كان الجو حارا جدا عندما قمنا بزيارة تفقدية لحالة مجموعة من الشواطئ بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، بعدما صدر تقرير يكشف أن 20 شاطئا على الصعيد الوطني غير صالحة للسباحة، من ضمنها شواطئ بهذه المدينة، معروفة باستقبالها لعدد كبير من المصطافين خلال فصل الصيف، فحالة هذه الشواطئ، حسب ما أورده التقرير، وحسب تصريحات عدد من المواطنين الذين استقت «المساء» آراءهم، «كارثية» بسبب مجاري الصرف الصحي ومخلفات المصانع وغياب الاهتمام بها من قبل السلطات المعنية حتى أصبحت في نظرهم قبلة للمنحرفين والمتسكعين الذين وجدوا في جنباتها فرصة للاختلاء بخليلاتهم أو احتساء الخمر في ظل غياب أي مراقبة تذكر. في ظل موجة الحرارة التي تجتاح المغرب هذه الأيام لا يجد المواطنون في مدينة كالدار البيضاء غير الشواطئ التي تبعد سوى كيلومترات قليلة عن محلاتهم السكنية للهروب من حرارة الجو نحو مياه البحر الباردة. الشواطئ التي تقع بالمنطقة الشرقية للمدينة تختلف من حيث جودة مياهها ونظافة رمالها باختلاف الجماعات الحضرية التابعة لها: النحلة والسعادة والراحة بعين السبع وزناته الصغيرة والكبيرة بالبرنوصي غير صالحة للاستحمام، حسب التقرير الوطني حول مراقبة جودة مياه الاستحمام بالشواطئ الوطنية برسم سنة 1011-2012، لأن مياه هذه الشواطئ، حسب التقرير ذاته، ملوثة بالمياه العادمة وبمخلفات المصانع التي توجد على طول الشريط الساحلي الرابط بين الدار البيضاءوالمحمدية. مأساة شاطئ زناتة الصغيرة المكان زناتة الصغيرة. الشاطئ مليء بالمصطافين، أغلبهم من الشبان والأطفال، الذين أتوا إلى الشاطئ من أجل مزاولة رياضتهم المفضلة وهي كرة القدم، حيث تجدهم يمررون الكرة فيما بينهم غير آبهين بحالة الشاطئ الذي يقول أحدهم إنه لا يستحمون فيه أصلا، فهم يعلمون أنه ملوث وأنهم في حالة استحمامهم سيصابون بأمراض جلدية، لهذا يفضلون استغلال المساحات الرملية خلال الفترة الصباحية للرياضة ثم العودة أدراجهم للاستحمام في منازلهم. هشام جاء إلى هذا الشاطئ في هذا الصباح رفقة ابنه وابنته الكبرى بعد انتهاء الموسم الدراسي، لكنه ساخط على وضع الشاطئ ومتذمر من الحالة التي آل إليها بسبب الأزبال المتناثرة في رماله والحيوانات التي وجدت في مياهه الباردة فرصة للهروب من حرارة الجو كذلك. مشهد أحد الكلاب وهو يسبح في شاطئ زناتة الصغيرة ليس الوحيد، بل العديد من الكلاب تأتي، حسب هشام، إلى هذا المكان برفقة أصحابها من أجل السباحة. هشام- خلال حديثنا معه- اعتبر أن شواطئ الدار البيضاء كلها غير صالحة للسباحة، وأن من يريد أن يتمتع بجودة مياه الشاطئ عليه أن يقطع الكيلومترات وليس بضعة أمتار، وهذا غير متوفر لدى المواطنين البسطاء الذين يريدون التنفيس عن أنفسهم وعن أبنائهم بأقل الأثمان. لم يخف المتحدث كذلك المخاطر التي تحدثها المصانع المحدثة بالشريط الساحلي الرابط بين المحمديةوالدار البيضاء والمخلفات الكيماوية لتلك المصانع التي ترمى في قاع البحار، زيادة على النفايات التي يخلفها المواطنون الذين في الغالب يفتقرون إلى تلك الرؤية التي تجعل منهم يحافظون على نظافة الشاطئ كما يحافظون على نظافة منازلهم. كثيرة هي إذن المشاكل التي يعاني منها شاطئ زناتة الصغيرة في الدار البيضاء المسمى سابقا «بيكيني»، لكن يبقى أخطر مشكل في نظر من يسكنون بجواره هو مياه الصرف الصحي التي ترمي في