سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المعتصم: مطيع كلفني بالاتصال بالأمين بوخبزة وأحمد الريسوني قال إن علي يعتة كتب مقالا عن التلاميذ الإسلاميين بعنوان: «من يحرك هؤلاء؟» فرد عليه علال الفاسي قائلا: «هؤلاء يحركهم الإسلام»
يروي مصطفى المعتصم، واحد من السياسيين الستة الذين وجهت إليهم تهم ثقيلة في ملف خلية بلعيرج، في اعترفاته ل«المساء»، تفاصيل مثيرة ارتبطت بحياته الشخصية والدعوية والسياسية. ويعترف مصطفى المعتصم بأنه كان وراء إطلاق «العمل الإسلامي» في الثانويات والجامعات أيام كانت قلاعا يسارية، ويحكي كيف تعرف على عبد الكريم مطيع، زعيم «الشبيبة الإسلامية»، ليصبح قياديا فيها بعد هروب هذا الأخير إلى الخارج إثر اغتيال الاتحادي عمر بنجلون، حيث سيقابله في السعودية ليقول له مطيع: «احذر عبد الإله بنكيران فهو عميل للنظام». ويحكي المعتصم تفاصيل ما دار بينه وبين عبد السلام ياسين وكيف تخلص منه مرشد العدل والإحسان قائلا: «أنت تصلح لحزب التحرير وليس لجماعتنا». ويقف مطولا عند علاقته بعبد القادر بلعيرج، المحكوم عليه بالسجن المؤبد في قضايا الإرهاب، وتجربة توحيد الحركات الإسلامية، وتجربة القطب الديمقراطي مع حرزني وصلاح الوديع وآخرين سنة 2002، وتأسيسه حزب «البديل الحضاري» ثم اعتقاله بتهمة الإرهاب، وكواليس استنطاقه ومحاكمته، ثم تجربته السجنية. - من خلال حديثك عن ظهور وتطور الحساسية الإسلامية داخل المؤسسات التعليمية بالدارالبيضاء، أواسط السبعينيات، تبدو شخصية التلميذ مصطفى المعتصم شخصية مركزية؛ هل يمكن الجزم بأنك كنت أول من أسس العمل الإسلامي داخل الثانويات فالجامعات المغربية؟ لقد كان لي شرف التأسيس للعمل الإسلامي التلاميذي في الدارالبيضاء، مع مجموعة من الشباب، أذكر منهم -على سبيل المثال لا الحصر- بالإضافة إلى الأسماء التي ذكرتها من قبل، عز الدين العلام وإبراهيم بورجة ومحمد يتيم بثانوية مولاي عبد الله، ونور الدين ذاكير بثانوية الأزهر، وأحمد بلدهم في ثانوية لحلو، وعبد الرحيم السعداوي في ثانوية محمد الخامس، ومنار عثمان في ثانوية الخوارزمي، وغيرهم. الحراك الذي عرفته ثانويات الدارالبيضاء سيتردد صداه في تطوان، حيث صار الأمين بوخبزة، رفقة مجموعة من الشباب، بعد أن سمعوا بما يحدث داخل ثانويات الدارالبيضاء، يتحركون بنفس الحساسية الإسلامية داخل ثانويات تطوان. في هذه المرحلة، كتب علي يعتة مقالا في جريدة «البيان» بعنوان: «من يحرك هؤلاء؟»، وكان يقصد مجموعة الدارالبيضاء ومجموعة بوخبزة في تطوان، فرد عليه المرحوم علال الفاسي قائلا: «هؤلاء يحركهم الإسلام». وفي صيف 1973، طلب مني مطيع أن أتصل بهؤلاء الشباب في تطوان، فذهبت إلى هناك أبحث «زنكة زنكة» عن الأخ بوخبزة (يضحك)، إلى أن وجدته. وقد ساعدني في العثور عليه بسهولة كون عمه كان إماما في أحد مساجد تطوان.. وجدت الأمين بوخبزة مجتمعا مع بعض الشباب في غرفة ملحقة بالمسجد. وبعد أن تعارفنا وتبادلنا المعلومات، أخبرني بوخبزة عن مجموعة من الشباب الذين يلتقون بحي بني مكادة بطنجة، فذهبت إلى طنجة وبحثت عنهم إلى أن التقيت بهم، وقد كان من بينهم -إن لم تخني الذاكرة- أحمد الريسوني والعربي بوسلهام والفتوح. بمثل هذا الفعل، بدأت النواة التنظيمية الأولى للإسلاميين تتشكل في المغرب. - لكن هؤلاء لم تكن لهم علاقة بالشبيبة الإسلامية المغربية التي أسسها عبد الكريم مطيع؟ أنا بدوري، لم تكن لي علاقة بالشبيبة الإسلامية في تلك الفترة، وكل ما كنت أعرفه عنها حتى ذلك الحين هو أنها جمعية خاصة بالمعلمين وأن دورها هو توفير الفضاءات التي نجتمع فيها؛ وهذه هي الفكرة التي كان يروج لها مطيع كذلك. - ما الذي حدث بعد لقائك مع الأمين بوخبزة في تطوان وأحمد الريسوني في طنجة؟ تعارفنا واتفقنا على مواصلة اللقاء والتفكير في التنسيق، في أفق بناء النواة الأولى لتنظيم وطني سيتطور أكثر خلال الموسم الدراسي 1974-1975 بالموازاة مع التحاق العديد من التلاميذ بالجامعات. وسيلتحق الأمين بوخبزة بالشبيبة الإسلامية، في حين أن علاقة أحمد الريسوني بها لم تذهب بعيدا. - كيف تطور التنسيق التلاميذي ثم الطلابي، الإسلامي، بعد هذا اللقاء؟ ما قمت به أنا في زيارتي لطنجةوتطوان قام به إخوة آخرون في اتجاه المدن التي لهم فيها أهل أو عشيرة أو ينحدرون منها، وأثمرت كل هذه الاتصالات قليلا من النجاح هنا وكثيرا منه هناك ببدء تشكل النواة الأولى لتنظيم وطني سيتطور أكثر، كما أسلفت، في السنة الدراسية 1974-1975 عندما سيبتدئ التلاميذ بالالتحاق بالجامعات؛ فقد كانت هناك، كما تعلمون، ثلاثة مراكز جامعية في تلك الفترة من تاريخ المغرب: الرباط بالدرجة الأولى والدارالبيضاء وفاس. وقد ساعد هذا التمركز على الاتصال بطلبة من كل أنحاء المغرب، خصوصا في مدينة الرباط؛ كما ساعد التحرك الكبير الذي قمنا به سنة 1974 للمطالبة بتغيير مقررات التعليم في التعريف بتجربتنا بشكل واسع. - كيف كان هذا التحرك؟ عندما صدر كتاب «أزمة المثقفين العرب» لعبد الله العروي والذي دعا فيه إلى شن حرب إيديولوجية لا هوادة فيها ضد الفكر الأصولي، استغل عبد الكريم مطيع هذا الأمر وقام بحملة بدأت محلية في الدارالبيضاء وانتهت وطنية لإبراز خطورة الانحرافات العقدية والفكرية في برامج وزارة التربية الوطنية، ليس فقط في مقررات الفلسفة بل أيضا في مقررات التاريخ والتربية الإسلامية والعلوم الطبيعية؛ فمثلا، كان في أحد كتب التربية الإسلامية حديث عن عيسى، عليه الصلاة والسلام، يقول إن أباه كان من بني نجار، وكانت برامج العلوم الطبيعية تقدم الداروينية ليس فقط كنظرية قابلة للصواب والخطأ بل كحقيقة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وغيرها. وقد قمنا بحملة لجمع التوقيعات، ونظمنا احتجاجات وإضرابات وتحركات سوف تؤدي إلى مراجعة مقررات التعليم. - تزامن هذا الأمر، طبعا، مع انطلاق سياسة «البعث الإسلامي» التي كان يشرف عليها وزير الأوقاف الراحل المكي الناصري المكي الناصري أو أحمد رمزي، لست متأكدا بعد هذه المدة الطويلة، ولكن حملتنا هذه تزامنت بالفعل، على كل حال، مع حملة وزارة الأوقاف؛ كما أن الملك الحسن الثاني، رحمه الله، سيشيد بالوعي المتنامي تجاه الإسلام داخل صفوف الشباب، وهذه الإشادة سوف تحرجنا. - كيف؟ لأنها ستظهرنا وكأننا نتحرك وفق أجندة الحكم. - ألم يكن الأمر كذلك؟ لست قادرا على الجزم بهذه المسألة، ولكن بالتأكيد كان هناك التقاء للمصالح، فالنظام المغربي كان يخوض صراع وجود مع اليسار، وكان في حاجة إلى قوى سياسية وإيديولوجية تسانده، خصوصا بعد الانقلابين العسكريين الفاشلين وبعد أحداث دار بوعزة التي أدين فيها العديد من المناضلين الاتحاديين كعمر دهكون الذي أعدم، وعمر بن جلون الذي حكم عليه بالإعدام ولكن سيطلق سراحه بعفو ملكي، وما تلا ذلك من تنامي مد الحركة الماركسية اللينينية التي بدت في المؤتمر ال15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب واثقة كل الوثوق من قرب انهيار النظام الملكي في المغرب. أكيد أن النظام استفاد من ظهور الحركة الإسلامية المغربية، حيث وظفها بشكل مباشر أو غير مباشر في صراعه مع اليسار، كما أن الحركة الإسلامية استفادت، طبعا، من حاجة النظام إليها لتتوسع وتنتشر، بل ولتفرض مطالبها كما حدث في المعركة من أجل تغيير مناهج التعليم.