الطغاة كثيرون، انتهوا وانقضوا.. وسيولدون و يمضون، قد يتفاوتون في وسائل الطغيان، لكنهم يتوحدون في البدايات و النهايات، أتوا إلى الحكم مسالمين ومستعطفين ليصيروا دمويين ومتجبرين، وينتهوا مغدورين ومقتولين. من نيرون الروماني، وكاليغولا الرومانيين، مرورا بالحجاج وعباس السفاح العربيين، وصولا إلى صدام حسين والقذافي القوميين، ظل الطاغية هو الطاغية، لا يرى إلا نفسه ولا يسمع إلا صوته ولا يهتم إلا لمصالحه. الطغاة وهم في أوج طغيانهم يمتلكهم الغرور والاستعلاء ولا يتعظون من دروس التاريخ ومن مصائر أمثالهم ممن سبقوهم من أصنام الطغاة. في عشرينيات القرن التاسع عشر، تمردت كل المستعمرات الإسبانية في أمريكا اللاتينية، وشكلت دولاً مستقلة، بينما بقيت كوبا على ولائها لإسبانيا، بالرغم من مطالبة البعض بالاستقلال. دفع ذلك العرش الإسباني لمنحها شعار «الجزيرة الأكثر إخلاصًا دائمًا». يرجع هذا الولاء إلى اعتماد المستوطنين الكوبيين على إسبانيا في التجارة والحماية من القراصنة، والحماية من ثورات العبيد، وأيضاً لخوفهم من تزايد نفوذ الولاياتالمتحدة أكثر من كرههم للحكم الإسباني. كان الاستقلال عن إسبانيا الدافع وراء تمرد عام 1868 بقيادة كارلوس مانويل دي سيسبيديس، مما أسفر عن صراع طويل الأمد عرف باسم حرب السنوات العشر. رفضت الولاياتالمتحدة الاعتراف بالحكومة الجديدة في كوبا، على الرغم من اعتراف العديد من الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية بها. وفي عام 1878 أنهت معاهدة زانخون الصراع، عندما وعدت إسبانيا بالمزيد من الحكم الذاتي لكوبا. وفي 1879-1880، حاول المناضل الكوبي كاليكستو غارسيا بدء حرب أخرى عرفت ب«الحرب الصغيرة»، لكنه لم يحظ بالدعم. ألغي الرق في 1886، ورغم ذلك ظلت الأقلية ذات الأصل الأفريقي تعاني من الظلم الاجتماعي والاقتصادي. خلال هذه الفترة تجددت الدعوات التي تنادي بالاستقلال، بسبب الاستياء من القيود المفروضة على التجارة الكوبية من قبل إسبانيا، والعداء المتزايد والسياسة القمعية للإدارة الإسبانية في كوبا ولعدم وفاء إسبانيا بتنفيذ بعض بنود الإصلاح الاقتصادي في معاهدة زانخون. في عام 1892 أسس المنشق خوسي مارتي الحزب الثوري الكوبي في منفاه في نيويورك، بهدف تحقيق الاستقلال الكوبي.وفي يناير 1895 سافر إلى مونت كريستيتي في سانتو دومينغو لدعم جهود ماكسيمو غوميز. وكتب مارتي وجهات نظره السياسية في مانيفستو مونت كريستي. بدأ القتال ضد الجيش الإسباني في كوبا يوم 24 فبراير 1895، لكن مارتي لم يتمكن من الوصول إلى كوبا حتى 11 أبريل 1895. قتل مارتي في 19 ماي 1895 في معركة دوس ريوس خلده موته، وأصبح بطلاً وطنيًا في كوبا. فاق تعداد الجيش الإسباني 200,000 جندي، بينما كان جيش المتمردين أصغر من ذلك بكثير، واعتمد في معظمه على حرب العصابات وتكتيكات التخريب. بدأ الإسبان حملة من القمع، فجمع الجنرال فاليريانو فيلر الحاكم العسكري لكوبا سكان المناطق الريفية فيما وصف باسم «ريكونسينترادوس»، التي وصفها المراقبون الدوليون بأنها «مدن محصنة». واعتبرت هذه القرى نموذجاً أولياً لمعسكرات الاعتقال في القرن العشرين. لقي ما بين 200 و400 ألف مدني كوبي حتفهم من الجوع والمرض في المخيمات، طبقًا لإحصاءات الصليب الأحمر وعضو مجلس الشيوخ الأمريكي ووزير الحرب الأمريكي السابق ردفيلد بروكتور. وقد احتجت الولاياتالمتحدة وأوروبا على السياسة الإسبانية في الجزيرة، التي رضخت في فترة من تاريخها تحت طاغية دموي يدعى فلجنشيو باتيستا. باتيستا هذا كان سفاحا طاغية تقلب في عدة مناصب عسكرية وانتهى به الأمر إلى أن أصبح القائد الأعلى للجيش، وبهذه الصفة كان الرجل القوي في حكومة الكولونيل كارلوس منديتا (1934-1936). وعندما أبعد هذا الأخير عن الحكم وانتخب جوفير رئيساً للجمهورية، استطاع باتيستا أن يؤلب البرلمان ضده فأقيل في نفس العام (ديسمبر 1936) وأحيل على المحاكمة، وقد خلفه نائبه لاريد برو، الذي خضع لباتيستا وللعسكريين، وفي عام 1940 انتخب باتيستا رئيساً للجمهورية وظل في الحكم حتى عام 1944 عندما انتهت مدته. وفي 10 مارس 1952 دبر باتيستا انقلاباً ضد سوكراس وعاد إلى الحكم ثانية. وقد تميزت فترتي حكمه الأولى والثانية بالدكتاتورية وانتشار الفساد وتحويل الجزيرة إلى شبه مستعمرة أمريكية، بالإضافة إلى انتشار الفقر بين السكان والاغتيالات السياسية العديدة التي كانت تنفذها مخابراته. تميز حكم باتيستا بالقوة، وكان يمسك زمام الأمور بقبضة من الحديد والنار، وقد استعان بالقوى الأجنبية في الحكم وأصدر نظام الاحتكارات الأجنبية داخل دولته مقابل عمولة. وقد انعكس هذا الحكم المُستبد على الشعب، الذي كان يعاني بسبب الفقر الجوع والمرض والجهل. كان باتيستا يعامل أهل بلده بكل قسوة وعنف وكان يتجسس عليهم، وكثير من أهل البلد ذاقوا العذاب والقهر في عهد هذا الدكتاتور. وبدلاً من تحسين أوضاع شعبه الفقير كان يصرف ببذخ على الجيش، حيث كان يقوم بجلب دبابات وأسلحة ومعدات لتقوية جيشه الذي كان يدين له بالولاء والطاعة. وكان من أحد أسباب تقوية جيشه أن يصبح درعه الواقي ضد أي انقلاب شعبي. وبالفعل حدث ما كان يخشاه باتيستا حيث حدث انقلاب شعبي في عام 1944، أجبره على التنحي عن منصبه، لكنه عاد عام 1952 أكثر شراسة واستطاع بمساعدة الولاياتالمتحدةالأمريكية أن يُنصب نفسه رئيساً لجمهورية كوبا، فعاد الشعب يعاني من جديد من الفوضى والجهل والفقر. وقد أدى هذا الوضع إلى قيام ثورة شعبية ضده بقيادة فيدال كاسترو وشي غيفارا انتهت يوم 2 يناير 1959 بالإطاحة به، فهرب إلى سان دومنغو حيث أخذ يعمل على مناهضة الحكم الثوري في كوبا حتى وفاته عام 1973.