ارتبطت منطقة قواسم دكالة بمدينة الجديدة برياضة الصيد بالصقور منذ زمن طويل، وأصبح ذكر الصقر بالمنطقة مرتبطا ارتباطا شديدا بهذا الطائر، في هذه الحلقات التي نقدمها بين أيديكم، حاولنا تقريب قراء الجريدة من عوالم هذا «الطائر الحر»، وطقوس رياضة الصيد بمنطقة القواسم الممتدة إلى أولاد عمران. كما حاولنا تتبع جزء من المسار التاريخي لرياضة الصيد بالصقور من شبه الجزيرة العربية إلى المغرب ومنطقة قواسم دكالة بالخصوص. وقد اعتمدنا في إنجاز هذه الحلقات على بعض الكتب والوثائق التاريخية، التي تطرقت لموضوع رياضة الصيد بالصقور، كما حاولنا الاقتراب أكثر من الصقر والصقارين بمنطقة القواسم القريبة من أولاد افرج، واستقينا رواياتهم المباشرة حول هذا الطائر ورياضة الصيد به. قبل أن نخلص إلى المشاكل التي تتخبط فيها هذه الرياضة بالمنطقة وسبل تجاوزها مستقبلا. يقول المؤرخ الدكتور عبد الهادي التازي في مقالته «الطير الحر» :» ما يوجد بالمغرب فيما يتعلق بالطير الحر، وثيقة وتأليفا وأثرا وممارسة، لا يوجد كمثله في الشرق، مما يدل على أصل الحضارة في هذه البلاد، فهذا الطائر وجدته، وأنا أدرس تاريخ الموحدين، عندما عثرت على أن كثيرا من الأمراء و الوزراء كانوا يخصصون له المبالغ من المال، وجدته كذلك، وأنا أعالج تاريخ بني مرين ..». كما ذكر الدكتور عبد الهادي التازي في المقالة نفسها أن تاريخ المغرب الدبلوماسي وعلاقات المغرب الدولية، خاصة فيما يتعلق بمجال الهدايا المتبادلة بين المغرب وبين غيره من الدول، كان بالنسبة إليه موضوعا طريفا، حيث وقف على أشكال من الهدايا ذات الطابع الحضاري، التي كان المغرب يهادي بها رؤساء الدول في المشرق أو في البلاد الأوربية، ووجد أن هناك تبادل هدايا الخيل والأسود والأنعام، لكن الذي أثار انتباهه حقا، هو أن يكون من بين تلك الأشياء المهداة التي ترحل من قطر إلى قطر، وربما من قارة إلى قارة، هذا الذي نسميه «الطير الحر» ووصفه بQالبرغوث الصغير» . كما ذكرت كتب التاريخ أن السلطان أبا الحسن سلطان بني مرين بعث «سفارة» هامة إلى سلطان مصر الإمام الناصر. ويقول في هذا الصدد : «ولست بصدد الحديث عما كانت تحتويه، إنما الذي يهمني أنها كانت تتضمن 34 بازا؛ أي صقرا من الطيور التي أهديت إلى ملك مصر، حتى يكسب المغرب الواجهة الثانية من أولئك الذين يحاولون في الوسط أن يقوموا بمشاغبات . بعد أبي الحسن وجدنا السلطان أبا عنان الذي كانت له عشرات الصقور بل كان ممارسا لها ... أما في دولة بني وطاس، فكانت السفارات تنتقل بين هولندا والمغرب وبين المغرب وإنجلترا وكانت تحتوي الصقور. وذكر الدكتور عبد الهادي التازي أن عهد السعديين امتاز بعدد من السفارات، عندما كان الأمر يتعلق بأزمة ظهرت ملامحها، أو بتوتر بدا في الجو؛ حيث يبادر الطرف الذي يهمه الأمر بالإهداء، ومن جملة ما يهديه عدد من الصقور، كما أن الدولة العلوية كانت من أبرز الدول المهتمة بالصقور، فالمولى اسماعيل كان من أشد المهتمين بالباز وكان السلطان سيدي محمد بن عبد الله قد أنشأ مستشفى للطيور يوجد في مدينة فاس. ويؤكد عبد الهادي التازي أن اهتمام ملوك وسلاطين العلويين لم يقف عند المولى اسماعيل والمولى محمد بن عبد الله؛ بل امتد هذا الاهتمام بعالم الصقور إلى أيام السلطان مولاي الحسن والمولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ والملك محمد بن يوسف، الذي ترك رسائل تطلب من المشرفين على الهواية أن يأتوه ببعض الصقور وكان من أشهر هواة الصقور، وفي عهد الملك الراحل الحسن الثاني، رحمه الله، حظي الصقر بمبادرة اعتبرت تاريخية حين أصدرت المملكة المغربية طوابع بريدية تحمل صور الصقر، وهي المبادرة التي أكدت بما لا يدع مجالا للشك الاهتمام البالغ الذي كان يوليه الحسن الثاني للصقر والصقار . ويؤكد أبناء منطقة القواسم كذلك أن هواية الصيد بالصقور انطلقت في المغرب منذ عهد المولى اسماعيل (1727/1645)، حين جعلها السلطان من مهام ووظائف الدولة، وكانت آنذاك جماعة من منطقة القواسم تصاحب المولى اسماعيل أينما حل وارتحل. واختيار السلطان المولى اسماعيل لأهل منطقة القواسم للتكفل بهذه المهمة يرجع إلى كون جدهم «سيدي علي بن أبي القاسم» كان أول من اصطاد بالصقور في المغرب، وكان وليا من أولياء الله، ويصطاد بالصقور، وكان معروفا بكرامات تدريب هذا الطائر النبيل، ويوجد قبره إلى يومنا هذا بمدينة مراكش قرب جامع الكتبية المشهور، ومن حفدته «المولى الطاهر القاسمي» دفين أولاد افرج بدكالة، وكذا «سيدي اسماعيل بوشربيل» دفين منطقة أولاد عمران.