يحكي الدكتور أحمد الريسوني في هذا الجزء الأسباب التي دفعت بشباب القصر الكبير إلى الانتظام في الحركة الإسلامية، ويحكي تجربة فريدة، يتوزع فيها هؤلاء الشباب بين الولاء لجماعة التبليغ عمليا، والولاء لأدبيات الإخوان المسلمين فكريا وسياسيا، ويقف الريسوني على محطة الخروج من مسجد الفتح، وتأسيس الجمعية الإسلامية، كما يحكي لأول مرة تفاصيل علاقته بمطيع والتي دامت سنتين من اللقاءات الأسبوعية لكنها في النهاية لم تثمر الانتماء للشبيبة الإسلامية بسبب الموقف من جماعة التبليغ. هل يمكن في البداية أن تحدثنا عن بدايتك الأولى؟ بسم الله الرحمان الرحيم، الولادة والنشأة إلى حدود العشر السنوات الأولى، كانت منحصرة تقريبا في قريتي في دوار ولاد سلطان بثلاثاء ريصانة التابعة اليوم لإقليم العرائش، تأخر دخولي إلى المدرسة لاعتبارات متعددة، فلم أدخل المدرسة إلا سنة 1962 حيث درست السنة الأولى في مدرسة سوق ثلاثاء ريصانة، ثم انتقلت إلى الابتدائي الثاني بمدينة العرائش، ثم التحقت بعد ذلك بمدينة القصر الكبير وأتممت فيها الدراسة إلى غاية الحصول على شهادة البكالوريا سنة ،1972 بعد ذلك، وقع لي شيء من الاضطراب في مساري الدراسي، فالتحقت أول ما التحقت بكلية الحقوق، وبعدها بدأت أفكاري تتغير نحو الوجهة الإسلامية، وكانت أفكاري آنئذ فيها نوع من القصور والتشدد، وظهر لي أن التعامل مع الحقوق والقانون سيفضي بي إلى الحكم بغير ما أنزل الله قاضيا أو محاميا أو ما شابه ذلك، ولذلك تركت كلية الحقوق، وتسجلت في السنة الموالية بشعبة الفلسفة، وكان التسجيل بشعبة الفلسفة يومها قد سلكه عدد من الإخوة، لغرض واحد أساسي هو أن التوجه الإلحادي اليساري يومئذ كان يتسلح بسلاح الفلسفة، فأردنا أيضا أن نمتلك هذا السلاح ونقاوم به، فدخلت إلى شعبة الفلسفة، ولكن لعدة أسباب لم أكمل، منها أنني اضطررت للبحث عن عمل، فشاركت في مباراة بوزارة العدل، فنجحت فيها والتحقت بالوزارة، وكان الدافع الرئيس لهذا العمل هو الرغبة في الزواج، فدخلت لوزارة العدل لبضع سنوات، وتزوجت في سنة ،1976 ولم أستطع أن أكمل في شعبة الفلسفة لأنها كانت تستدعي الحضور، وتستدعي جهدا مضاعفا لتجاوز العراقيل التي كان يضعها بعض الأساتذة المنتسبين إلى اليسار، فمن لم يكن من الطلبة منتسبا إلى اليسار فكان عليه أن يضاعف جهده في الدراسة ويجتاز امتحانين لكي يتسلت من سنة على أخرى. تركت إذن شعبة الفلسفة، والتحقت بكلية الشريعة بفاس، فوجدت يسرا في الدراسة بهذه الشعبة، لأن المواد المدرسة فيها هي ما بين شرعية وقانونية، وكنت بحمد الله تعالى على إلمام بالثقافة الشرعية، إذ كان لي قراءات كثيرة في السنوات السابقة في التراث الإسلامي والثقافة الإسلامية فسهل علي أن أواكب ولو عن بعد، وكان فيها أيضا مواد قانونية وجدتني أتابعها وأستوعبها بيسر، لأني عملت بوزارة العدل، وأمضيت سنة في كلية الحقوق، وهذا ساعدني على مواكبة الدراسة في شعبة الشريعة، وفي النهاية تخرجت منها بميزة مستحسن، ولم أحضر درسا واحدا. بعد الحصول على الإجازة من كلية الشريعة بفاس، قدمت استقالتي