أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريرا من 730 صفحة، يعكس 130 مهمة قام بها قضاة ماليون، الذين زاروا العديد من المؤسسات العمومية والمستشفيات والأحياء الجامعية والمؤسسات المالية والجماعات المحلية، حيث اطلعوا على حسابات تلك المؤسسات وقاموا بزيارات ميدانية من أجل التحقق من المعلومات التي حصلوا عليها، حيث إن التقرير جاء متضمنا للملاحظات المتعلقة بالتسيير والاختلالات المالية التي تشوبه، في نفس الوقت الذي حرص فيه على تدوين أجوبة وردود المدراء والوزراء الذين يهمهم الأمر. نشر التقارير السنوية التي ينجزها المجلس الأعلى للحسابات يعتبر، في نظر الخبراء في المحاكم المالية، إنجازا في حد ذاته، فرضته مدونة المحاكم المالية سارية المفعول منذ 2002، حيث ألحت على ضرورة نشر الخلاصات التي يتوصل إليها المجلس في العمل الرقابي الذي يضطلع به، وهو ما يحقق هدفا لطالما طالبت به العديد من الهيئات الحقوقية المغربية والمؤسسات الدولية، بما له من ميزة إخبار عموم الناس بالاختلالات التي قد تشوب تسيير المؤسسات العمومية. الخبراء الماليون يؤكدون أنه بمجرد نشر تقارير المجلس الأعلى للحسابات تنتهي مهمته، وتصبح الكرة في معترك الرقابة الشعبية، التي يجسدها البرلمان، الذي يفترض فيه أن يلتقط ما جاء في تلك التقارير، وينكب على القيام بدور الرقابة المالية، بدل الاكتفاء بالمهمة التقليدية المتمثلة في التشريع، حيث يمكن للبرلمان، بالاستناد إلى تقارير المجلس، مساءلة الوزراء الذين يهمهم الأمر، ويستطيع أن يمارس اختصاصاته في تكوين لجان تقصي الحقائق، التي تكشف للرأي العام حجم الاختلالات التي تعرفها المقاولات العمومية والقطاع العام، بل إن لجان تقصي الحقائق البرلمانية يمكنها أن تصل إلى بعض الحقائق التي لم يفلح المجلس في كشفها. لكن ماذا عن دور القضاء؟ هل يمكنه تلقف ما جاء في التقرير من اختلالات وتحريك الدعوى العمومية ضد المتورطين في بعض الممارسات التي تساهم في إهدار المال العام؟ الخبير في المحاكم المالية محمد حركات يؤكد أنه من المفروض أن يواكب القضاء تقارير المجلس الأعلى للحسابات، بحيث يرصد كل الاختلالات المالية المسجلة فيها ويتابع المتورطين فيها، مع السرعة في التنفيذ وتوفير شروط المساواة في المتابعة القضائية .