الرشق بالبيض أو بالأحذية أو رمي قنينات الماء... هذه بعض أساليب الاحتجاج التي يبتدعها المواطنون للتنديد بسياسات رؤساء دولهم أو بعض مواقفهم التي تكون مرفوضة شعبيا. مثل هذه الاحتجاجات قد تصل أحيانا حد الاعتداءات الجسدية أو الاغتيالات. الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي كان أكثر الرؤساء تعرضا لمواقف مهينة بسبب سياسته التي كان الفرنسيون يمجونها. كذلك كان رئيس الحكومة الإيطالية السابق برلوسكوني، الذي كان مثار انتقادات عديدة من قبل الإيطاليين بسبب فضائحه الجنسية المتكررة. لكن يبقى أكبر موقف مهين تعرض له رئيس دولة ما وقع للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حين مرغ حذاء عراقي غطرسته في التراب. باب الرشق بالأحذية : ما ابتدعه منتظر الزيدي سيصير أسلوبا للاحتجاج على الوزراء والرؤساء وغيرهم. وكان من بين ضحايا النهج الجديد الوزير الأول الصيني وين جياباو، الذي قُذف بحذاء في كامبردج في فبراير 2008، والسفير الإسرائيلي بالسويد، وكذا وزير الداخلية الهندي تشيدا مبرام، الذي رشقه صحافي سيخي بصندل خلال مؤتمر صحافي في أبريل 2008. الرئيس اليمني السابق عبدالله صالح لم ينج هو الآخر من لعنة الأحذية.إذ رشقه أحد المتظاهرين اليمنيين في نيويورك بحذائه حين كان يزور الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل العلاج. لكن يبقى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الضحية الأكثر شهرة في هذا الباب، طبعا بعد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، وإن كان الاعتداء الذي تعرض له نجاد مر دون تغطية إعلامية كبيرة باستثناء بعض الأخبار المتفرقة. والسبب يعود إلى الرقابة التي تمارسها إيران على وكالات الأنباء الأجنبية. وقائع الاعتداء على الرئيس الإيراني تعود إلى دجنبر الماضي حين كان في زيارة لوزير إيراني سابق بمدينة ساري شمال إيران حيث تحدث إلى مجموعة من العمال عن «أكبر الإنجازات الاجتماعية لحكومته». لكن عمال مصنع للنسيج سرحوا من عملهم ولم يتسلموا متأخرات رواتبهم مدة عام لم يستسيغوا خطاب الرئيس فقاطعوه بالصراخ ورمي أشياء غير محددة، حسب ما ذكر موقع «خبر أونلاين.إر». أثناء ذلك قام أحد العمال الغاضبين، ويدعى رشيد شاهباندي (45 سنة) برشق نجاد بحذائه احتجاجا على الأوضاع الاجتماعية المزرية التي يتخبط فيها. لكن الحذاء لم يصب الهدف، فيما تعرض راميه للضرب من قبل أنصار الرئيس قبل أن تتدخل الشرطة لحماية العامل، حسب وكالة «فرانس بريس». ولم تكن هذه المرة الأولى التي يُقدِم فيها شاهباندي على مثل هذا الفعل. إذ سبق له أن شتم علانية الزعيم الروحي آية الله خامنائي. كما رشق الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي بالبيض والطماطم وعوقب على ذلك بالسجن. وهو نفس المصير الذي لاقاه إثر قذفه نجاد بحذائه. وحسب موقع «أزانس إيران خبر»، فإن شاهباندي مهدد بعقوبات ثقيلة قد تصل حد الحكم بالإعدام جراء تجرئه على رشق الرئيس الإيراني بفردة حذاء. ما وقع للرئيس الإيراني ظل حبيس التكتم. إذ لم تشر إليه وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية ولا مكتب الرئيس. فيما تناقلته بعض وسائل الإعلام الغربية، وأيضا بعض المواقع والمدونات الإيرانية، التي سخرت من الرئيس أحمدي نجاد.وقد كتب أحد المدونين الإيرانيين بأن وسائل الإعلام الموالية للحكومة «قللت من شأن ذلك العمل الاحتجاجي، وادعت بأن الكثير من الحضور قاموا بترديد هتافات مؤيدة للرئيس». فيما قام نيكاهنج كوثر، وهو مدون ورسام كاريكاتير إيراني، بتخليد هذا الحادث عبر رسم كاريكاتيري يظهر فيه أحمدي نجاد غارقا في كومة من الأحذية. وقد عنون رسمه ب«مستقبل الرئاسة».
