أجمع الأمين العام للأمم المتحدة، والأمين العام لجامعة الدول العربية، والمبعوث الدولي العربي إلى سوريا كوفي أنان، وأغلب مندوبي الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، والاتحاد الأوروبي، والبيت الأبيض، أول أمس الخميس، على تحميل النظام السوري مسؤولية المجازر التي ترتكب في البلاد، مطالبين بمحاسبة المسؤولين عنها وتنفيذ خطة أنان. وطالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمحاسبة المسؤولين عن المجازر، التي كانت آخرها مجزرة القبير في ريف حماة، والتي راح ضحيتها 140 شخصاً، منهم نحو 50 طفلاً وامرأة، ومعاقبة كل المتورطين في انتهاك حقوق الإنسان في سوريا. وأكد مون أن المذابح وقعت في قرى ومناطق تحاصرها قوات النظام السوري، مشيراً إلى أن الرئيس بشار الأسد ونظامه فقدا الشرعية، مؤكداً أن مراقبين تابعين للأمم المتحدة كانوا في طريقهم إلى موقع القبير قرب حماة وتعرضوا لإطلاق نار من أسلحة خفيفة. ولم يشر بان كي مون إلى سقوط جرحى بين المراقبين، لكنه وصف المجزرة ب«المروعة والمقززة»، مشيرا إلى أن النظام لم يفِ بالتزاماته بخطة أنان، وطالب الأسد بتطبيق الخطة بشكل سريع، مؤكدا بأنه «يجب أن نكون مستعدين لأي احتمالات في سوريا». وطالب مون السلطات السورية بالسماح لناصر القدوة، نائب الوسيط الدولي كوفي أنان، بدخول سوريا والسماح لفرق الإغاثة بأن تعمل بحرية لإنقاذ الجرحى والمصابين، مشيداً بشجاعة المراقبين الدوليين لكونهم شهود عيان على الفضائح والمذابح التي ترتكب بحق المدنيين السوريين. ونددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون بالمجزرة، مؤكدة أنها جريمة «لا تغتفر»، ومطالبة «بتحقيق كامل» في هذه «الجرائم المروعة». وقالت أشتون في بيان: «أدين بقوة العنف الوحشي، ومقتل عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال في بلدتي القبير ومعرزاف في ريف حماة الأربعاء الماضي». أما الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي فقال إن النظام السوري لا يزال يعتمد على الحل الأمني وأعمال العنف وتنفيذ المجازر بحق المدنيين، وطالب بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم. وكشف العربي عن سعي الجامعة العربية إلى توحيد جهود المعارضة السورية وبلورة أفكارها بشأن الانتقال السلمي للسلطة، مؤكدا على أن المسؤولية السياسية لأعضاء الجمعية العامة الأممية تحتم عليهم الضغط لوقف كافة أعمال العنف وعدم السكوت عنها لضمان استقرار سوريا. وفي الكلمة الافتتاحية، قال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ناصر عبدالعزيز النصر إن عناصر موالية للنظام في دمشق هي المسؤولة عن الجرائم والمذابح التي تستهدف الأبرياء، مؤكداً أن العنف مستمر وأن هناك ضحايا يموتون بشكل يومي. ودعا النصر جميع الدول الأعضاء إلى التعاون مع المبعوث الخاص كوفي أنان للضغط على النظام السوري وأطراف أخرى لوقف إراقة الدماء والتوصل إلى حل سلمي للخروج من هذه الأزمة.وقال إن مصداقية الأممالمتحدة باتت على المحك بسبب الأزمة السورية، داعياً الحاضرين في الجمعية العمومية للأمم المتحدة إلى الوقوف دقيقة صمت حداداً على الضحايا في سوريا. وأدان المبعوث الخاص إلى سوريا كوفي أنان «مذبحة القبير»، معبراً عن اشمئزازه وتنديده بها، ودعا إلى «مستوى جديد» من التدخل الدولي لإنهاء العنف في هذا البلد، وطالب بتنفيذ خطة السلام الدولية في سوريا.وقال إن «الأسد يعتقد أن العائق الرئيسي هو أعمال الميليشات»، مضيفاً أن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة. ودعا أنان الأسرة الدولية إلى الاتحاد والعمل معاً لوقف العنف وقتل المدنيين والأبرياء، بينما لفت إيفان سيمونوفيتش، مساعد الأمين العام لشؤون حقوق الإنسان، إلى وجود تقارير عن عمليات انتهاك جنسية بحق المعتقلين في سوريا. انتقادات أمريكية من جهتها، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن المجزرة الأخيرة التي وقعت في سوريا «غير مقبولة»، في إشارة إلى «مذبحة القبير في ريف حماة»، وأنه على الرئيس السوري بشار الأسد الرحيل. وقالت كلينتون خلال مؤتمر صحافي إن «العنف المدعوم من قبل النظام الذي شهدناه في حماة أمر غير مقبول». وأكدت كلينتون، غداة اجتماع في اسطنبول مع القوى الغربية ودول عربية لتحديد سبل تعزيز الضغط على دمشق وإحداث تغيير سياسي في هذا البلد، أن «على الأسد أن ينقل سلطته ويغادر سوريا». وأقرت بأن الولاياتالمتحدة لم تتمكن حتى الآن من تنظيم تحرك دولي يؤدي إلى رحيل الرئيس السوري. وأضافت «علينا تجديد وحدتنا وتوجيه رسالة واضحة إلى الدول الأخرى التي لم تعمل معنا بعد، لكي نقول لها إن ليس هناك مستقبلا في كل ذلك». وتابعت «إن وضع خطط لانتقال منسق سيشكل خطوة مهمة». كما أكدت أن تسوية الأزمة في سوريا تتطلب وقفا لإطلاق النار ونقلا للسلطة وتشكيل حكومة انتقالية. نفي سوري لمسؤولية النظام عن المذبحة وكان مندوب سوريا في الأممالمتحدةبشار الجعفري قد نفى صحة الصور التي نشرتها وسائل الإعلام قائلاً: «إن ما نشر من صور ليست صوراً لضحايا ما قيل إنها مجزرة في القبير».