لا يسع المرء إلا أن يشد على قلبه حزنا على رحيل فنان الكاريكاتور العربي محمود كحيل، برحيل هذا الفنان الكبير عن فن الكاريكاتور وعالم الصحافة المكتوبة، تسقط ريشة أخرى بعد مقتل كاريكاتوريست القضية الفلسطينية وابنها ناجي العلي. قليلة هي الريشات التي ضاهت ريشة كحيل ومن قبله ريشة الفلسطيني ناجي العلي، لما كانتا تمتازان به. ظلت ريشة محمود كحيل تتناول يوميا ولزمن ليس بالقصير جوانب ولب القضايا العربية والإسلامية بخفة ورشاقة بارعة، ظلت إبداعات كحيل كسيل الرصاص تضرب في كبرياء الظالمين، تحيل الأعداء إلى أقزام، تفضح سرائر المسؤولين، الغارقين في الفساد، إبداعات تنسج النكثة الجارحة سريعة خفيفة تجرح ولا تذمي. إذن لقد برعت ريشة كحيل في حبك نكث موجزة استنسخت لها شخصيات كرتونية عن "لاعبي" الساحة السياسية الدولية والعربية، ورسمت لكل واحد صورا حقيقية تحكي سر منطوقهم ومسكوتهم بقوة ووضوح يستغني معها محمود كحيل عن كثير الكلام والتعاليق. نادرا ما أخطأت ريشة هذا الفنان هدفها في رسم حقيقة الواقع العربي والإسلامي في ظل الهيمنة الصهيونية والأمريكية. ولأن هذه الريشة اختارت أن لا تداهن وأن تصدق، في كشف الواقع العربي بسوداويته، فإن صاحبها ضمن بين شخوص رسوماته الكاريكاتورية عنصرا لا يغيب في كل المواقف التي يعبر عنها، إنه عنصر هو رمز "لسوء الطالع" والسوداوية، إنه الغراب. ونادرا ما يغيب هذا الرسم في رسومات كحيل، إلا في مواقف الشجاعة أو كل ما ينبئ ببصيص أمل تحمله بوادر الشعوب. برحيل محمود كحيل تكون الصحافة العربية المكتوبة، وفن الكاريكاتور عموما، قد فقد ريشة من ذهب، وهي خسارة لا تعوض، كما لم تعوض ريشة ناجي العلي من قبل. محمود كحيل، هذا الذي رحل عنا، هو من مواليد مدينة طرابلس، عاصمة شمال لبنان، نعته الزميلة "الشرق الأوسط" ليلة العيد. لقد توفي هذا الفنان في أجواء العيد، وهو الذي لم ينس في كل يوم عيد مر به أن يرسم أطفال فلسطين وهم يعيدون تحت ظروف الاحتلال و قهر النسيان. وحسب "الشرق الأوسط"، المنبر الذي عمل له كحيل منذ أن غادر بيروت إلى لندن إثر اندلاع الحرب، فإن الفنان محمود كحيل كان يمر خلال السنوات الأخيرة من أزمات صحية، إلا أنه كان يحافظ على لياقته وروحه الشابة، وكانت العملية الجراحية التي أجراها مفاجئة حتى لأقرب المقربين. وبهذه المناسبة الأليمة كان رسام الكاريكاتور بيوض كتب شهادة في حق كحيل قال فيها "إن فقدان فنان بهذه المواصفات جعل الكاريكاتور العربي يتيما، فباختفائه يختفي عالم متاكمل برموزه وشخصياته ودلالاته" وقد أهدى بيوض زميله الراحل بنفس المناسبة برسم كاريكاتوري يصور الغراب (رمز كحيل الكاريكاتوري) يبكي صاحبه (أي كحيل) وهو "مكسورالجناحان". ونحن كذلك لا يسعنا إلا نودع كحيل برسم كاريكاتوري يمثل بورتريه للفنان الراحل نقلا عن رسم كاريكاتوري تخيله عن نفسه. ع. الهرتازي