دماء على وجه برلسكوني : ماكان يحدث لساركوزي في فرنسا كان يتكرر بشكل مماثل تقريبا لسيلفيو برلسكوني في إيطاليا. رئيس الحكومة الإيطالية السابق تعرض هو الآخر لاعتداءات متكررة. كما كان هو الآخر يثير حقد شريحة عريضة من مواطنيه. وقد اعترف هو نفسه بأنه كان محاطا بكثير من الكراهية والحقد. في ليلة 13 دجنبر 2009 تابع الإيطاليون على القنوات التلفزية تفاصيل حادث الاعتداء الذي طال رئيس حكومتهم آنذاك. كان وجه برلسكوني ملطخا بالدم وفمه ينزف، وهو يحدق منذهلا من وراء زجاج سيارته. بدا مصدوما وصورته مهزوزة لا تشبه في شيء تلك الصورة الواثقة التي اعتاد تسويقها أمام عدسات الكاميرات. في ذاك المساء الخريفي كان رئيس الحكومة الإيطالية السابق في ملتقى انتخابي بميلان تبادل فيه الشتائم مع عدد من الشباب، الذين واجهوه بالصفير ووصفوه بالمهرج، فتدخلت الشرطة لفض النزاع. بعد ذلك غادر برلسكوني الملتقى وتوقف في ساحة قبالة كاتدرائية ميلان محاطا بالعديد من أنصاره. كان منهمكا في حديث جانبي ويبدو منشرحا وواثقا من نفسه.في تلك اللحظة، وكانت خاطفة وغير متوقعة، قذف أحدهم تمثالا معدنيا صوب وجهه فترنح وتحولت الساحة إلى حلبة فوضى هوجاء. كانت الضربة قوية أصابت فمه وأنفه فنقل بسرعة إلى المستشفى.فيما ألقي القبض على الجاني (ماسيمو تارتاغليا)، الذي تبين فيما بعد بأنه يعاني من اضطرابات عقلية. وقد وجهت إليه في الليلة ذاتها تهمة الإيذاء العمد. في صباح اليوم الموالي كشف تقرير طبي بأن برلسكوني أصيب إصابة عميقة في شفته وفقد سِنَّيْن. كما أصيب في أنفه. وقد اضطر إلى البقاء تحت المراقبة الطبية يومين آخرين. «كانت نتائج الاعتداء خطيرة جدا» هكذا كشف طبيبه. فيما صرح وزير الداخلية آنذاك، روبرتو ماروني، بأن برلسكوني «كاد يقتل». وزير الثقافة هو الآخر ندد بالاعتداء ووصفه بأنه «حملة كبيرة من الحقد» على برلسكوني «من قبل بعض الجهات السياسية ووسائل الإعلام». أما رئيس الحزب الشعبي برابطة الشمال فوصف الاعتداء بأنه «حادث إرهابي». على الجانب الآخر، ساند آلاف الفايسبوكيين منفذ الاعتداء.فيما كتب الصحافي الإيطالي الشهير جيامباولو بانصا «أنا مستعد للرهان اليوم على أن نصف إيطاليا كان فرحا برؤية الدم على وجه برلسكوني».
ساركوزي يرشق بالبيض : حين كان ساركوزي يغادر قصر الإيليزي دون رجعة وجد في انتظاره مئات الفرنسيين لتوديعه. كان حفل الوداع من نوع خاص: مزيج من الصفير وهتافات الاستنكار. ربما لم يكن الرئيس الفرنسي السابق يتوقع مثل هذا الحفل. لكن الفرنسيين كانوا مغتاظين منه ومن سياسته، وفي كل مرة كانوا يعبرون عن امتعاضهم بكل الوسائل المتاحة. في آخر مرة قبل خسارته الانتخابات الرئاسية الأخيرة هاجمه مئات المتظاهرين بالبيض في مدينة بايون جنوب غرب فرنسا. كان ساركوزي آنذاك في جولة بالمدينة استعدادا للانتخابات الرئاسية قبل أن يفاجئه مئات الغاضبين بالصفير والهتافات بمجرد ما نزل من سيارته.بعد ذلك بدؤوا يرشقونه بالبيض، فلم يجد من ملجأ أمامه سوى مقهى فر إليه تحت حماية شرطة الشغب. ولتبرير هذه الإهانة لم يجد ساركوزي سوى شماعة منافسه فرانسوا هولاند، الذي اتهمه بالوقوف وراء المظاهرة. ما وقع ذلك اليوم لم يكن حدثا استثنائيا في حياة الرئيس. إذ منذ توليه رئاسة فرنسا تعرض أكثر من مرة لاعتداءات ومواقف مهينة. في نهاية يونيو الماضي مثلا سقط ضحية اعتداء جسدي كان يمكن أن يكون خطيرا لولا تدخل قوات الأمن في اللحظة الأخيرة. في ذلك اليوم كان ساركوزي يزور براكس (على بعد كيلومترات قليلة من أجين) للمشاركة في الجمعية العامة لرؤساء البلديات. وكان عشرات الأشخاص قد اصطفوا خلف حاجز لتحيته فوقف للسلام عليهم. لكن دون توقع من أي أحد امتدت يد من بين المصطفين وجذبته بعنف من