في الوقت الذي كان المغرب يعرض تجربته في مجال حقوق الإنسان ويدافع عن ملفه بجنيف من طرف وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، أمام مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، صدر التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان في العالم، قدمت فيه رؤية سلبية للوضع الحقوقي في المغرب، حيث كشفت عن استمرار الخروقات الماسة بحقوق الإنسان في المملكة، ومن ضمنها الاعتقالات التعسفية والاستعمال المفرط للقوة لقمع الاحتجاجات السلمية، واستمرار التعذيب والانتهاكات التي تمارسها قوات الأمن وتردي الأوضاع داخل السجون. وربما كانت الصدفة وحدها هي التي صنعت ذلك التزامن بين عرض المغرب لتجربته في جنيف وصدور تقرير الخارجية الأمريكية، وبين عرض مشروع يخص الضمانات الممنوحة للعسكريين أمام البرلمان، وهو المشروع الأول من نوعه في تاريخ المغرب منذ الاستقلال. وقد أثار هذا المشروع جدلا واسع النطاق، حقوقيا وسياسيا، من المنتظر أن يتنامى أكثر في المدة القادمة مع تقدم النقاش داخل البرلمان. ذلك أن المشروع يبدو وكأنه يسير في الاتجاه المضاد للاتجاه الذي قرر المغرب رسميا السير فيه منذ اعتماد الدستور الجديد في يوليوز الماضي، فهو يظهر وكأنه يخالف القاعدة الدستورية القاضية بتساوي المواطنين أمام القانون، كما أنه يتعارض مع المبدأ الذي جاء به الدستور الجديد وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة. ومن شأن المصادقة على مشروع كهذا أن يضع المغرب في مصاف الدول النازلة في درجات إعمال مبادئ حقوق الإنسان «كما هي متعارف عليها دوليا»، كما من شأنه أن يظل لصيقا بتجربة الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، باعتبار أن أكبر قانون مثير للجدل في المجال الحقوقي صودق عليه في عهد هذه الحكومة. وقد سجلت الحكومة الحالية عدة تراجعات في مجال احترام حق التظاهر والاحتجاج السلمي منذ بدايتها، فعلى الرغم من أن رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ووزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، قد تعهدا باحترام هذا الحق في الأسابيع الأولى لتولي الحكومة مهامها خصوصا وأن تشكيلها فجر لدى الكثيرين نوعا من التفاؤل في البداية إلا أن ما حصل خلال التدبير اليومي لملف الاحتجاج والتظاهر كشف بأن هناك رغبة لدى الحكومة في لجم هذا الحق، سواء تحت ذريعة حفظ المجال العام أو تحت ذريعة احترام القانون، إذ تعرضت العديد من الوقفات الاحتجاجية السلمية للتدخل الأمني العنيف، جرى خلاله استعمال القوة لتفريق المتظاهرين، بشكل معاكس لتعهدات الحكومة. أما الأوضاع في السجون واحتجاجات المعتقلين السلفيين فقد وصلت حدا باتت فيه صورة الحكومة على المحك، خصوصا بعد وفاة معتقل جزائري إثر إضراب مفتوح عن الطعام، حيث دخل المعتقلون في إضراب تصعيدي دون أن تقدم الحكومة على أي مبادرة في اتجاه إيقاف حالة النزيف داخل المعتقلات، بشكل بدا معه وكأن الوضع داخل هذه السجون لا يوجد داخل نطاق العمل الحكومي. والظاهر أن الوضعية العامة لحقوق الإنسان في المغرب، خلال ولاية الحكومة الحالية، ستكون محل اختبار قوي. فالمؤكد أن الحكومة الحالية وتحديدا الحزب القائد لها ستدفع ثمنا مكلفا من جراء طريقة التدبير لهذا الملف، بما في ذلك «التدبير «الخارج عن «نطاق» سلطتها. فقد بدأت العديد من التحركات التي تدين الأداء الحقوقي لهذه الحكومة، وتحصي التراجعات التي حصلت أو تحذر من التراجعات المحتملة، سواء في الجانب السياسي أو الاجتماعي أو حتى الفني، كما يرجح أن يتم تشكيل جبهة واسعة للدفاع عن الحقوق والحريات، تجمع مختلف الهيئات السياسية والحقوقية. ويمكن القول بأن الحكومة الحالية باتت «معزولة» حقوقيا، فقد لوحظ أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو هيئة رسمية، وضع أمامها قائمة واسعة من «المطالب»، التي ستصبح أساسا للحكم على أدائها في المجال الحقوقي، وذلك خلال تقريره الذي قدمه في الأسبوع الماضي بجنيف، برسم هذه الدورة الثانية للاستعراض الدوري الشامل للمغرب، حيث دعا إلى الاعتماد الرسمي لخطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وتنفيذها وتنفيذ مقتضيات الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان، والتعجيل بالقيام بمراجعة شاملة للقوانين المنظمة لقطاع الاتصال والإعلام (خاصة الصحافة المكتوبة) وللمقتضيات الجنائية في مجال حرية التعبير، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية من قانون الصحافة، والمصادقة على نظام روما الأساسي المحدث للمحكمة الجنائية الدولية والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وكذلك التسريع بإتمام الإجراءات المتعلقة بتفعيل انضمام المغرب إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وإطلاق مسلسل تشاوري إدماجي مع الأطراف المعنية من أجل إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، وكذا الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والانضمام إلى البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإصدار قانون خاص باللاجئين، مطابق لاتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، مع تيسير مسطرة منحهم وضع لاجئ فضلا عن ملاءمة التشريع المغربي مع المقتضيات الدولية من أجل مكافحة الاتجار في البشر.