مأساة «بطلاها» شقيقان من مدينة آسفي، بدأت في أفغانستان واستمرت في باكستان، قبل أن تتواصل في سجن «غوانتانامو»، الرهيب.. سطع «نجم» يونس الشقوري وشقيقه رضوان في سجن «غوانتانامو»، إلى جانب سعيد بوجعدية، عبد الله تبارك، محمد بنموجان، ناصر عبد اللطيف ومراسل الجزيرة، السوداني سامي الحاج... يونس ورضوان الشقوري شقيقان ترعرعا في مدينة السردين والخزف، لكن دوافع الرزق الوفير والعمل في مجال الخير جعلاهما يفترقان على دموع الوداع على أمل اللقاء في القريب. لكن الأقدار سترمي بالأخوين اللذين افترقا وودعا بعضهما وسط حرب استعملت فيها أحدث القذائف والمروحيات، في العاصمة الأفغانية كابول، قبل أن يجتمعا في سجن «غوانتانامو»، بعد أن فرّقت بينهما الطائرات، التي كانت تلقي بالقذائف والصواريخ فوق رأسيهما. «المساء» تكشف المعطيات الدقيقة ل«فيلم رعب» عاشه الشقيقان على أيدي الأفغان والباكستان والأمريكان، ووثائق تُنشَر لأول مرة حول الشقيقين يونس ورضوان ومسارهما نحو سجن «غوانتانامو» الرهيب.. بعد أن بقي رضوان لمدة ثلاث سنوات بمعتقل غوانتانامو، وتعرضه للتحقيق من قبل المخابرات المغربية، حسب ما أوردته وثائق ويكليكس، تم ترحيله صوب المغرب سنة 2004 بعد أن حكم القضاء العسكري الأمريكي ببراءته من تهمة الانتماء إلى القاعدة، والتورط في الاعتداء على المصالح الأمريكية. لتنطلق بعدها فصول جديدة من المحاكمة بمحكمة الاستئناف بسلا رفقة حوالي 10 مغاربة من المرحلين من سجن غوانتانامو الرهيب إلى المغرب، وأثناء تلك المحاكمات التي استأثرت باهتمام كبير من قبل الصحافة الوطنية والدولية، وكذا المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية قررت محكمة الاستئناف تبرئة رضوان من التهم التي اعتقل بسببها من قبل القوات الأمريكية. ملف يونس لم ينس بالرغم من تبرئة أخيه، إذ وجه المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط رسالة إلى وزارتي العدل والداخلية والإدارة العامة للأمن الوطني يطالبها فيها بفتح تحقيق حول مصير يونس الشقوري، والتدخل العاجل لحمل المصالح المعنية على فتح بحث بشأن مصيره، حماية لحقوقه المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان كما في القانون المغربي، واحتراما من السلطات للمساطر القانونية عند الاعتقال والتوقيف والمتابعة، مع ترتيب الإجراءات القانونية اللازمة في الموضوع وموافاة الجمعية بنتائج البحث والتحقيق. رفض اللجوء إلى بلد أوربي عاد رضوان وعادت معه معاناة قضت مضجعه وجعلت وضعه الاجتماعي غير مستقر، وهو الذي رفض اللجوء إلى إحدى الدول الغربية التي عرضت عليه للاستقرار فيها من قبل الإدارة الأمريكية. بعد أن حمل معه الألم في يده المكسورة، والتي لا زال يعاني من ضعف الحركة فيها، وصداع الرأس، الذي تشكل لديه جراء التعذيب، الذي تعرض له من قبل القوات الأمريكية في السجن الرهيب. وجد رضوان نفسه تائها في بلده، دون أي شغل أو دخل مالي أو عمل يخفف به وطأة متطلبات الحياة التي لا تنقضي ولا تتوقف. طرق أبوابا كثيرة والتقى بعشرات المسؤولين، لكن بعد سنوات من الوعود، وصفحات من الرسائل