مظاهر التسيب واللا قانون تحت إشراف المندوبية العامة للسجون، سواء ما يتعلق بترويج المخدرات، بكل أنواعها، أو المساس بالصحة العامة للسجناء أو نمو نسبة الجرائم داخل أسوار المؤسسات السجنية، فإن ذلك يطرح علينا أسئلة متعددة، من بينها، على الخصوص، سؤال العدالة الجنائية والسياسة العقابية، ثم سؤال ملاءمة قانون السجون مع مبادئ الدستور، ومع القواعد النموذجية للأمم المتحدة، المتعلقة بمعاملة السجناء، بما في ذلك قواعد تشديد العقوبة وقواعد الاعتقال الاحتياطي وقواعد الإفراج المشروط وقواعد العفو.. ترتبط المسألة الأخرى بالسجن وعلاقته بمحيطه الاجتماعي، بما فيه منظمات المجتمع المدني، والتي يفترض فيها أن تقوم بمراقبة كافة مؤسسات المرفق العمومي، بما فيها المؤسسات السجنية، والتي يفترض أن تكون مؤسسات لإعادة التأهيل. - وجهتم رسالة إلى الرميد تطالبونه فيها بإبعاد بنهاشم عن مندوبية السجون.. لماذا هذه الدعوة في هذا الوقت بالتحديد؟ هناك قاعدة جنائية تتعلق بتغيير المسؤولين المعينين على رأس القطاعات الحيوية بعد كل أربع سنوات، كما أن هناك قاعدة متعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة.. وبما ان أوضاع السجون تنذر بتفجّر وشيك وتثير سخط الرأي العام، وأيضا، ملاحظات هيئات حقوق الإنسان، وعلى رأسها مؤسسات الدولة، متمثلة في المجلس الوطني الحقوق الإنسان والمؤسسة التشريعية.. فإن كل هذا يفيد أن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق من يملكون زمام السلطة، أي أنه يتعين إبعاد بنهاشم عن المندوبية العامة لإدارة السجون، لأن الحصيلة، منذ تعيينه إلى اليوم، لا تشرف المندوبية، بل ويتوجب أن يساءل عما يقع داخل المؤسسات السجنية، بناء على نتائج تقرير اللجنة البرلمانية، مع ضرورة فتح تحقيق حول الدور الذي يحتمل أن يكون قد لعبه في الاختلالات الخطيرة التي تشهدها السجون يوميا، والتي تترتب عنها قانونيا عدة جزاءات، لأننا لو كنا في دولة يحترم فيها مسؤولوها أنفسَهم ويحترمون الرأي العام لقدّم المندوب السامي استقالته فور خروج التقرير إلى حيّز الوجود، حتى لا يقف في وجه التحقيق ويتركَ المصالح المختصة تقوم بالبحث بعيدا عن أي ضغوطات أو توجيهات. - ما هو موقفكم من الحوار حول أوضاع السجون الذي سيشرف عليه الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الحبيب الشوباني؟ الحوار حول أوضاع السجون هو أحد مطالب الحركات الحقوقية، وقد سبق لمرصدنا، وللعديد من المنظمات، أن طالبت به، لكننا لم نتلقَّ أي رد على هذه المطالب، كما وجّهنا مراسلات عديدة للوزير الأول السابق، عباس الفاسي، ورئيس الحكومة الحالي عبد الإله بنكيران، لتنبيههما إلى ما تعرفه السجون من أوضاع مزرية. أما بخصوص الحوار الذي يعتزم الحبيب الشوباني إطلاقه قريبا، فقد عبّرنا عن استعدادنا للمشاركة فيه، بل الأكثر من ذلك عبّرنا عن استعدادنا للمساهمة في وضع منهجيته ومحاوره وطبيعته وهوية المشاركين فيه..حتى تتحقق المقاربة التشاركية، بعيدا عن أي منطلق سياسوي، وفي احترام متبادَل بين كافة الأطراف، لتكون الرؤية نحو المستقبل رؤية موضوعية، مبنية على الفهم الحقيقي للواقع وأسبابه، وإدراك للحاجيات الضرورية، سياسيا وتشريعيا ومؤسساتيا وبشريا، ليتحول السجن من مكان بعيد عن قيّم الإنسانية.. إلى فضاء للتربية الحقيقية على المواطنة واحترام القواعد القانونية.