من وزارة العدل، فرفضت أول مرة ، ثم قدمتها ثانية، فلما رأوا إصراري على ذلك، أعطيت الاستقالة سنة ،1978 والتحقت بالتعليم الثانوي بمدينة مكناس في الموسم الدراسي 1978/،1979 وأمضيت هناك ست سنوات في التعليم الثانوي الأصيل، إلى الموسم الدراسي 1984/1985 حيث التحقت بسلك تكوين المكونين بالرباط، فأتيحت لي الفرصة هناك لمتابعة دراساتي العليا، وبعدها تم تعييني بالرباط أستاذا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وبقيت هناك إلى حين المغادرة الأخيرة في سنة ،2005 فهذا هو مجمل المسار الدراسي والمهني. وكيف كان مسارك الدعوي؟ كانت هناك احتكاكات في المرحلة الثانوية بين دعاة الماركسية والإلحاد، وأكثرهم أساتذة يساريون، وكان الإلحاد والماركسية يومئذ موضة ومفخرة لدعاته، فهذا الانقضاض المباشر على الدين ووصفه بأفيون الشعوب كما هي العبارة المشهورة والمحببة عند الماركسيين، والسخرية بالشعائر الدينية وبالقرآن وبكل شيء ديني، هو الذي حرك فينا - نحن الشباب - تساؤلات قلقة، وبدأنا نفكر ونقرأ ونبحث ونناقش، حتى تمايز الصفان. الصف الأول تمثله مجموعة من التلاميذ وقليل من الأساتذة يتبنون هذه العقائد الإسلامية ويتصدرون للدفاع عنها، وتطوير وسائل عرضها، مقابل الصف الآخر الذي كان فيه عدد كبير من الأساتذة ومجموعة من أتباعهم من التلاميذ، فاحتدم التدافع بين المجموعتين طيلة سنوات التعليم الثانوي، واستمر بعد ذلك. فهذا الصراع الذي بدأ في وقت مبكر هو الذي دفعنا إلى قراءة الكتب الإسلامية والبحث عن الإسلام بجدية، ليس بالطريقة المتوارثة، وإنما، بشكل جدي ومستقل، فانخرطنا تلقائيا في قضايا الإسلام والفكر الإسلامي، وأتذكر أنه في هذه المرحلة عمدنا وبضعة تلاميذ، وكان على رأسهم الأخ محمد الدكالي وغيره إلى قراءة كتب منظري جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من الكتاب المعاصرين كأبي الأعلى المودودي وغيره، وبدأنا نتأثر بها. هذا على الصعيد الفكري، وماذا عن المستوى العملي؟ في الثانوية المحمديةبالقصر الكبير، درسنا عند الأستاذ البشير اليونسي وكان يومئذ أحد الوجوه البارزة في جماعة التبليغ، وأصبح فيما بعد وإلى الآن أميرا لهذه الجماعة منذ وفاة مؤسس هذه الجماعة في المغرب أو مؤسس فرعها في المغرب وأميرها الشيخ محمد الحمداوي رحمه الله، فتعرفنا من خلاله بجماعة التبليغ، وانخرطنا فيها وعملنا في صفوفها وشاركنا معها في خرجاتها المعروفة، لكن في الوقت نفسه، كنا نقرأ من كتب الإخوان المسلمين، فكانت أفكار الإخوان المسلمين وتوجهاتهم أكثر تأثيرا علينا، ولكن من الناحية العملية، كنا نعمل في جماعة التبليغ وننخرط في أنشطتها. كيف استطعتم بفكركم المتأثر بأدبيات الإخوان المسلمين أن تتعايشوا مع منهج جماعة التبليغ التي يرفض الخوض في السياسيات؟ بقينا عمليا مع إخوة التبليغ رغم أننا كنا متأثرين بالفكر الإخواني، لكن حدث حادث كان له أثر كبير على مسارنا الحركي، وهو الاعتقال الذي تعرضت له أنا والأخ عبد اللطيف المراكشي، سنة ،1976 وكان ذلك من تداعيات اغتيال عمر بن جلون، فكانت هناك اعتقالات عشوائية كما هي العادة، فمن له علاقة بالحادث يعتقل، ومن ليست له صلة بالحادث يعتقل هو أيضا، وبهذه الطريقة وصلت الاعتقالات إلي وإلى بعض الإخوة الذين لم يكن لهم علم بهذا الشأن، فبعد هذا الاعتقال، رجعت إلى القصر الكبير، فوجدت أن كثيرا من الناس بدؤوا يتحاشون اللقاء بي والسلام علي والتعامل معي، فكانوا يطرحون أسئلة كبيرة حول شخصي من مثل: من يكون هذا الذي اعتقل ؟ وماذا يكون وراءه؟ ولما رأيت هذا النفور، وهذه الشكوك من الناس تترى حول شخصي وطبيعة المجموعة التي أنشط معها ، اتخذت القرار الذي كنت مترددا فيه، وهو التوجه إلى العمل القانوني الواضح، فأقدمنا على تأسيس الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير مع العلم أنه قبل سنوات من هذا التاريخ كان قريبي الأستاذ علي الريسوني قد نصحني بتأسيس جمعية قانونية، وحينئذ واجهته برفض بات على أساس أني لا أريد أن أعمل في إطار القوانين الوضعية، ولكن تطور الواقع وتطور معه التفكير حتى وقع الاعتقال وخرجت فوجدت أنه لا مفر من العمل القانوني، ومنذ ذلك الحين أسسنا الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير مع ثلة من الإخوة وبدأ مسارنا الجديد. ذكر الأستاذ عبد الناصر التيجاني في شهادته أنكم كنتم تؤسسون لعملكم الحركي المتأثر بفكر الإخوان المسلمين من داخل مسجد الفتح حتى ضاق الإخوة في جمعية التبليغ بكم، كيف توضحون هذه الحيثية التاريخية؟ ذكرت من قبل أننا من الناحية العملية انخرطنا في جماعة التبليغ وعملنا في أحضانها وخاصة وقد كنا تلاميذ لأستاذنا البشير اليونسي، فكان عندنا تلاحم كامل واندماج واضح في صفوف جماعة التبليغ، ولكن في الوقت نفسه، كانت أفكارنا وقراءاتنا في كتب متعددة، ومنها كتب الإخوان المسلمين ومجلاتهم ، فكانت أفكارنا وآفاقنا ونظرتنا للعمل الإسلامي تقترب أكثر فأكثر من مدرسة الإخوان المسلمين، فتزامن ذلك أيضا مع حدث كان له أثر كبير، وهو وصول أشرطة الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله، فكنا نستمع إليها، بل ونجتمع للاستماع إليها وأحيانا يكون ذلك بمسجد الفتح، فنأتي بالشريط وآلة التسجيل وندعو مجموعة من الشباب فنجتمع على شريط عبد الحميد كشك، ثم بعد ذلك تكون مناقشات حوله، أو كنا في هذا الوقت بالذات نتدارس كتب سعيد حوى ونتداول مجلة المجتمع وكل ما يصلنا من منشورات ومطبوعات إخوانية، وهو ما أعطى في الحقيقة وضعا غير عادي نتفهمه الآن، وهو أننا أصبحنا جماعة داخل جماعة، فالإخوة في جماعة التبليغ بكل رفق أبلغونا أن هذا العمل غير مقبول وأن علينا أن نمارس أنشطتنا في مكان آخر، طبعا هذا عنصر بالإضافة إلى قضية الاعتقال دفع بنا إلى التفكير في تأسيس الجمعية الإسلامية، فتفهمنا موقف الإخوة في جماعة التبليغ، وإن كان تفهمنا قد اقترن وقتها بشيء من الاستياء، بحيث إننا التزمنا على مضض. وفي الحقيقة، نحن لم نكن تبليغيين بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولكن كنا نقدر عمل جماعة التبليغ، وندين له بالفضل، وكنا ولا زلنا مستعدين أن نشتغل