عرف نظام تقويم التعلمات بمنظومة التربية والتكوين بالمغرب طفرة كبيرة، ارتقت به من تقويم يعتمد أساسا (إن لم نقل كليّاً) على القياس الكمي فقط، إلى تقويم شمولي كيفي وكمي. فهذا النظام، الذي لم يشكل محور اهتمام مُعمَّق من طرف المسؤولين من جهة، ولم يعرف أي تطوير منذ عشرات السنين من جهة أخرى، خُصَّ بدراسة جِدّية مع مجيء البرنامج الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتكوين. فمع المستجدات التربوية والبيداغوجية، التي انبثقت من تجريب أدوات تفعيل وأجرأة المقاربة بالكفايات وفق الإطار المنهجي الذي تقترحه بيداغوجيا الإدماج، تمت مراجعة النظام التقويمي برمته بشكل دقيق وتكييفه مع متطلبات هذه المقاربة التي راهن عليها الميثاق الوطني للتربية والتكوين. ولتنوير الرأي العام، فيما يلي بعض النقط البارزة التي همت هذا التجديد في بناء تصور حديث لتقويم التعلمات. 1.لماذا تطوير نظام تقويم التعلمات؟ بما أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين يحث على اعتماد المقاربة بالكفايات، فلابد من إعادة النظر والارتقاء بنظام التقويم ببلادنا. إذن، إن ضرورة تحيين هذا النظام تفرض نفسها وذلك: - من أجل إعطاء دلالة لنتائج المتعلمات والمتعلمين عبر الملمح المنتظر للمتعلم(ة) (لأن المعدل الكمي المحصل عليه والذي يمنح أو لا يمنح النجاح للمتعلم(ة) أصبح متجاوزا بحكم ثبوت عدم نجاعته)؛ - من أجل استجابة النظام التقويمي لمتطلبات المقاربة بالكفايات؛ مع مراعاة والانطلاق من النصوص المعمول بها في تنظيم مختلف التقويمات المعتمدة (مثل: المراقبة المستمرة، الامتحانات الموحدة المحلية، الامتحانات الموحدة الإقليمية، الخ). مما يبرهن عن منطق التطوير والارتقاء بالنظام التقويمي وليس نبذه وتعقيده. -من أجل إنصاف المتعلمات والمتعلمين عبر توفير فرص متعددة للنجاح، وعيا بأن الحكم على نتائج المتعلمات والمتعلمين يجب أن يرتكز على مقاربة شمولية وأدوات متنوعة؛ - من أجل التركيز على تصحيح المسار التعلُّمي للمتعلم(ة) وليس الجزاء المفرط والغير الموضوعي المبني على الأرقام (المعدل)...إلخ. من خلال هذه النقط، يبرز أنه من الضروري إرساء هذا النظام التقويمي على أسس ومبادئ واضحة المعالم تمأسسه وتربطه بتوجهات الميثاق الوطني للتربية والتكوين. 2 مبادئ نظام التقويم التربوي من منظور بيداغوجيا الإدماج إن التوجهات الكبرى للميثاق الوطني للتربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتكوين تنص على مبادئ أساسية كركائز لنظام التقويم التربوي وفق بيداغوجيا الإدماج؛ وذلك بناءً على تقويم حصيلة المتعلمات والمتعلمين أثناء مسارهما التعلّمي والتكويني إلى نهاية السنة الدراسية إذ أن: - الحصيلة هي التركيز على نقط القوة ونقط الضعف لدى المتعلم(ة) وليس على نقط الضعف فقط (الجزاء). وبالتالي، فإن التقويم يشهد ويُثمِّن، ولا يعاقب أو ينتقي؛ - الحصيلة هي دعم ثقافة النجاح بتوفير الشروط الملائمة لها طيلة السنة الدراسية، بتفعيل كل أنواع التقويمات الحديثة واستثمار أدواتها ونتائجها (التشخيص والتكوين والإشهاد)؛ - الحصيلة هي مواكبة عمل المتعلمات والمتعلمين الذين يواجهون صعوبات، بمعالجة تعثراتهم بشكل منتظم وفعال ومناسب من جهة، ودعم المتفوقين من جهة أخرى؛ - الحصيلة هي حث المتعلم(ة) على الاستقلالية وتحمل المسؤولية، مع تحقيق التكافؤ والإنصاف؛ - الحصيلة هي نِتاج لمقاربة تقويمية واضحة المعالم. إذن، بما أن للتقويم أهمية