تبقى المقاربة البيداغوجية البحتة لموضوع الدعم التربوي مقاربة أحادية، مهْما كانت العُدة المفاهيمية المُعتمَدة متنوعة، لأن عوائق إدخال عملية الدعم في صلب العمليات التعليمية المؤسساتية للمدرسة العمومية وجعلها إحدى اللحظات الأساسية للانفتاح على الفروق الفردية للمتعلمين في التعلم والتكيف والاستعداد... وأيضا استيعاب التعثرات والعوائق التي تحول دون تمثل المتعلم أهدافَ التعلمات المتعاقَد عليها هي عوائق يتم تدبيرها، حتى الآن، خارج المدرسة، وهي بذلك قامت بتفويت وظائفها الطبيعية لقطاعات خاصة، أغلبها غير مهيكل.. صحيح أن هناك تحولات اجتماعية متسارعة، فرضت تكييف وتحويل عملية الدعم لتصبح عملية مبتورة من سياقها التربوي الأساسي، كجزء من التحولات العميقة التي تعرفها المدرسة العمومية بشكل عام، إلا أن لهذا التحول، المتمحور حول الدعم التربوي صبغة خاصة، نظرا إلى كونه أصبح تخصصا قائم الذات تستثمر فيه مدارس خاصة، لكنْ بمدرسين ينتمون، في الأغلب، إلى التعليم العمومي، لتصبح عملية بيداغوجية لكنْ برهانات تجارية غير خفية، تنآى بها عن كل قيم التربية والتكوين.. لذلك فالأولى مقاربة مسألة الدعم بأدوات تحليلية أخرى تمتح من السوسيولوجيا خاصة، ما دام الطابع الاقتصادي يسم هذه الظاهرة ويطغى على تفاصيلها، في الوقت الذي تبقى عملية الدعم في المدرسة العمومية رهينة «الإرادات الطيبة» لعدد قليل من نساء ورجال التربية والتكوين.. وهي «كوقع الزر على الرمل، لا تترك صدى»، بتعبير الرائع درويش. ولأن المسألة أضحت تتخذ أبعادا اقتصادية واجتماعية لدى العارضين والطالبين على السواء، فإننا ندرك أن النقاش حولها سيقابَل بكثير من الحساسية وقليل من النزاهة والأريحية، خصوصا من طرف فئة غير قليلة من العارضين في سوق المعرفة، منهم بعض المدرسين والإداريين والمفتشين والأساتذة الجامعيين، والذين استطاعوا تبرير العملية وتسويغها لضمائرهم على أنها حق مشروع، مع أن هذا الحكم لا يمكن تنزيهه من شوائب الوهم، بل والهذيان.. يتخذ الموضوع، في الأعم، السيناريو التالي، في البداية يفاوض المُدرّس/ التاجر الجهة المسؤولة على توزيع الأقسام على المدرسين في الإدارة التربوية لمؤسسته ليحصل على الأقسام النهائية، كالسنة السادسة من التعليم الأساسي والسنة التاسعة من التعليم الإعدادي والسنة الأولى أو الثانية من التعليم الثانوي.. وتتم هذه العملية أحيانا بمباركة المفتش التربوي، ثم بعد ذلك تبدأ عملية الإغراء، كتوزيع التمارين الصعبة والاعتذار عن تصحيحها كلها، تارة بذريعة ضيق الوقت أو قلة الحصص المخصصة لتدريس المادة، وتارة بذريعة الاكتظاظ، والتي يمنع من معاينة فردية لأعمال المتعلمين.. إلى غير ذلك من الذرائع. ومن الطبيعي أن تسارع فئة من المتعلمين إلى التقاط المسكوت عنه والاتحاق ب»دكانه»، والذي يجب أن يُدفع فيه بشكل مسبق، مثل بطاقات الدفع المسبق لشركات الاتصالات.. وقد