معهم في صف واحد، ولكننا لم نكن مستعدين لتنحية أفكارنا فقد كنا مسيسين على طريقة الإخوان المسلمين، بينما كانت جماعة التبليغ تلتزم بمبادئ منها عدم التدخل في أي شيء سياسي وعدم التطرق لأي موضوع سياسي، فهذا السلوك من الإخوة في جماعة التبليغ وإن كنا قد استأنا منه، لكنه في الحقيقة خدم تميزنا وانطلاقنا لبناء عملنا الخاص، وهو تأسيس جمعية والبحث عن مقر لها وأماكن خاصة للعمل لما كنتم في الرباط، ألم تتعرفوا على الشبيبة الإسلامية؟ ألم يكن لكم اتصال بعبد الكريم مطيع؟ الحقيقة أننا التقينا بالشبيبة الإسلامية عبر مؤسسها عبد الكريم مطيع في وقت مبكر، قبل أن تشتهر هذه الجماعة. في أي سنة بالضبط؟ في سنة 1973 وماذا دار بينكم وبين عبد الكريم مطيع؟ جئنا نصلي في مسجد سيدي الغندور، في باب الأحد في الرباط، وجئنا متأخرين، فصلينا مع مجموعة من الشباب جماعة، وما إن سلمنا حتى وقف علينا الأستاذ عبد الكريم مطيع ونحن لا نعرفه ولا نسمع به ، وجلس إلينا وتحدث إلينا وبدأ التعارف ينشأ من يومئذ، وبعدها حرص على استبقاء الصلة بنا، إلى درجة أنه بدأ يعقد معنا لقاء أسبوعيا، فكان يأتي من الدارالبيضاء إلى الرباط لعقد هذه الجلسة الخاصة مع الإخوة من القصر الكبير، وكنا يومها شبابا وكان معنا يومها في هذه الجلسة محمد الدكالي وعبد اللطيف المراكشي ومحمد حمانو رحمه الله وكان الأخ الفاضل حماد الزموري هو الذي يستضيفنا في بيته، فكان عبد الكريم مطيع يأتي إلينا ويجلس إلينا كل ثلاثاء. ماذا كان يدور في هذه اللقاءات الأسبوعية؟ من خلال عبد الكريم مطيع تعرفنا على الشبيبة الإسلامية، ولم نكن نعرفها من قبل، فعرفنا على الشبيبة الإسلامية وكان يحدثنا عما يقع في بعض ثانويات الداربالبيضاء من صراعات مع اليسار والماركسيين، وكان يلقي علينا دروسا حول الحركة الإسلامية وحول التنظيم ويقرأ معنا بعض الفصول من معالم في الطريق، وكنت قبل هذا التاريخ قد حفظت معالم في الطريق عن ظهر غيب، واستمرت هذه اللقاءات على مدى سنة أو أكثر قليلا إلى أن فوجئ الجميع بحادثة اغتيال عمر بن جلون ومن يومها لم نر عبد الكريم مطيع. ألم يعرض عليكم الانتماء للشبيبة الإسلامية؟ لم يقع هذا لا منا ولا منه، والسبب هو الموقف من جماعة التبليغ، إذ كان يهاجمها وكان يفعل ذلك لأنه عرف صلتنا بها، فأراد أن يقطع هذه الصلة وهذا الولاء، ونحن أيضا تريثنا وتأخرنا عن الانتماء للشبيبة الإسلامية بسبب هجومه على جماعة التبليغ، إذ لم نكن نقبل أن يتهم جماعة التبليغ بالعمالة وما إلى ذلك من الاتهامات، وهو لم يكن يقبلنا على موقفنا هذا المتعاطف والقريب من جماعة التبليغ، فهذا هو السبب الذي جعله لا يعرض علينا الانتماء للشبيبة الإسلامية. وما الذي جعله يمضي معكم أكثر من سنة في لقاءات أسبوعية؟ كان يأمل أن تستوي أفكارنا على نمطه، ولذلك لم يكن يريد أن يضمنا إليه ونحن نحمل أفكارا مخالفة لتوجهه. تقول إن الخلاف بينكم وبين مطيع كان هو الموقف من التبليغ فقط، ألم يكن لكم معه خلاف آخر في أي نقطة أخرى؟ لم يكن بيننا وبينه إلا الخلاف في الموقف من جماعة التبليغ، ولم يكن لنا عليه ولا كان له علينا أية مؤاخذة أخرى، وكان في وقت لاحق بدأ يسمينا التبليغ مودرن لأننا كنا نحمل أفكارا حركية على نمط الإخوان المسلمين ولكننا كنا متعاطفين مع التبليغ، فكانت لنا أفكار تنظيمية وسياسية قوية ولذلك كان يطلق علينا هذه العبارة، وأتذكر أنه في شهر أكتوبر من سنة ،1975 وكان قد بلغ النقاش بيننا وبينه درجة من الاحتداد في موضوع الموقف من جماعة التبليغ والاتهامات ما بين ترويج لها عنده ورفض لها من طرفنا، توقفت هذه اللقاءات في صيف ،1975 لكن في بداية الموسم الدراسي وتحديدا في شهر أكتوبر، جاءنا وطرق علينا البيت في منتصف الليل وأظن أنه زارنا في الواحدة ليلا، وبمجرد ما استوى جالسا بيننا قال لنا نحن قررنا أن نطوي ونغلق ملف جماعة التبليغ نهائيا، فلهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، ونكل أمرهم إلى الله ولا نخوض في الكلام فيهم،ونتركهم لما هم عليه، ونمضي لما هو أنفه للدعوة، فكأنه قد أتى ليتجاوز العقبة التي كانت بيننا وبينه. وكيف تلقيتم هذا الحديث الجديد منه؟ طبعا نحن تلقينا كلامه بارتياح كبير، وأكبرنا فيه هذا الموقف، لأننا لم نكن نطالبه أن ينزع أفكاره ويتخلى عنها، ولكن كنا نطالبه أن يكف عن ترويح التهم ضد جماعة التبليغ. أزاح الرجل إذن العقبة التي كانت بينكم وبينه، فلماذا لم تنتموا للشبيبة الإسلامية؟ نعم أزيحت العقبة، وأصبح الانتماء للشبيبة الإسلامية سهلا لولا أنه انصرف في تلك الليلة ولم نره حتى سمعنا بمقتل عمر بن جلون. وكنا في الحقيقة متهيئين ومستعدين للانتماء للشبيبة الإسلامية بعد أن بشرنا بانتهاء العقبة التي كانت بيننا وبينه، وطمأننا أن الاتهامات ضد جماعة البليغ سوف تتوقف وأن الصراع معها سينتهي، وقد كان الصراع ضد جماعة التبليغ من طرف الشبيبة في الدارالبيضاء على أشده، وبقينا ننتظر الرجل إلى أن سمعنا بخبر مغادرته للوطن هو والأستاذ إبراهيم كمال، وكان العزم أن نعرض أنفسنا عليه أو أن نقبل الانتماء للشبيبة الإسلامية إن هو عرض علينا الأمر، لكن لم يقع هذا الأمر، لأنه لم يستمر الوضع إلا بضعة أسابيع حتى وقعت الواقعة ، ولم نره ولم نتصل به منذ ذلك الحين، ولما اعتقلت والتقيت بالأخ أحمد بلدهم، وكان نسخة طبق الأصل لمطيع إلى ذلك الحين، أخبرته أننا على استعداد للانتماء للشبيبة الإسلامية، وكنا قد تشاورنا قبل ذلك مع إخوة القصر الكبير، وقررنا أن نمضي مع الشبيبة ولكن توالت الأحداث، فلا هم عرضوا علينا الأمر، ولا نحن عرضنا عليهم ذلك، ثم عادت تخوفاتنا لما رأينا بأم العين أن ما بشرنا به عبد الكريم مطيع سرعان ما تبخر، لأنه هذه المرة لم يكتف باتهام جماعة التبليغ، لكن بدأ يوجه سهامه إلى الجميع بما في ذلك الشباب الذين كانوا حوارييه وأتباعه وتلامذته إلى عهد قريب، فظهر أن الاتهامات لم تكن موجهة خاصة إلى جماعة التبليغ ولكنها كانت سياسة عامة ومنهج معتمد عند عبد الكريم مطيع، فازددنا بعدا عنه، وإلى سنة 1978 قررنا أن نبدأ عملنا بشكل مستقل، وكنا قبل هذا التاريخ نتعلق هنا وهناك، ونبحث عن صيغة لعمل إسلامي قوي.