البحر مخلفة، بالإضافة إلى رائحتها الكريهة، أضرارا بيئية على الثروة السمكية والبحرية. في منظر يشبه إحدى الجزر الآسيوية اجتمعت أعداد هائلة من الطيور على جنبات قناة للصرف الصحي بالشاطئ ذاته، وقد كتب على ظهر إحدى الصخور الموجودة على مسافة بعيدة من القناة «ممنوع السباحة.. خطر». تحركنا باتجاه مكان القناة فاستقبلتنا رائحة لا تطاق، وبدأت الطيور تقفز من مكانها، بعد أن اقتحمنا خلوتها. مثل هذا النوع من الشواطئ وبمثل هذه المواصفات الملوثة التي «يتمتع» بها من النادر أن تجد مرحاضا يقضي فيه المواطنون حاجاتهم، إذ يظل الخلاء مكانهم لذلك. ومثل هذا النوع من الشواطئ لا يمكن أن تجد مكانا لإسعاف أو إنقاذ المواطنين في حالة الغرق أو ما شابه ذلك، فشبان الحي بهذه المنطقة هم من يتطوعون لإنقاذ الغرقى وإسعافهم. «الناس فقراء ماعندهومش» عبارة ترددت على مسمعنا كثيرا ونحن نتحدث مع المصطافين في هذا الشاطئ، للدلالة على أن الفقر والحاجة هما الطامة الكبرى التي تؤرق المواطنين وتجعلهم يقبلون بأي شيء، المهم أن يفي بالغرض حتى لو كان ملوثا. غالبية المصطافين الذين سألناهم عن تلوث الشاطئ وعدم صلاحيته للسباحة كانت ردة فعلهم الابتسامة، مستغربين من السؤال وكأنهم يقولون: «لدينا أشياء أخرى أهم من نظافة الشاطئ». فاعل جمعوي، التقته «المساء» ، أكد أن جمعيته قدمت شكايات لكل من الجماعة الحضرية التابعة لعين حرودة ونظيرتها التابعة لسيدي البرنوصي ولا من يجيب، بل حتى وسائل العمل، يقول هذا الجمعوي، لم يرد المسؤولون مدهم بها، مضيفا أنهم قادرون على أن يهتموا بنظافة شاطئهم ويحرصوا عليه أشد الحرص.لكن المهم «أن تمنح لهم الإمكانيات». وأوضح أن رئيس الجماعة بعين حرودة، وبالبرنوصي، لم يقوموا بأي مبادرة في هذا الصدد. وكشف المتحدث الخطر المحدق بهذا الشاطئ بسبب مادة «لاسيد»، التي تلقي بها إحدى شركات الحديد، والتي لوثت الشاطئ لدرجة أن أبناءهم يصابون بحكة شديدة في حالات استحمامهم به، يضيف المتحدث ذاته. شاب آخر قال إنه من أبناء الحي الأصليين، تحدث عن المساكن المقامة بجنبات الشاطئ، التي أوضح أنها أصبحت وكرا من أوكار الدعارة، يأتي إليها الشبان برفقة فتيات بعد كرائها من طرف سماسرة في هذا المجال، مضيفا بأنها أساءت إلى سمعة المنطقة حتى أصبحوا لا يستطيعون النزول للبحر برفقة عائلاتهم بسبب هذه البيوت التي هي في الأصل «كابانوهات» كانت مخصصة للعائلات لتصبح بعد إهمال الشاطئ مخصصة لممارسة أقدم مهنة في التاريخ. فاطمة، سيدة متزوجة وأم لثلاثة أبناء، تشكي حالها وحال الحي الذي تعيش فيه، فتقول: «انتظرنا سنوات أن يصل صوتنا للإعلام بعد التهميش الذي لحقنا في هذا المكان». تهميش تتجلى مظاهره في انتشار الدعارة والأزبال وغياب الماء والكهرباء، تضيف فاطمة. شواطئ ملوثة ترحب بكم إذا كانت حالة شاطئ زناتة الصغيرة تعتبر الأكثر هشاشة من بين الشواطئ، التي قمنا بزيارتها، باعتبار حالته المزرية، فإن هناك شواطئ أخرى تعد أقل ضررا وتتوفر على مجموعة من الخدمات وتستقبل عددا مهما من المصطافين، لكن رغم ذلك، فهي بنظر التقرير، غير صالحة للاستحمام. ومن بين هذه الشواطئ نجد شاطئ النحلة والسعادة والراحة بعين السبع. فشاطئ النحلة المسمى ب«البلدية» سابقا يتوفر على مركز للوقاية المدنية وعلى خدمات أخرى موجهة للمواطنين، غير أنه بدوره لم يسلم من قناة للصرف الصحي تصب فضلاتها في