التي أرسلها إلى الرباطوآسفي، لم يتغير أي شيء في الوضع الاجتماعي لابن مدينة آسفي. معاناة رضوان بدأت منذ الوهلة الأولى عندما تم حجز بطاقته الوطنية، من قبل المصالح المركزية للأمن الوطني، صار معها مسجونا في مساحة جغرافية محدودة يستحيل معها الحق في التنقل والتحرك، أو زيارة الإخوان والأحباب خارج المدينة، أو حتى الذهاب للاستجمام. الوضع الاجتماعي لرضوان تعقد مع مرور الزمان، وهو الذي يتقدم في السن يوما بعد يوم، وتزيد حاجياته ومتطلباته، المتمثلة في عمل قار واستقرار، مما حذا به إلى التفكير في اللجوء إلى طرق قانونية من أجل استرجاع حقه من الإدارة الأمريكية والحكومة المغربية على حد سواء من أجل تعويضه عن الظلم والضرر الذي لحقه، جراء الغطرسة الأمريكية، التي أتت على الأخضر واليابس في حياة مئات الأشخاص. آخر باب في المشوار قبل الإقدام على هذه الخطوة غير المسبوقة، قام رضوان المعتقل السابق بغوانتانامو بتوجيه رسالة إلى السفير الأمريكي بالمغرب، يطالبه فيها بجبر ضرره والالتفات لملفه، الذي كانت للإدارة الأمريكية يد طولى فيه. وقد تحدث الشقوري في رسالته عن ظروف اعتقاله بباكستان وتبرئته من قبل الأمريكان والمحاكم المغربية، وكذا الظروف القاسية التي يعاني منها بأسفي، وتعامل مسؤولي مدينة أسفي مع مأساته وعدم الوفاء بالوعود التي قدمت له. وأورد الشقوري في الرسالة أنه قبل ترحيله إلى المغرب أخبره المحققون الأمريكان أن العودة إلى بلده ليس فيها خوف وأن السلطات المغربية ستقدم له المساعدة بناء على اتفاق بين السلطات المغربية والأمريكية، فطرق كل الأبواب بداية بوالي الجهة وقال «إنني منعت من مقابلته لأسباب مجهولة، وتقدمت بطلبي لباشا المدينة ووعدني ولن يفي بوعده». طال صبر رضوان، وطال معه صبر أخيه يونس جراء الاعتقال تحت رقم 197، لكن الباب الوحيد الذي بقي لم يطرق بابه، هو الاحتجاج وخوض كل أشكال الغضب، للمطالبة ب «حقه». وهكذا وبعد مرور الشهور والسنوات أقدم رضوان على تنفيذ وقفات احتجاجية يومية أمام مقر عمالة أسفي، يحمل لافتة تتضمن معتقلين بغوانتانامو وصورة لأخيه يونس الشقوري، الذي لازال بالمعتقل المذكور، ولائحة بمطالبه التي ما فتئ يسلمها للمسؤولين ويضعها على مكاتبهم دون أن يجد أن رد عملي. جل المارة أمام بلدية وعمالة أسفي سيجدون «تحفة» في الاحتجاج المتواصل أمام مقر عمالة المدينة، شخص لا تفصله إلا أمتار قليلة عن مكتب والي جهة دكالة عبدة، عبد الله بندهيبة، يقف حاملا لافتة تتضمن مطالب اجتماعية، دون أن ينطق بكلمة أو يصدح بشعار يجسد من خلالهما معاناته ومطالبه. شعر رضوان أن صوته بح، وأن «لا حياة لمن تنادي»، فقرر ربط الاتصال بجمعيات دولية تهتم بملفات المعتقلين السابقين في سجن غوانتانامو. حيث ظل ولا يزال الشقوري على اتصال ببعض الحقوقيين، الذين من المنتظر أن يحل بعضهم بالمدينة ويلتقي بهم من أجل الوقوف على آخر التطورات التي عرفها ملفه بعد ترحيله من كوبا إلى المغرب. في حين لا زال ملف يونس الشقوري أحد آخر المعتقلين المغاربة بالسجن الرهيب مجهول المصير، في ظل ألم الفراق مع الإخوة والأحباب، والبعد عن الوطن.