سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المعتصم: طلب عبد الكريم مطيع التعرف علي سنة 1972 ونشاط «الشبيبة الإسلامية» كان يقتصر على المعلمين قال إن عبد اللطيف حسني صاحب مجلة «وجهة نظر» هو أول من أطلق تسمية «الإخوان المسلمين» في المغرب
يروي مصطفى المعتصم، واحد من السياسيين الستة الذين وجهت إليهم تهم ثقيلة في ملف خلية بلعيرج، في اعترفاته ل«المساء»، تفاصيل مثيرة ارتبطت بحياته الشخصية والدعوية والسياسية. ويعترف مصطفى المعتصم بأنه كان وراء إطلاق «العمل الإسلامي» في الثانويات والجامعات أيام كانت قلاعا يسارية، ويحكي كيف تعرف على عبد الكريم مطيع، زعيم «الشبيبة الإسلامية»، ليصبح قياديا فيها بعد هروب هذا الأخير إلى الخارج إثر اغتيال الاتحادي عمر بنجلون، حيث سيقابله في السعودية ليقول له مطيع: «احذر عبد الإله بنكيران فهو عميل للنظام». ويحكي المعتصم تفاصيل ما دار بينه وبين عبد السلام ياسين وكيف تخلص منه مرشد العدل والإحسان قائلا: «أنت تصلح لحزب التحرير وليس لجماعتنا». ويقف مطولا عند علاقته بعبد القادر بلعيرج، المحكوم عليه بالسجن المؤبد في قضايا الإرهاب، وتجربة توحيد الحركات الإسلامية، وتجربة القطب الديمقراطي مع حرزني وصلاح الوديع وآخرين سنة 2002، وتأسيسه حزب «البديل الحضاري» ثم اعتقاله بتهمة الإرهاب، وكواليس استنطاقه ومحاكمته، ثم تجربته السجنية. - بعد فرضِكم وجودَكم كحساسية متدينة داخل المؤسسات التعليمية، بدأتم تشتكون من ممارسة العنف عليكم من طرف الطلبة اليساريين؛ ألم تكونوا أنتم أيضا تواجهون هذا العنف بمثله؟ لقد كانت الساحة التلاميذية، حينها، كمثيلتها الطلابية، ساحة عنف رمزي ومادي تجاه الخصوم بإقصائهم وتشويههم، وأحيانا الاعتداء عليهم؛ كما كان هناك عنف من الدولة أيضا والتي ما كانت لتسمح بأن تتحول الثانويات والكليات إلى بؤر ثورية. وفي هذا الإطار، جاءت محاكمات طلبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، منذ سنة 1963، بتهمة التآمر لقلب النظام. كما أنه منذ سنة 1965 وإلى حدود 1976 كانت الثانويات تعرف شهورا من الإضرابات كل سنة، وكانت السنة الدراسية 1971-1972 سنة بيضاء في العديد من مدن المغرب. وقد تطورت هذه الإضرابات في مرات عديدة إلى اشتباكات مع قوات الأمن ومع الجيش. إذن، فالعنف والعنف المضاد كان سائدا داخل محيط الثانويات والجامعة والساحة السياسية -وكنا نوجد في خضمه لحظة اصطدامنا بالمد الماركسي اللينيني- وسيميز لحظات الفرز الأولى، ولكن في حدود دنيا، ولم يتطور إلى ما سنشهده خلال التسعينيات وبداية الألفية الثالثة في جامعاتنا المغربية بين إسلاميين ويساريين. - ما التسمية التي كانت تطلق عليكم حينها، وعلى أي جهة كنتم تحسبون؟ كلنا كنا محسوبين على النقابة الوطنية للتلاميذ في البداية. كل ما في الأمر أن المجموعات كانت تسمى باسم أحد الوجوه البارزة فيها أو باسم الثانوية التي تنتمي إليها، فكنت تسمع، مثلا: مجموعة فلان أو علان، أو مجموعة ثانوية مولاي عبد الله. لقد كنا 40 أو 50 تلميذا باستطاعتهم توقيف الدراسة في ثانويات الدارالبيضاء كلها، ولكن منذ أكتوبر 1972 بدأ يطلق علينا اسم «الإخوان المسلمين». - ما سبب تسميتكم بالإخوان المسلمين، وما هي أبرز النقاشات التي خضتموها لإثبات هويتكم الدينية حديثة العهد داخل المؤسسات التعليمية؟ ما زال راسخا في ذاكرتي ما حدث في صيف 1972، حين حضرت في لقاء لأبي مع أصدقائه بالرباط، وأثير مشكل الفكر الإلحادي الذي صار ينتشر في أوساط الشباب، فأهداني أحدهم كتابين: كتاب «الإخوان المسلمين كبرى الحركات العالمية» للشيخ توفيق الواعي، وهو عبارة عن دراسة حول تجربة الإخوان المسلمين في مصر أيام الشهيد الحسن البنا، وقد أثار الكتاب فضولي بشكل كبير لكونه كان يتطرق لمجموعة من تجارب حركات التحرر والاستقلال التي عرفها الوطن العربي وحتى العالمي، ومقارنتها بتجربة الإخوان المسلمين في مصر، وأثارني أيضا دور الدين في هذه التجربة، وخصوصا في جانبها التحرري الرافض للاستعمار، كما في الدور الذي لعبته خلال حرب فلسطين، وقد خلصت من قراءتي لذلك الكتاب إلى أن حسن البنا كان يبني تنظيما إسلاميا عصريا، ونموذجا لدولة مؤسسات فاعلة داخل المجتمع؛ أما الكتاب الآخر فكان هو «معالم في الطريق» لسيد قطب، وكانت كتب سيد قطب تدخل إلى المغرب سرا، وغالبا عبر سبتة السليبة. وأذكر أن كتاب «معالم في الطريق» لم يثرني كثيرا لأني لم أفهم كثيرا من المفاهيم التي أثارها فيه سيد قطب، رحمه الله. وحدث وأنا أقرأ الكتابين أن زارني عبد اللطيف حسني، صاحب مجلة «وجهة نظر»، وكان صديقا لي منذ تجربة النقابة الوطنية للتلاميذ، ولا زلنا كذلك إلى اليوم، وكان قد جاء لإمدادي بعدد من مجلة «المناضل»، فأطلعته على الكتابين اللذين ذكرت سابقا مبديا حماسا تجاه تجربة الإخوان المسلمين التي اكتشفتها حديثا، فاستمع إلي جيدا ثم افترقنا. بعد استئناف الدراسة، عدت إلى الثانوية فإذا بي أجد حملة ضدي تروج أنني أصبحت من الإخوان المسلمين. وبهذا يكون عبد اللطيف حسني هو أول من أطلق علينا تسمية «الإخوان المسلمين» في المغرب. هذه الحملة دفعتني، بشكل كبير، إلى القيام بتعميق البحث في تاريخ حركة الإخوان المسلمين وأهدافها، كما جعلتني أعمل على تأسيس خلية بحث في فكر حركة الإخوان المسلمين داخل ثانوية مولاي عبد الله. - هل كنتم تفتحون حلقيات نقاش مع خصومكم اليساريين؟ نعم، النقاشات التي كانت تدور في الثانوية كانت ذات طبيعة فلسفية حول وجود الله سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى النقاشات السياسية والفكرية. وصدقني، فقد كانت ساحات الثانوية فضاء لنقاشات متقدمة تعكس مستوى عاليا من التفكير. - هنا بدأت علاقتك بالشبيبة الإسلامية المغربية التي أسسها عبد الكريم مطيع نهاية الستينيات؟ الشبيبة الإسلامية تأسست في نهاية 1969، لكنني والمجموعة التي كنت أشتغل معها لم تكن لنا علاقة بها آنذاك ولم نكن نسمع عنها حتى. لكن بعد تلك الحملة التي ذكرت سابقا أنها طالتني أنا ومجموعة الإخوة من طرف الطلبة الماركسيين، الذين كانوا يذهبون أحيانا إلى حد استخدام العنف ضدنا، حيث كنا نتلقى أقذع عبارات السب والشتائم والرشق بالحجارة أحيانا، لكننا لم نكن نخشاهم لأننا كنا «اولاد درب السلطان» المصارعين (يضحك)، سمع عبد الكريم مطيع في تلك الفترة (1972) عن مجموعتنا، وأرسل إلينا أحد التلاميذ ليربط الاتصال بنا. - إذن، كان هناك في تلك الفترة تلاميذ ينتمون إلى الشبيبة الإسلامية داخل الثانويات؟ التلاميذ القريبون من الشبيبة الإسلامية كانوا يلتقون ويشتغلون في جمعية إسلامية اسمها «الأنصار» في درب الكبير، كان عبد الكريم مطيع وإبراهيم كمال يلقيان في مقرها محاضرات في الفكر والسياسة والدين. واحد من هؤلاء الشباب هو من سيقوم عبد الكريم مطيع بإرساله إلينا. لكن في تلك المرحلة لم يكن هناك تنظيم تلاميذي للشبيبة الإسلامية، لأن هذه الأخيرة كان نشاطها محصورا وسط المعلمين، بحكم أن مطيع كان مفتشا في التعليم الابتدائي بالدارالبيضاء وقبلها بالجنوب.