عدد القوانين التي تضبط مجال التعمير وبناء التجزئات السكنية في المغرب ثلاثة عشر (13)، وفق جرد قدّمه آخر تقرير صادر عن وزارة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة في شتنبر 2011. ضمن هذه القوانين الثلاثة عشر دورية خاصة جدا، مكونة من أربع صفحات فقط. والأوراق الأربع هاته هي التي تحدد ما الذي يجب (وما لا يجب) فعله إذا أردت أن تصير «جارا» للملك. لم يخط قلم صحافي حرفا بشأن هذه الدورية السرية من قبل.. لا يمكن أن تعثر لها على أثر في أرشيف الجريدة الرسمية، لأنها ببساطة أحد القوانين الخاصة التي تضبط أمور جيران الملك. تمكنا من الحصول على نسخة من هذه الدورية. هي بالتحديد دورية بين -وزارية (Circulaire interministérielle) تحمل رقم «118/17799، ومؤرخة بفاتح نونبر 2006. تخص هذه الدورية «مشاريع الوحدات والمجموعات السكنية والتجزئات والبنايات التي تنجز بالقرب من القصور والإقامات الملكية». الطابع الحساس لهذه الدورية أملته عدة وقائع عجّلت بخروجها إلى حيّز الوجود. تجلت هذه الوقائع في ضبط عمليات بناء تجزئات تضم عمارات من طوابق عدة قرب قصر مراكش وتطل عليه. تزامنت هذه الواقعة مع تفجر قضية التقاط صور لداخل قصر مراكش وفيها يظهر بعض حريمه.. هكذا استُصدِرت الدورية على عجل وأشرفت على إخراجها الكتابة الخاصة بالملك بنفسها. ما مضمون هذه الدورية؟ إلى من وجهت بالتحديد؟ وما هي الإجراءات التي يجب أن يقوم بها طالب جوار الملك؟ حرمة القصور الدورية مكتوبة باللغة الفرنسية، على غرار الوثائق الإدارية الداخلية الأخرى. ولأنها موجهة لمصالح بعينها وليست معدة للنشر للعموم فإنه إلى جانب عبارة «المملكة المغربية»، كتب اسما الوزارتين المعنيتين بالدورية: وزارة الداخلية والوزارة المكلفة بالسكنى والتعمير. هذه الدورية، كما تشير أسطرها الأولى، مُوجَّهة للولاة ولعمال عمالات المقاطعات والأقاليم، إلى جانب رؤساء المجالس الجماعية والمقاطعات، فضلا على مدراء الوكالات الحضرية في المغرب كله. توضح الدورية، في مستهلها، أنه بناء على المادة الثامنة من المرسوم الوزاري المؤرخ ب12 أكتوبر 1993، والمتعلق بالقانون الخاص بالوحدات والمجموعات السكنية والتجزئات والبنايات التي تنجز بالقرب من القصور والإقامات الملكية، فإن جميع المشاريع السكنية سالفة الذكر يجب عرضها على السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير أو على الوكالة الحضرية المختصة، إن وُجِدت. ما أجملته المادة الثامنة جاءت الدورية التي حصلت عليها «المساء» لتفصيله، ففي الوقت الذي اكتفت المادة الثامنة المذكورة بالإشارة إلى سلطة الحكومة الخاصة بالتعمير، أي وزارة السكنى والتعمير، أو الوكالات الحضرية، على اعتبار أنهما الجهتان المخولتان بالنظر في ملفات بناء مشاريع سكنية قرب القصور والإقامات الملكية، جاءت الدورية لتدخل الكتابة الخاصة للملك كطرف رئيسي أخذ وجهة نظره في هذه المشاريع سكنية يعد: «شكلية ضرورية واجبة على المصالح المركزية الخاصة بالتعمير، فضلا على الوكالات الحضرية أن تمتثل لها، بشكل منهجي، بالنظر إلى التأثيرات والانعكاسات التي يمكن أن تنجم عن هذه المشاريع على المستويات التعميرية والأمنية وبالنظر، أيضا، إلى الحرمة الواجب أن تكون عليها، دائما، القصور والإقامات الملكية». وردت كلمة «حرمة» (Horm) ثلاث مرات في هذه الدورية، التي كتبت بنبرة صريحة وآمرة. وفق هذه النبرة أيضا، استطردت الدورية في تحديد شروط البناء قرب القصور والإقامات الملكية من خلال التأكيد على أن «ملفات طلب الترخيص بغرض التجزيء، إنجاز الوحدات وخلق المجموعات السكنية، فضلا على كل ما يرتبط بطلبات الترخيص بناء هذه المشاريع، يجب، وبشكل لازم، وقبل عرض الملفات على الكتابة الخاصة لجلالة الملك، الحصول على الموافقة المبدئية للجنة الترخيص بالبناء، المحددة وفق دورية رقم (...) الخاصة بتسهيل مساطر وإجراءات الترخيص لطلبات البناء وإنجاز الوحدات وخلق المجموعات السكنية والتجزيء». تلزم الدورية اللجنة التي ستبتّ في طلبات الترخيص بالبناء ب«مراعاة ضوابط الأمن وحرمة القصور والإقامات الملكية»، إلى جانب الحرص على احترام المشاريع المعروضة عليها الضوابط القانونية والتقنية الخاصة بالتعمير. تطلب الدورية أيضا، وبشكل صارم، من الولاة والعمال الحرص على استدعاء كل المصالح الإدارية المشكلة للجنة للنظر في طلبات الترخيص المذكورة آنفا وضمان حضور ممثلي المصالح المذكورة الذين بيدهم القرار ورفض كل ملف لا يحترم القوانين والضوابط الخاصة بالتعمير، والذي لا يحترم لوازم أمن و«حرمة» القصور والإقامات الملكية. اللجنة «وحيدة الهدف» تبدو هذه التعليمات عامة مقارنة مع مقتضيات ستتابع الدورية التأكيد عليها، إذ أشارت إلى أن «الملفات التي تحصل على الموافقة المبدئية من اللجنة المذكورة يجب أن ترفق بمذكرة تستعرض بطريقة مفصلة وكافية وبشكل يعرض لجميع الانعكاسات المفترضة للمشاريع المرخص لها كي تبنى بجوار القصور والإقامات الملكية». يجب أن تراعي هذه المذكرة، بشكل خاص، جوانب حددتها الدورية في «ما إن كانت هذه المشاريع السكنية ستطل مباشرة وبشكل فوقي على القصور والإقامات الملكية، وما إذا كانت كثافة السكن المفترض بناؤه سيتمخض عنها عرقلة واضحة لحركة السير العادي والأمن والولوج إلى القصور والإقامات الملكية». بعد تقديم هذه المذكرة، يجب عرض ملفات بناء مساكن قرب القصور والإقامات الملكية، على لجنة «وحيدة الهدف» (ad hoc)، وهو النظر في ملفات البناء قرب القصور، يرأسها الوالي أو العامل المعني بالأمر، ويحضرها رئيس المجلس الجماعي أو المقاطعة ومدير الوكالة الحضرية. يجب أن يستدعي رئيس اللجنة «وحيدة الهدف» هاته لحضور أشغالها جميعَ المصالح الإدارية والأشخاص الذين يفترض رئيس اللجنة أن حضورهم سيكون مفيدا. ومن أجل اتخاذ اللجنة هاته قرارها، تؤكد الدورية أنه يجب أن تأخذ اللجنة أسبوعا، بدءا بتاريخ إحالة الملف عليها، ويوجه القرار لرئيس المجلس الجماعي أو المقاطعة. ويجب أن يكون قرار هذه اللجنة على شكل محضر مُوقَّع من طرف جميع أعضائها. بعد اتخاذ القرار، ترسل اللجنة «وحيدة الهدف» الملفات المرخص لها، عن طريق رئيس المجلس الجماعي أو المقاطعة، وتحت إشراف العمالة أو الإقليم الذي يقع المشروع في ترابه، إلى السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير، أي وزارة السكنى والتعمير، أو إلى الوكالة الحضرية المعنية بالملف، إن كانت موجودة. إثر هذه المراسلة، يجب عرض الملفات الحاصلة على الموافقة على الكتابة الخاصة للملك، بشكل مباشر من طرف وزارة التعمير والسكنى، في حال عدم وجود وكالة حضرية في المدينة التي ستضم البناء المُفترَض أنه سيجاور القصر. أما في حالة وجود وكالة حضرية فإنها هي التي تعرض الملفات على الكتابة الخاصة للملك، ولكنْ تحت إشراف وزارة التعمير. وفي حالة الدارالبيضاء، فإن الوكالة الحضرية فيها هي التي ترسل الملف تحت إشراف وزارة الداخلية، بحكم أن وكالة البيضاء تابعة ل«أم الوزارات». في جميع الأحوال، وفق ما توضح الدورية، فإن الوالي أو العامل يتوصل بمراسلة من الكتابة الخاصة للملك تؤكد توصلها بملفات المشاريع. تفرض الدورية على رؤساء الجماعات والمقاطعات، أيضا، ألا يمنحوا رخص التجزيء أو بناء الوحدات أو خلق المجموعات السكنية ورخص البناء إلا في حالة ما إذا كانت جميع وثائق الملف، بما فيها التصاميم الهندسية ودفاتر التحملات، تحمل تأشيرة موافقة، وهي عبارة «ne varietur» (أي لا يمكن التغيير أو التعديل)، فضلا على موافقة نهائية من الوكالة الحضرية المعنية، وهي موافقة يتم الإدلاء بها بعد حصول الملفات على الموافقة المبدئية للكتابة الخاصة للملك. أما في حال عدم وجود وكالة حضرية في تراب العمالات