مياهه، لكنها تعد بنظر البعض أقل خطورة من تلك الموجودة بزناتة الصغيرة . لا ينسى أيوب (اسم مستعار) ذلك اليوم الذي تطاير فيه سمك «البوري» بسبب تسرب إحدى السوائل من شركة للحديد كانت توجد بمقربة من هذا الشاطئ. سائل تجهل مكوناته، أصفر اللون خلف بحيرة صغيرة، اجتمعت حولها كمية كبيرة من سمك «البوري» الذي ضل طريقه بعد تراجع مياه البحر فظل يقفز في مكانه تائها، قبل أن تصطاده حشود من المواطنين أتوا مسرعين من دوار أولاد الحاج الذي يوجد بالقرب منه، مضيفا أنهم عادوا محملين بكميات كبيرة من هذا النوع من السمك غير مهتمين إن كان مسموما أو ملوثا . وطرح المتحدث ذاته مشكلا آخر يتعلق بسرقة رمال البحر، ولم ينس حادثة وقعت له عندما كان صغيرا يأتي يوميا للاستحمام بهذا الشاطئ، بسبب مخلفات إحدى الشركات الفوسفاطية، التي كانت موجودة بالمنطقة قبل تنقيلها، والتي كانت تخلف حفرا من المياه الساخنة، حيث كان هو وأصدقاؤه من الأطفال يجلسون فيها ليتمتعوا بحرارة المياه، ليعلم مؤخرا أن تلك المياه تحتوي على مواد سامة. حالة شاطئ النحلة لا تختلف كثيرا عن شاطئي السعادة والراحة بعين السبع، اللذين يشكلان قبلة البيضاويين من الأحياء القريبة للسباحة. عائلات جاءت برفقة أبنائها للاستجمام غير مهتمة بنوعية الشاطئ. وفي شاطئ السعادة بعين السبع يتوجه العديد من المصطافين كل يوم ويزدحمون في رقعة شاطئية ضيقة تفتقر إلى مقومات الشواطئ النظيفة. المهم عند هؤلاء أن تكون رمال الشاطئ نظيفة تمنحهم فرصة لقضاء يومهم في أحسن الظروف. مصدر من مقاطعة عين السبع في الدار البيضاء أكد أن الجماعة تمنح هذه الشواطئ لمجموعة من الجمعيات لاستغلالها ماديا، حيث تتكلف هذه الجمعيات بكراء الشمسيات والكراسي للمصطافين. كما أشار المصدر ذاته إلى مشروع ضخم تقوم به شركة ليديك هدفه تصفية مياه الصرف الصحي وإلقاؤها في أعماق الحر وليس على مقربة منه كما يحدث الآن. هذه الشواطئ بالرغم من نظافة رمالها فهي تفتقر إلى المراحيض العمومية وأماكن تجميع القمامة وفضاءات لعب الأطفال، بالإضافة إلى الاكتظاظ الذي تعرفه في فصل الصيف. مشاكل تستدعي النظر فيها من قبل الجهات المعنية، وخاصة الجماعات الحضرية والشركات التي ترسى عليها صفقات تنظيم الاستجمام بهذه الشواطئ وفق مقاربة تضع مصلحة المواطنين فوق اعتبارات قد تكون اقتصادية بالدرجة الأولى هدفها حسب المواطنين الربح وكسب مبالغ مالية خلال هذه الفترة من فصول السنة. فمسألة نظافة الشواطئ وإن كانت لا تهم الغالبية العظمى من المغاربة فهي تتحول إلى موضوع يهم بعض المواطنين خلال فصل الصيف، حيث تجد شريحة منهم تتخوف من التلوث البيئي لمياه البحار، لهذا تجدها تختار المياه التي قيل إنها نظيفة أو حصلت على اللواء الأزرق، فيضطر العديد من المواطنين إلى السفر نحو شواطئ بعيدة من أجل الاستجمام، في حين يبقى الآلاف من سكان المناطق الفقيرة في المدن حبيسي شواطئ ملوثة أو قليلة النظافة. جودة غائبة «20 شاطئا مغربيا غير صالحة للسباحة»، هكذا تحدث التقرير الوطني حول مراقبة جودة مياه الاستحمام بالشواطئ الوطنية برسم سنة 1011-2012، والذي أكد أن أغلبية المحطات ال34 المصرح بعدم مطابقتها للسباحة خلال هذا الموسم، تأثرت بقذف مياه الصرف الصحي أو تتعرض لوجود نسبة عالية من مرتادي السباحة. التقرير الذي تم الإعلان عنه في الندوة التي عقدتها وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة ووزارة التجهيز والنقل، بدعم من مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، قدمت نتائج مراقبة جودة المياه الاستحمام، حيث أجمع المشاركون فيها على وجود تدهور طفيف في حالة الشواطئ عموما. وخلص البرنامج السنوي لرصد جودة مياه الاستحمام إلى أنه تم تسجيل تراجع طفيف في معدل جودة المياه، حيث إن 90.26 في المائة من محطات المراقبة المصرح بها مطابقة للمعايير الخاصة بجودة مياه الاستحمام مقابل 94.48 في المائة خلال الموسم السابق. وأكد التقرير أن التحليلات التي أجريت خلال موسم 2012 مكنت من إعلان أن 90.26 في المائة من 315 محطة تتوفر على الجودة الميكروبيولوجية المطابقة للمعايير الخاصة بالسباحة مقابل 94.48 في المائة عام 2011. ولاحظت الوثيقة، التي قدمها مسؤولو وزارة التجهيز والنقل ووزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة أنه من بين 141 شاطئا شملتها هذه العملية (39 في البحر الأبيض المتوسط و102 في المحيط الأطلسي)، يلاحظ وجود 20 شاطئا غير صالحة للسباحة، مقابل 14 شاطئا عام 2011، مشيرة إلى تزايد عدد المحطات غير المتطابقة لتنتقل من 19 محطة عام 2011 إلى 34 محطة عام 2012.فيما تم إخضاع 13 شاطئا لتحاليل كيماوية وميكروبيولوجية، حيث أبرز التقرير أن النفايات التي تمت معاينتها في المواقع التي شملتها المراقبة تتكون في الغالب من مواد بلاستيكية وأخشاب. وبخروج هذه النتائج إلى حيز الوجود، عبر عدد من المواطنين عن أسفهم للوضع الذي آلت إليه بعض الشواطئ، خصوصا الموجهة إلى عامة الشعب بعدما علموا أن غالبيتها تراجعت من ناحية جودة مياهها بسبب تأثير مياه الصرف الصحي أو بسبب الاكتظاظ الكبير للمصطافين بالموازاة مع نقص في البنية التحتية، وطالبوا بالتدخل من أجل تدعيم البنيات التحتية وتأهيل الشواطئ وتحسين ظروف الاستجمام على اعتبار أنها من مقومات الرقي بالسياحة الداخلية. ومن بين التحديات التي تواجه النهوض بهذه الشواطئ، بالإضافة إلى الصرف الصحي والاكتظاظ، أشار التقرير ذاته إلى مسألة تتعلق بالضغط الذي تمارسه المشاريع السياحية والعقارية، فضلا عن هشاشة الكثبان الرملية جراء تدميرها لصالح المشاريع العقارية والمركبات صناعية. ومن أجل التصدي لمخاطر تدهور جودة مياه الاستحمام بالشواطئ الوطنية، أوصى التقرير على الخصوص بتفعيل القوانين المتعلقة بحماية المناطق الساحلية ووضع تدابير تراعي خصوصيات كل منطقة.
170 مليار سنتيم للقضاء على التلوث في شواطئ الدار البيضاء في إطار القضاء على التلوث في المنطقة الشرقية بمدينة الدار البيضاء تجرى أشغال إتمام مشروع تقوم به شركة ليدك هدفه إزالة جميع النقاط السوداء المفرزة للمياه العادمة في الشواطئ بالمدينة. هذا المشروع سيمكن من إزالة أكثر من 250 ألف متر مكعب في اليوم من المياه العادمة الموجودة في المحور الشاطئي الممتد بين ميناء الدارالبيضاء والمحمدية. ويتكون المشروع، حسب المشرفين عليه، من 24 كيلومترا من القنوات، من بينها 9 كلم عبارة عن نفق تحت أرضي قطره 5،2 أمتار وعمقه 18 مترا، إضافة إلى محطة للضخ، ومحطة أخرى للمعالجة القبلية في مقاطعة سيدي البرنوصي، وبعد أن تتم المعالجة الأولية للمياه يضخ في قناة بحرية داخل البحر على عمق 20 مترا تحت مستوى البحر. وقد بلغت تكلفة هذا المشروع 170 مليار سنتيم، بعد أن بدأت أشغاله سنة 2011 لتنتهي في 2014 كما حدد لها.