وقال إن سوريا مستعدة لتقديم أقصى ما تستطيع لإنجاح خطة عنان، مشيراً إلى أن مشكلة سوريا هي مع المعارضة التي تتاجر بدم الشعب السوري. جاء ذلك في جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث الأزمة السورية في نيويورك يوم الخميس الماضي.وذكر مندوب سوريا لدى الأممالمتحدة أن حكومة بلاده ليست لديها أي مشكلة مع المعارضة المطالبة بالإصلاح، وأن الباب لا يزال مفتوحا للحوار، مجددا التأكيد على أنها تمد يد المصالحة لكل القوى المعارضة في الداخل، والتي ترفض التدخل الخارجي. واستنكر الجعفري خلال الجلسة الأممية تقديم حكومات دول إقليمية ودولية -لم يسمها- الدعم للمعارضة المسلحة، مجددا تنصل بلاده من مسؤولية مجزرة الحولة، وقال إن الصور التي نشرتها وسائل إعلام «منها الجزيرة والعربية وبي.بي.سي» لا تخص تلك المجزرة، وأن السلطات السورية ستنشر قريبا الصور الحقيقية لها. دعم روسي- صيني لسوريا في المقابل أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده ستمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز «تدخلا خارجيا» في سوريا. وأضاف خلال زيارة إلى كزاخستان أنه «لن يكون هناك تفويض من الأممالمتحدة لتدخل خارجي في سوريا. أضمن لكم ذلك». وأضاف «هناك أطراف في النزاع، خصوصا في الخارج ذلك المسمى «المجلس الوطني السوري، لا يريدون مفاوضات مع النظام، بل مواصلة المعارك المسلحة إلى أن يمنح مجلس الأمن تفويضا لتدخل أجنبي». وكان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوجدانوف قال إن تنفيذ ما يسمى سيناريو اليمن لحل الصراع في سوريا لن يكون ممكنا إلا إذا وافق عليه السوريون أنفسهم، مؤكداً أن «مصير الأسد ليس في يدنا». وأضاف قائلاً: «إذا ناقش السوريون هذا السيناريو بأنفسهم وتبنوه فإننا لسنا ضده». ونقلت وكالة «أنترفاكس» الروسية للأنباء عن دبلوماسي روسي كبير قوله إن موسكو تقبل انتقال السلطة في سوريا على غرار ما حدث في اليمن، إذا قرر الشعب هذا، وذلك في أحدث التصريحات التي تهدف فيما يبدو إلى أن ينأى الكرملين بنفسه عن الرئيس بشار الأسد. بدورها قالت الصين إنها تعارض بشدة «تدخلا عسكريا خارجيا» في سوريا. وذكرت وكالة الأنباء الرسمية (شينخوا) أن مبعوثها لدى الأممالمتحدة لي باودونغ أبلغ الأمين العام بدعم بلاده لضرورة الحل السلمي للأزمة السورية. الأردن ترحب باللاجئين السوريين من جهته، نفى وزير الخارجية الأردني ناصر جودة أن يكون الأردن منع دخول لاجئين سوريين لأسباب إنسانية إلى الأراضي الأردنية، وأكد جودة أن الحالات التي مُنعت من الدخول إلى الأردن هي حالات مشكوك فيها تم التدقيق بخصوصها أمنياً وليست حالات إنسانية، موضحاً أن مثل هذه الإجراءات الأمنية تتخذ مع جميع الجنسيات القادمة إلى البلاد. وجاءت تصريحات جودة خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع المفوض السامي للاجئين أنطونيو غويتيرس في مقر الوزارة عقب مباحثات أجراها الطرفان لتعزيز التعاون بين الأردن والمفوضية حول أوضاع اللاجئين السوريين في الأردن ومساعدتهم، مستغلا الفرصة لإعلان أن الأردن بصدد إطلاق مركز عمليات إنساني في المفرق لمواجهة التداعيات الإنسانية اللازمة السورية. وأكد جودة أن عدد اللاجئين السوريين بلغ أكثر من 120 ألف سوري دخلوا المملكة منذ اندلاع الأزمة في بلادهم في مارس 2011. وقال جودة إن نحو 106 آلاف منهم دخلوا بطرق رسمية عبر المنافذ الحدودية، ونحو 16 ألفا دخلوا بشكل غير رسمي. من جهته، أكد المفوض السامي للاجئين على ضرورة توفير بعض الدعم اللازم والطعام والملجأ لمن يحتاجه من السوريين، مؤكداً أن الحل الإنساني ليس هو الحل، ولكن يجب أن يكون هناك حل سياسي حتى يتمكن السوريون من العودة إلى بلدهم والعيش بكرامة. وكانت الأردن إلى جانب تركيا من الدول التي استقبلت اللاجئين السوريين في مخيمات مخصصة لذلك، بعد اندلاع الاحتجاجات قبل عام للمطالبة بالديمقراطية في سوريا، ومواجهة النظام لها بالقمع والتقتيل. يذكر أن الآلاف من السوريين سقطوا خلال أكثر من سنة من الاحتجاجات الشعبية في سوريا على يد قوات الجيش والشبيحة السوريين، في ظل عجز المنتظم الدولي عن التدخل من أجل ردع النظام السوري على المجازر التي يرتكبها في حق الشعب، وهو الذي يتمتع بحماية كبيرة من طرف كل من روسيا والصين، الحليفين التقليديين للنظام في دمشق.