والأقاليم التي يتقدم أشخاص بطلبات بناء قرب قصور وإقامات ملكية فيها، فإنه يتم الاكتفاء بحصول الملفات على تأشيرة «.ne varietur» موافقة الكتاب الخاصة للملك، كما توضح الدورية، «إجراء شكلي لا بد منه، يفرضه واجب احترام الحرمة، المبدأ المرتبط بالإقامات الملكية». هذا ما ورد بالحرف في الدورية، التي تم فيها، أيضا، التأكيد، بشكل صارم، على أن أي تعديلات في مشاريع بناء المساكن قرب القصور والإقامات، وهي في طور البناء، يجب أن تمر عبر كل الإجراءات سالفة الذكر. أما المشاريع السكنية قرب القصور والإقامات الملكية التي يُرخِّص بها رؤساء الجماعات والمقاطعات، والتي لا تحصل على موافقة الكتابة الخاصة للملك، فإنه يجري منعها ووقفها من طرف السلطات المحلية المختصة بمراقبة التعمير. «مناطق القرب» لا تنتهي الإجراءات إلا بالانتهاء من رص لبنة بجدار حائط منزل يبنى بجوار القصر. فبعد الموافقة على بناء المشاريع قرب القصور والإقامات الملكية، تبدأ إجراءات أخرى مرتبطة بمراقبة أشغال البناء بشكل دقيق والحرص على مطابقة البناء للتصاميم المدلى بها. لهذا الغرض، خصصت الدورية صفحتها الأخيرة للاستطراد في توجيه تعليمات صارمة للغاية تهم مراقبة أشغال بناء مشاريع سكنية قرب القصور الملكية. وبناء على هذه الدورية، تم إعطاء تعليمات صارمة بترسيم حدود مجالات ترابية تمت تسميتها «مناطق القرب» (zones de proximité) من القصور والإقامات الملكية». في هذا الصدد، تقول الدورية إن «السادة الولاة وعمال العمالات والمقاطعات والأقاليم في المملكة مكلفون بالسهر شخصيا على احترام التعليمات المشار إليها وضمان حسن تطبيقها، ولهذا فهم مكلفون بمباشرة تحديد مناطق القرب من القصور والإقامات الملكية. يجب أن يحصل مشروع الترسيم هذا، كما تؤكد الدورية، والذي يتعين أن يكون متناسبا مع تصاميم التهيئة، على موافقة الكتابة الخاصة بالملك، في أجَل لا يتعدى ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على هذه الدورية، أي فاتح نونبر 2006. مباشرة بعد هذا الترسيم، حسب الدورية دائما، يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة كي تدمج ما اصطلح عليه ب«مناطق القرب»، أي محيط القصور والإقامات الملكية، ضمن وثائق التعمير، أي التصميم المديري وتصاميم التهيئة. كما تحتم التعليمات الصادرة للولاة والعمال، والواردة في الدورية، على هؤلاء «السهر على التطبيق المنهجي لمسطرة استشارة الكتابة الخاصة لجلالة الملك خلال تطوير أو مراجعة وثائق التعمير، المتمثلة في التصميم المديري للتهيئة الحضرية (الذي يحدد معالم المدن بشكل مجمل) وتصاميم التهيئة (التي ترسم معالم كل منطقة من مناطق المدن على حدة) وتصاميم تطوير المناطق القروية (الخاصة بالتخطيط التعميري للعالم القروي)». خُتِمت التعليمات الواردة في الدورية بإعطاء أوامر حول مسألة بالغة الأهمية، ويتعلق الأمر بالرخص الاستثنائية التي قد تُمنَح لمشاريع سكنية ضمن «مناطق القرب» من الإقامات والقصور الملكية. وفي هذا الصدد، تشير الدورية إلى أنه يمنع، بشكل كلي، منح رخص استثنائية غير منسجمة مع تصاميم التهيئة، قصد البناء بجوار القصور الملكية. انتهت الدورية، التي حرصت الكتابة الخاصة للملك على تعميمها في جميع العمالات والأقاليم، في ظرف قياسي لم يتعدَّ أسبوعا بعد إخراجها إلى حيز الوجود، هنا.. توقفت فقط عند الضوابط التي يجب مراعاتها قبل الترخيص، بوضع حجرة بجوار قصر، أو «منطقة قرب». خلف هذه الضوابط العامة، تختفي تفاصيل أخرى تمر بها ملفات «جيران» الملك. ماذا يحدث داخل الكتابة الخاصة للملك عندما تتوصل بملفات أشخاص راغبين في البناء في محيط القصور والإقامات الملكية؟ ما دور مديرية أمن القصور وأجهزة المخابرات والدرك الملكي؟.. تفاصيل أخرى نتعرف عليها في المحور التالي: كيف تُدرس المعلومات الشخصية لجيران الملك؟