بالغة في الوقوف على مدى تحقيق إنماء كفاية المتعلمات والمتعلمين، فإن المقاربة التقويمية وفق بيداغوجيا الإدماج تتمحور حول نموذجين منسجمين: الأول يهتم بتقويم الموارد (معارف، معارف الفعل، معارف الكينونة)، وبالتالي التأكد من مستوى تحكمهم فيها؛ وتُعتمد لهذا الغرض روائز وتمارين بسيطة. أما النوع الثاني، فيهم تقويم كفاية المتعلم(ة) حيث يتم اعتماد وضعية مشكل مركبة تنتمي إلى فئة الوضعيات المرتبطة بنفس الكفاية مشفوعة بتصحيح الاختلالات المرصودة؛ - الحصيلة هي ثمار ممارسة التقويم التكويني على مدى السنة الدراسية لتصحيح مسار المتعلم(ة) كلما دعت الضرورة لذلك، وذلك باعتماد آليات فعالة وملائمة. كما أنه يتم الانطلاق من نتائج التقويم التشخيصي/التوجيهي في بداية السنة الدراسية. - الحصيلة هي تأهيل المتعلم(ة) إلى اجتياز الفروض والامتحانات بدون تعثرات (عدا الحالات الشاذة التي تتطلب تدخلات نوعية وخاصة)، وذلك بالحرص على بناء عُدّة بيداغوجية للمعالجة والدعم انطلاقا من تشخيص دقيق للأخطاء والاختلالات وفهم أسبابها؛ والتي في ضوئها يتم تفييء المتعلمات والمتعلمين. هذه العُدَّة هي عبارة عن أنشطة مؤثثة بوسائل ديدكتيكية بسيطة كفيلة بالارتقاء بالتعلمات وتجاوز التعثرات. يلاحظ من ما سبق أن التقويم المعتمد يجب أن يكون تقويما معياريا. لذا، تم اعتماد المعايير التالية: - الملاءمة (تطابق الإنتاج مع المطلوب وسياق الوضعية التقويمية)، - الاستعمال السليم لأدوات المادة الدراسية (حسن استثمار وتوظيف التعلمات الأساس)، - الانسجام (تناسق الأفكار واستعمالها بكيفية منطقية، تناسق الحجج والاستدلال، ...)، - الإتقان (التقديم الجيد للإنتاج والإبداع وأصالة الإنتاج والأفكار ...). أما من حيث التعامل مع هذه المعايير، فهناك معايير الحد الأدنى (المعايير الثلاثة الأولى) التي يعتبر استيفاؤها بمثابة التحكم في الكفاية باحترام قاعدة بيداغوجية مرنة (سنتطرق لها بتفصيل في فرصة أخرى)، إذ تُساعد على الإقرار بمدى تحكم المتعلم(ة) في الكفاية. بينما معيار الإتقان، فهو يعطي فرصة للمتعلم(ة) للتميز والتباري لتحقيقه (compétitivité). لماذا تم اعتماد هذه المعايير دون أخرى؟ يدفع بنا الجواب على هذا السؤال الهام إلى توضيح أن إكساب المتعلم(ة) سلوكا اجتماعيا يتيح له القدرة على الاندماج في محيطه ومجتمعه. فمن خلال الملاءمة، نهدف إلى تدريب المتعلم(ة) على أن تكون أفعاله وردود فعله مناسِبَة وفي سياق الوضعيات المجتمعية التي يجد نفسه فيها. بينما الاستعمال السليم لأدوات المادة (التعلمات)، فنسعى من ورائها إلى حث المتعلم(ة) على حسن استثمار ما يتعلمه في المدرسة في وضعيات مجتمعية مختلفة. أما تحقيق الانسجام فهو جعل المتعلم(ة) منسجما مع نفسه ومع محيطه عند اتخاذ القرارات أو المشاركة في ذلك بشكل مناسب ومبرر. وأخيرا، على المتعلم(ة) أن يتقن عمله بصفة عامة. إذن، إذا تحققت هذه المعايير، فإنها تساهم في تكريس سلوكات حسنة ومنتظمة لدى مواطن المستقبل. 3. شروط دعم ثقافة النجاح: كيف يتم تنظيم التقويم التربوي؟ إن تنظيم التقويم التربوي مرتبط بتنظيم السنة الدراسية؛ حيث تم تقسيم السنة إلى أربعة مراحل كفاية، تتكون كل مرحلة من فترتين هامتين: تخصص الفترة الأولى لتعلم وإرساء الموارد وتقويمها ومعالجتها (تدوم ستة أسابيع)؛ وتخصص الفترة الثانية لتعلم الإدماج وتقويمه ومعالجته (تدوم أسبوعين). فخلال ستة أسابيع من كل مرحلة (تدوم المرحلة ككل ثمانية أسابيع)، يتم إرساء الموارد وفق الطرق والمقاربات المناسبة من اختيار الأستاذ(ة) على شكل أهداف تعلُّمية وتخضع لتخطيط محكم. تتخلل هذه العملية تقويمات ذات طابع تكويني بالأساس وأخرى ذات طابع إشهادي مع المعالجة والدعم المناسبين. يلي هذه الفترة أسبوعان (وهي ما وصفناه في مقال سابق ب''الوقفة البيداغوجية'')، يتوقف خلالها إرساء الموارد (توقف التعلمات الجديدة)، حيث تخصص لتدريب المتعلم(ة) على توظيف وإدماج الموارد التي تم إرساؤها وفق نهجين: •خصوصيات نهج مرحلة الكفاية 1 و2: - طيلة الأسبوع الأول للإدماج، تتم مصاحبة المتعلم(ة) للارتقاء بتعلماته الأساس كي تصبح موارد قابلة للتعبئة والتوظيف باعتماد وضعيات مشكل مركبة (وضعيات تعلم الإدماج-الوضعيات 1). ولمساعدة الأستاذ(ة) تم إنتاج كراس الوضعيات الإدماجية ودليل الإدماج لكل مستوى دراسي (يوزع بالمجان). لابد من الإشارة هنا إلى أن حل هذه الوضعيات من طرف المتعلم(ة) هو بمثابة تقويم تكويني بحيث يتم تتبع مراحل تدبير الوضعية المركبة وفق مقاربة تقويمية تسمح بإعطاء الفرصة للمتعلم(ة) بممارسة الكفاية والتحقق من مدى امتلاكها بواسطة شبكة بسيطة معدة لهذا الغرض (شبكة التحقق الذاتي). وعموما يتم العمل بدءً بجماعة القسم لتملك الوضعية ومعطياتها (الفهم/التقديم)؛ يليها العمل في مجموعات صغيرة (الإنتاج المركب)؛ ثم العمل الفردي (التحقق وتنقيح الإنتاج المركب)؛ وأخيرا تصحيح المسار التعلمي للمتعلم(ة) (المعالجة والدعم الفوري والمركز). - طيلة الأسبوع الثاني للإدماج، يتم تقويم المتعلم(ة) بواسطة وضعيات مشكل من نفس الفئة (الوضعيات 2)، وذلك باتباع نفس المنهجية إلا أن العمل يتم بشكل فردي أساسا (كل الإرشادات والتوجيهات البيداغوجية متوفرة في دليل الإدماج المعد لذلك). وهنا لابد من الإشارة إلى أن حل هذه الوضعيات 2، من طرف المتعلم(ة)، هو بمثابة تقويم تكويني كذلك، الفرق هو أنه يتم فرديا. •خصوصيات مرحلة الكفاية 3 و4: - خلال الأسبوع الأول للإدماج المتعلق بهاتين المرحلتين، يتم تتبع عمل المتعلم(ة) من طرف الأستاذ(ة) وفق نفس المنهجية فيما يتعلق بالمرحلتين 1 و2. وذلك لدعم الارتقاء بالتعلمات الأساس للمتعلم(ة) وخاصة إمكانيته على تعبئتها وتوظيفها في وضعيات مشكل أكثر تركيب وبدون تعثرات. وذلك باعتماد وضعيات مشكل مركبة (وضعيات تعلم الإدماج-الوضعيات 1). أما التدخلات البيداغوجية للأستاذ(ة) فهي نفسها كما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه. - طيلة الأسبوع الثاني للإدماج، يتم تقويم المتعلم(ة) بواسطة وضعيات مشكل من نفس الفئة (الوضعيات 2)، ولكن هذه المرة، يتم العمل بشكل فردي أساسا وفق إرشادات وتوجيهات بيداغوجية تكون رهن إشارة الأستاذ(ة) في دليل الإدماج. ويدخل تقويم إنتاج المتعلم(ة) في إطار المراقبة المستمرة للكفايات للإشهاد بتملكها أو عدمه مع الوقوف على الخلل الملاحظ ومعالجته. وهكذا، وبهذه المنهجية الواضحة المعالم والأهداف، نتمكن من تقويم شمولي للمتعلم(ة) من جهة، وتحضيره لاجتياز ما تبقى من الاختبارات الأخرى بأقل الضرر والتي تركز: - في اجتياز الامتحان الموحد المحلي (الأسدوس الأول للمستويات الزوجية) الذي يهدف على تقويم الموارد؛ - وفي اجتياز الامتحان الموحد الجهوي أو الإقليمي (الأسدوس الثاني للمستويات الزوجية) الذي يهدف إلى تقويم الكفايات صنف ‘'أ'' بواسطة وضعيات مشكل مركبة من فئة الوضعيات الإدماجية للمرحلة 4 من الكفاية. فلماذا إذن هذا التصنيف؟