تكاد تكون تجربة من التجارب القليلة في الوطن العربي ومن الحالات المفردة في المغرب تلك التي أقدمه عليها رسام الكاريكاتور المغربي «لمهادي» بإصداره لكتاب كاريكاتور بعنوان دال» شهادات حول سنوات الرصاص والحبر والفحم والطباشير»، وهو عنوان بقدر الجدية وبقدر الحمولة الرمزية التي يحيل عليها، فإنه ينتزع أيضا البسمة الساخرة، عندما يربط بين سنوات الرصاص الأليمة والحبر والفحم والطباشير، فالأمر كما هو واضح، لا يتعلق ب»قلم الرصاص» ولكن بسنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات التي جرب فيها المغاربة معنى الانتماء إلى الحرية، و دفعوا ثمنها دفعا من رصيد حياتهم وأعمارهم في السجون والمعتقلات الباردة. في هذا الكتاب التوثيقي، الذي يضم خلاصة منتقاة من رسوم لمهادي، نتعرف على جرأة الكاريكاتوريست المغربي في سنوات الستينيات، وعلى الموضوعات الأثيرة لديه، أو التي شكلت مادة لعمله، ومن بين تلك الرسومات ما يعود إلى سنوات الستينيات. يكتب لمهادي عن تجربته «في أوائل الستينيات بدأت تجربتي عبر صفحات جريدة العلم التي كانت سباقة لاستعمال هذا الفن لمعالجة هموم المواطنين. وبما أن للجريدة مبادئ ومواقف وطنية أساسية لم تتغير، فلقد تطرقت مع الجريدة، تحت اسم ذ.أبو سيف، إلى هموم المواطنين ومشاكل استغلال النفوذ والرشوة، والوحدة الوطنية والتزييف، بطريقة نقدية وترفيهية هادفة». لم تكن تجربة لمهادي لتمر بسلام، فكان أن اعتقل في سنة 1980 عندما كان يعمل رساما للكاريكاتير في على صفحاتها، بسبب مضمون الرسومات التي كان ينشرها في ذلك الوقت في المحرر، وكان السبب المباشر لاعتقاله رسما بعنوان «مغرب سنة 2000»، وكان الرسم تعليقا على « الأسطورة» الرسمية التي حاولت أن تجعل من سنة 2000 وكأنها سنة خلاص المغرب والمغاربة، بحيث ستحل فيها كل المشاكل، وكان أن بلغ المغرب سنة 2000 ولم يتغير أي شيء. دفعت ظروف التشدد لمهادي إلى التوقف، وهو يشرح أحد أسبابها في التالي: «أما دواعي التوقف، فهناك عدة عوامل أهمها الملل، لأن نفس المواضيع التي كنت أتطرق إليها مازالت مخيمة على مجتمعنا ولم يتغير أي شيء، وأي عمل فني وإبداعي لا يتم بمقاييس من حرية التعبير، وإن كانت الأوضاع قد تحسنت عما كانت عليه من قبل في عالم الصحافة المغربية التي يعتبر رسام الكاريكاتور جزءا منها». طبعا، هذه رؤية متفائلة للمهادي، فمازال الطريق طويلا أمام حرية التعبير وحرية الصحافة في المغرب، ولا يمكن للأمور أن تتغير بين عشية وضحاها، وربما يجد فن الكاريكاتور نفسه اليوم أمام محكات أخرى لتجريب الحرية والرصاص والطباشير على وقع آخر. في رسم من تلك الرسومات التي تعود إلى سنوات السبعينيات، يجلس الرجل وزوجته في صالون البيت أمام التلفزة، ينصتون لنشرة الأخبار، حيث يتكلم مقدم النشرة عن حياد الإدارة ونزاهة الانتخابات وحرية التعبير، وحتى لا تختلط الأمور يكتب رسام الكاريكاتور أسفل الصفحة التعليق التالي: إنه كلام موجه إلى سكان القمر والمريخ، أما أهل الأرض فهم عارفين آش كاين. وفي رسم آخر يرسم شخصا مكمما، ومن ياقته تتدلى لوحة كتب عليها: قانون حرية الصحافة، وهو رسم يعود إلى سنة 2003، وفي رسم آخر، يلعب المحكرون والمنتجون الكبار كرة الطائرة. أما في رسم يعود إلى سنة 1963، فيرسم رجلا مغلوبا على أمره تحت مطارق الغلاء وتجميد الأجور تنزل على رأسه. وفي رسم يعود إلى سنة 2000، يعلق لمهادي على البيروقراطية الإدارية بكثير من الجرأة ومن الحرفية العالية، حينما عمد إلى رسم رجل جالس في مكتب واسع لا يتيح للمواطن القزم فرصة التطلع ومخاطبة المسؤول المتعجرف. وعن فساد السياسات التعليمية، وفي رسم يعود إلى سنة 1980، يرسم لمهادي مشهدا لحفلة نهاية الموسم الدراسي، حيث يوزع المسؤولون على التلاميذ جوائز عبارة عن آلات موسيقية وغيرها، لكن نقطة التعليق الساخر تأتي من التعليق الذي يكتبه لمهادي في أسفل الرسم، ويقول التعليق: «أما صناديق السيراج فتؤخذ من الباب لكثرة الحاصلين عليها». وبعيدا، عن كل فذلكة فإن أعمال الستينيات والسبعينيات التي رسمها لمهادي، في سياقات معينة كان يمر منها المغرب، ماتزال راهنية وعميقة الدلالة في مغرب يحتاج إلى جرأة كبيرة للقطع مع إخفاقات الماضي وسلبياته، ويمضي قدما إلى مستقبل يتعزز فيه الأمل.