سترته، ففقد توازنه وكاد يهوي على الأرض. فيما كان المعتدي على وشك توجيه ضربة إليه. لحسن الحظ أن رجال الأمن تدخلوا في الوقت المناسب وطرحوه أرضا قبل أن ينفذ اعتداءه. في تلك اللحظة استعاد ساركوزي توازنه ووجه نظرة قاسية إلى مهاجمه. لكنه لم يتابعه قضائيا، كما أعلن بعد ذلك مستشار للرئيس السابق. وكان المعتدي، وهو موظف في المعهد البلدي لأجين، سيواجه عقوبة حبسية في حدود ثلاث سنوات وغرامة مالية تناهز 45000 أورو لو تمت متابعته قضائيا، حسب ما ينص على ذلك القانون الفرنسي. بعد هذا الحادث بأشهر قليلة سيكيل شاب في العشرين من عمره شتائم للرئيس الفرنسي حينما كان يتفقد أحد خطوط ميترو الضواحي في حي لا ديفانس بباريس. كما قام مراهق برميه بقنينة ماء في ماي 2010 حين كان في زيارة لإحدى الإعداديات لمحاربة الغياب المدرسي. وفي يوليوز 2008 وقع اعتداء آخر عليه. لكن هذه المرة خارج فرنسا. كان ساركوزي آنذاك في زيارة إلى إيرلندا حين استغل فرنسي مقيم هناك المناسبة ورشق رئيس بلاده بالبيض احتجاجا على معاهدة لشبونة، التي ساندتها فرنسا بقوة، فيما رفضها الإيرلنديون بعد استفتاء نظموه. وكانت العقوبة التي عوقب بها ذاك الفرنسي هي أداؤه 150 أورو جزاء فعلته تلك. مثل هذه الأحداث تكررت أكثر من مرة. وقد لاحظ المراقبون أن ساركوزي غالبا ما كان يتعرض للإهانة حين يكون في مواجهة مباشرة مع الفرنسيين. سلوك قد يفسره إحساس الفرنسيين بالحنق تجاه سياسة رئيسهم وتصرفاته.
جورج بوش.. وحذاء الزيدي : الرئيس الأمريكي السابق هو الآخر لم ينج من مواقف مهينة. كان أكثرها قسوة ما وقع له في آخر زيارة للعراق.كان ذلك منتصف دجنبر من سنة 2008 أثناء عقده مؤتمرا صحفيا رفقة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إثر توقيع البلدين على الاتفاقية الأمنية. كان الاثنان معا على المنصة، وكان بوش قد أنهى لتوه الكلمة الافتتاحية للمؤتمر حين فاجأه صحافي عراقي كان يجلس في الصف الثالث بفردة حذاء قذفها نحوه وهو يصرخ فيه «هذه قبلة وداع الشعب العراقي لك أيها الكلب». لكن فردة الحذاء أخطأت هدفها، فرشقه بفردة أخرى وهو يقول «وهذه من الأرامل والأيتام والأشخاص الذين قتلتهم في العراق».كادت الفردة تصيب وجه بوش، فاضطر إلى الانحناء تفاديا للضربة. في تلك اللحظة انقض المسؤولون الأمنيون على الصحافي، الذي كان اسمه منتظر الزيدي، واقتادوه خارج القاعة وهو يصرخ ويشتم. كان وقع الحادث أشبه بقنبلة انفجرت في وجه الجميع. وكان أولهم الرئيس الأمريكي، الذي بدا منذهلا وهو يتابع ما يحدث. ورغم أنه حاول السخرية من الحادث والتقليل من شأنه فقد بدت الصدمة واضحة على وجهه. الأمريكيون أيضا أصيبوا بالذهول وهم يتابعون تلفزيا ما لحق برئيسهم من مذلة. وقد رأى بعضهم أن ما حدث هو إهانة عميقة للولايات المتحدةالأمريكية. لفظة الإهانة ستتكرر كثيرا في الصحف الأمريكية، التي غطت تفاصيل الحادث، وخصصت له حيزا كبيرا غطى ما عداه من أنباء حول تلك الزيارة المفاجئة التي قام بها بوش للعراق. «واشنطن بوست» أوضحت أن «رمي الأحذية يعتبر في عرف العراقيين أسوأ إهانة يمكن أن يتعرض لها أحد، وتعني ضياع احترامه».فيما أكدت شبكة «سي إن إن» على موقعها الالكتروني أن قذف شخص ما بالحذاء يعني رمزا لإهانة بالغة في ثقافة المسلمين».أما موقع «إي بي سي» فأشار إلى أن كلمات بوش التي تندر بها على الحادث «لم تخف الإهانة». في حين كتبت «نيويورك تايمز» بأن الرئيس الأمريكي لم يصب مباشرة بالحذاء، لكن الحادث «كان له وقع كبير عليه وعلى المحيطين به لأنه كان متلفزا». فيما حاول بوش أن ينفي ما أمكن إحساسه بالمهانة التي بدأت تطارده بسبب حذاء الزيدي. لكنه اعترف فيما بعد بأن ما حدث له في العراق كان «الأكثر غرابة» في مشواره الرئاسي.