ألفت عشرات الكتب، وبكل اللغات، عن أسامة بن لادن. لكن زعيم منظمة القاعدة بقي لعقد من الزمن، ولربما سيبقى في التاريخ المعاصر، أحد الألغاز المستعصية عن الفهم. إنْ رفعه أتباعه وأنصاره إلى مقام أسطورة حية، فإن خصومه وأعداءه من الغربيين، وبالأخص الأمريكيين، طالبوا برأسه حيا أو ميتا، على طريقة رعاة البقر. وقد جعلت أمريكا من اعتقاله أو تصفيته قضية وطنية جندت لها كل الإمكانيات المادية، التكنولوجية، البشرية والاستخباراتية. وبعد عشر سنوات من الملاحقة، نجعت الاستعلامات الأمريكية بفضل وشاية من زوجته الأولى -بدافع الغيرة- من تحديد مكان تواجده في أبوتاباد في باكستان، على مقربة من الأكاديمية العسكرية الباكستانية. هكذا استنفرت جميع المصالح الأمنية والاستعلاماتية لوضع خطة سرية تقضي لا باعتقاله، بل بتصفيته نهائيا. وفي ثاني ماي 2011، انطلقت طائرتا هيلوكبتر من نوع جديد لم يكشف عنه من قبل، وكان على متنها 19 جنديا من خيرة عناصر البحرية الأمريكية، تدربوا ليل -نهار على تفاصيل وأطوار العملية. في هذا الكتاب، يروي لنا جان -دومينيك ميرشي، الصحافي والخبير في العمليات الخاصة، الذي عمل لسنوات في جريدة «ليبراسيون»، قبل أن ينتقل إلى مجلة «ماريان»، تفاصيل هذه العملية كما لو كانت «حكاية بوليسية».. المؤكد أن أسامة بن لادن يدخل في خانة الأشخاص الذين «خططوا، أذنوا أو ساعدوا» على عمليات الحادي عشر من شتنبر، التي يملك إزاءها رؤساء الولاياتالمتحدة كامل الصلاحيات لاستعمال القوة المناسبة. بل أكثر من ذلك، في الوثائق التي عثر عليها في أبوتاباد، اكتشف الخبراء الأمريكيون أن بن لادن كان يهيئ لعمليات جديدة تستهدف الرئيس أوباما والجنرال بيتريوس، الذي كان على رأس القوات الأمريكية في أفغانستان. وكانت طائرة الرئيس، «إير فورس وان»، مُستهدَفة بشكل لا غبار عليه.. كان الرجل الذي عهدت إليه هذه المهمة من جنسية باكستانية، ويدعى إلياس كشميري، ولربما لقيّ حتفه إثر غارة جوية في باكستان في يونيو 2011. يبقى أن «الاغتيالات» المنتقاة التي تستهدف مسؤولين سياسيين هي غير شرعية في عرف القانون الأمريكي. وقد وقع ثلاثة رؤساء على قوانين تحظر هذه الممارسات، هؤلاء الرؤساء هم: جيرالد فورد، الذي وقع القانون في عام 1976، جيمي كارتر، في عام 1978 ورونالد ريغان في عام 1981. لكن خبراء القانون في الحكومة الأمريكية أوضحوا أن هذا النص لا ينطبق على بن لادن، على اعتبار أن موته يندرج في نطاق نزاع مسلح بين الولاياتالمتحدة وتنظيم «القاعدة».. في هذه الحالة «لا مانع من قتل مُسيّرين يتم انتقاؤهم من المعسكر المعادي». هذا ما أشار إليه رجل القانون السابق في وزارة الخارجية الأمريكية جون بيلنجر الثالث. يبقى المشكل في كيفية تعريف القانون التشريعي لابن لادن لحظة اقتحام جنود وحدة «الكومندو» منزله في أبوتاباد. هل هو «محارب»، يوجد في وضعية حرب ضد الولاياتالمتحدة أم رجل تحيط به الشكوك أم متّهَم باقتراف جرائم، ويعتبر بذلك شخصا مُطالَباً من طرف العدالة؟.. في هذه الحالة، لا يمكن تصفيته إلا إذا كان يُشكّل «تهديدا فوريا» على الأشخاص الذين تقدموا لاعتقاله. لكن زعيم القاعدة لم يكن مسلحا في اللحظة التي تلقى فيها رصاصة في الصدر ورصاصة أخرى في الجبهة.. حتى وإن لم يُبد أي رغبة لتسليم نفسه.. هل هو مقاتل عدو؟ بلا شك، لكنْ مع فارق هو أنه لو كان قد ألقيّ عليه القبض حيّاً، فإن الأمريكيين لن يعتبروه سجينَ حرب يدخل في خانة معاهدات جنيف. في حالة بن لادن، كما هو الشأن في حالة سجناء غواتانامو، الملاحظ أن المعايير القضائية الموروثة عن الماضي لا تقدر على توصيف أو تأطير حقيقة مكافحة الإرهاب، حتى وإن كان الشخص الذي يسهر على تسييرها حائزا على جائزة نوبل للسلام، في شخص باراك أوباما!.. ورغم أهميتها وجاذبيتها، فإن هذه النقاشات التشريعية لم تزِن كثيرا لدى الرأي العام مقابل الانتصار الذي أحرزته الولاياتالمتحدة على عدوها.. وهو انتصار اعتبره السكرتير العام للولايات المتحدة بان -كي مون، «تحولا في حربنا الشاملة ضد الإرهاب». باستثناء بعض الدول، صفّق العالم قاطبة لهذا الإنجاز. لكنْ قبل التصفيق، يجب أولا أن نعرف لأي شيء نصفق!.. لم يُشعِر الأمريكيون أحدا بالعملية إلا بعد انتهائها.. هكذا لم تعلم الاستخبارات الفرنسية، مثلا، بالعملية إلا بعد اطّلاعها على الخبر الذي بثته وكالة الأنباء الفرنسية في الرابعة وستة وأربعين دقيقة من ليلة الأحد -الإثنين. أخبر الموظفون المداومون رؤساؤهم قبل إيصال الخبر إلى «الإليزي». أفاق نيكولا ساركوزي باكرا قبل العادة.. شاءت مصادفة مفكرته أن يكون موضوع الإرهاب في قلب برنامجه اليومي، حيث كان من المقرر أن يذهب لمطار أورلي لاستقبال جثمان الفرنسيين الثمانية، الذين قُتِلوا، في العملية الانتحارية ضد مقهى «أرغانة» في مراكش. في كندا، كان الناخبون يتهيئون للتوجه إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الانتخابات الفدرالية، فيما كانت روما تستعيد إيقاعها العادي، بعد أن عاشت أجواء محمومة على إثر تطويب البابا يوحنا الثاني. في مجموع أوربا، ترددت نفس الكلمات خلال وجبة الفطور: «قتلوا بن لادن». «في هذه الليلة، قام الأمريكيون بتصفيته». علم الصحافي الأسير سابقا هيرفي غيكيير بالخبر بسماعه إذاعة «بي -بي سي»، وهو معتقل في غور أحد الجبال الأفغانية. أخبر حراسه بالحدث، لكنهم لم يُصدّقوه. بعد ساعات من ذلك، لاحظ سحناتهم المكفهرة ليتأكد بذلك من أنهم تأكدوا من الخبر. كانت ردود الفعل خارج الدول الإسلامية إيجابية، باستثناء كوبا، التي اعتبرت أن «قتل كائن بشري غير مُسلَّح محاط بعائلته هو عمل دنئ».. أما فينيزويلا فقد استغربت، على لسان نائب الرئيس، أن «يحتفل العالم بجريمة»..