يلجأ، أحيانا، إلى المزاوجة بين النموذجين الشهيرين لشخصية الشرطي السيء في الفصل العمومي وشخصية الشرطي الطيب السمح في الفصل الخاص. وقد يلجأ، أحيانا أخرى، إلى خلق سماسرة له من المتعلمين، مقابل دفع نصف الواجب اليومي أو الشهري، غير أن المرحلة الخطيرة تبدأ بعد التقويم الأول، والذي يكون عادة في شهر نونبر، إذ يعمل المدرّس/ التاجر على تصيُّد أخطاء المتعلمين الذين أبدوا درجة فوق مقبولة في التعلم إبان هذا التقويم، وأحيانا، تكون أخطاء أسلوبية أو حتى شكلية جدا، في مواد علمية يفترض فيها التماسك الاستدلالي والمنطقي بالقصد الأول، ويعمل، في المقابل، على إظهار «زبنائه» بمظهر العباقرة، أو قد تكون اختلافات في الفهم والتحليل ولكن المدرّس/ التاجر اعتبر الاختلاف معه هنا مبررا لإضعاف المتعلم، بالنسبة إلى التخصصات اللغوية أو الأدبية. وقد يحدث أن يقلب بعض المدرسين الآية، فيستقطبون تلامذة من مؤسسات عمومية أخرى إلى مؤسساتهم التي يعملون فيها، لضمان زبونيتهم في دكاكينهم الخاصة، وهذه العملية لا تخلو من «تواطؤ» مقصود وكامل من طرف أولياء التلاميذ. العنصر المهم في العملية كلها هو الابتزاز بالنقطة، وهي -كما نعلم- على درجة مهمة في ما يخص حظوظ المتعلم في ولوج المدارس العليا أو استكمال الدراسة في سلك أعلى، أما ذروة السيناريو فهي عندما يضطر المتعلم إلى اللجوء إلى الدعم عند مدرسين للمادة الواحدة، الأول يدفع له لضمان نقطة المراقبة المستمرة فقط، دون أن يكون مجبرا على الحضور، نظرا إلى اقتناعه بعدم كفاءته، وهذا المقابل المادي يسميه تلاميذ بعض المناطق في المغرب «الزرورة»، والتي يعلم الجميع أن استعمالها الطبيعي يعني المبلغ الرمزي من المال الذي يعطى للطفل حديث الولادة قصد «مباركته»، غير أنه هنا في موضوعنا يستعمل وفق معنى واحد، وهو دفع مبلغ مالي للمدرس باسم الدعم لضمان النقطة، والثاني يُدفع له مبلغ آخر لقناعة المتعلم بفعالية طريقة تعليمه. ورغم كل هذا، لا تخلو المسألة من نتائج سلبية فورية على المتعلم، خصوصا عندما تصل حدة المنافسة بين مدرّسهم في التعليم العمومي ونظيره في ساعات الدعم إلى حد إعلان «الحرب» أمام التلاميذ، وأهم هذه الأعراض الخلط في المعلومات والتردد في الاجابات والتخبط في طرق الاستدلال، وأحياينا، شخصنته، وخصوصا إبان التقويمات الموحدة، لذلك غالبا ما نلاحظ تباينا شاسعا جدا بين نقط المراقبة المستمرة ونقط الامتحانات الموحدة، وهذا مرده، من الناحية التربوية الخالصة، إلى كون الدعم بهذه الخلفيات والدوافع غير التربوية غير مسبوق بتشخيص موضوعي للتعثرات والعوائق المانعة للتعلم لدى كل متعلم، أي غير مسبوق بتقويم نزيه يراعي مبدأ تكافؤ الفرص ولا يشمله تصور إستراتيجي واضح، ينبثق من المدرسة العمومية ذاتها، ولا ينبغي أن يخرج عنها، اللهم إلا بشراكات تروم تعزيز أدوار هذه المدرسة والدفع بجهود تجديد ديناميتها.