غدت صورة مستشفى محمد الخامس في ذهن السكان، أو حتى المضطرين إلى القدوم إليه من مختلف مدن وقرى الجهة، صورة سوداوية ومخيفة. فبين تدني الخدمات وتفشي الرشوة وسوء التنظيم والقذارة، أضحى هذا المستشفى همّاً ثقيلا جاثما على صدور المواطنين وبقعة سوداء ما فتئ قطرها يتسع ليسيء إلى صورة مدينة بأكملها.. جولة في «بيت الرعب» ليس هناك أسهل من الدخول إلى مستشفى محمد الخامس، بل ليس هناك ما هو أسهل من الدخول إلى غرفة المستعجلات أو الولادة نفسها، فلا أحد سيُحمّلك عناء السؤال عن غرضك، حتى ولو كنت سليما معافى وقادما خارج أوقات الزيارة.. عندما «يقتحم» المرء هذا المكان، الذي يسمى «مستشفى»، سيحس بالتغيير في التو، فلا علاقة لما ستقع عليه عيناه مع العالم الخارجي، والحديث هنا ليس عن صرخات المصابين ودمائهم أو آهات المرضى والحوامل.. فكل ذلك قد يبدو «عاديا» في مستشفى عمومي، لكنْ داخل هذا المكان ستتفاعل حواس الزائر مع غرابة المكان من حوله، وسيشتم رائحة لن يستطيع معرفة ماهيتها أو مصدرها، لكنها بالتأكيد رائحة كريهة.. كريهة جدا، رائحة قد تكون عبارة عن تفاعل «مقرف» بين الدم والدرن والقيح وطلق المخاض.. وكل هذه الأشياء المقرفة سيراها الزائر رأي العين، بعد برهة من ولوجه المكان. في مدخل المستشفى «ستشنف» آذانَ المرء مقطوعات متنوعة من «ألحان الكآبة»، بدءا بآلام المصابين بالكسور وطعنات الأسلحة البيضاء، مرورا باستغاثات المرضى وأولئك الممسكين ببطونهم أو ظهورهم أو رؤوسهم، محاولين السيطرة على ألم قد يستمر في افتراسهم لوقت أطول، ووصولا إلى آهات حوامل فاجأهن المخاض وأجبِرن على انتظار دورهن واقفات أو ممددات على الأرض.. وسيقف الزائر مذهولا أمام هذا الكم الهائل من المآسي من حوله، وهو عاجز وغير قادر على مساعدة عجوز شاحب ممدد على الأرض، متكئ على الجدار ينتظر دوره في العلاج. «الحق في هذا المستشفى لا يُؤخذ إلا بالقوة».. هكذا يصرخ أحد الغاضبين في وجه إحدى الممرضات.. تتعامل الأخيرة مع الأمر بلا مبالاة كبيرة، لأنها، على ما يبدو، معتادة على ردود الفعل هاته، لكنْ يبدو أن ما قاله الرجل صار قناعة لدى أغلب مرتادي المستشفى، وساهم العاملون في ترسيخه، وأينما ولى الزائر وجهه سيشاهد عراكا أو سبابا بين مواطن وموظف في المستشفى، وإلا فإن أحد الطرفين سيعرض على الآخر «شيئا» أو إن هذا الأخير سيطلب هذا «الشيء» مباشرة.. «كابوس» المستعجلات يزداد الوضع سوءا في قسم المستعجلات، فهذا المكان، الذي يفترض أن يكون أحد أكثر الأماكن حساسية في المستشفى، صار دخوله مفتوحا للجميع، للمرضى كما للأصحاء، ليعيش جوا من الفوضى لا يستطيع أحد تنظيمها، إلى جانب افتقاره إلى أدنى شروط النظافة. يُسرّ أحد أطباء القسم ل«المساء» أن قسم المستعجلات يستحيل أن يؤدي الدور المنوط به ما دام يشتغل بالوتيرة الحالية، فقاعة الانتظار في القسم، حسب المصدر نفسه، تمتلئ بنسبة مائة في المائة أربع مرات يوميا، وهو الكلام الذي تعززه أرقام رسمية تشير إلى استقبال هذا القسم 139 ألف حالة في سنة 2011، وهو ما يشكل رقما مضاعفا من 6 إلى 10 مرات مقارنة بما تستقبله مستشفيات أخرى في المغرب توجد في مدن ذات كثافة سكانية مماثلة. ويبدو قسم المستعجلات في مستشفى طنجة مشكلة عويصة في حد ذاته، فمنذ سنوات ودعوات العاملين في القسم ترتفع لإعادة تنظيمه لكي يكون قسما مستقلا عن المستشفى، بالنظر إلى أن شروط الولوج والتنظيم والتموقع المفروضة في أقسام المستعجلات لا تتوفر هنا إطلاقا في الوقت الراهن. يشكو أطباء هذا القسم أنفسُهم من غياب أدنى شروط الممارسة المهنية، إذ سبق لهم أن راسلوا وزارة الصحة حول استيائهم من «الحالة المزرية والفوضى العارمة التي يتخبط فيها القطاع الصحي في طنجة»، حسب نص الرسالة التي أشارت إلى أن قسم المستعجلات وحده يستقبل، في المتوسط، 300 حالة يوميا، دون احتساب مرافقي المرضى. وتطرقت الرسالة لجملة المشاكل التي يعانيها القسم، وعلى رأسها مشاكل الولوج المتعسر والاكتظاظ الشديد ونقص التأمين البدني والمعنوي للمرضى والعاملين، إلى جانب «اهتراء البناية وعدم استجابتها لأدنى المعايير الواجب توفرها في قسم المستعجلات»، إضافة إلى «النقص الفادح» في الموارد البشرية والمعدات والأعطاب المتواترة في الأجهزة الحيوية، خاصة جهاز «السكانير»، وكذا انعدام فضاء للانتظار أو الاستقبال، حسب الرسالة. وكانت وزارة الصحة قد وضعت مخططات لإعادة الهيكلة الشاملة لهذا القسم، والتي خرجت إلى الوجود في 20 يناير من سنة 2010، لكن كل ذلك بقي حبرا على ورق، رغم رصد ميزانية 300 مليون سنتيم لهذا المشروع، وهي أموال ما زالت رهينة لدى مصالح ولاية الجهة. وكانت رسالة موظفي القسم إلى الوزارة الوصية قد استنكرت ما اسمته «أسلوب التسويف في إصلاح المستعجلات من طرف مسؤولي القطاع إقليميا وجهويا ومركزيا»، مذكرة ب«إجهاض مشاريع التأهيل سنوات 1999 و2005 و2009». ضغط يولد الانفجار يعد مستشفى محمد الخامس مستشفا إقليميا، وهو الأكبر في الجهة، لكنه لم يعد قادرا على تحمل الضغط المتزايد عليه، حسب ما يؤكده الأطباء أنفسهم، فهذا المستشفى، الذي لا يتجاوز إجمالي أسرّته 250 سريرا وعدد أطبائه، في مختلف التخصصات، 55 طبيبا، من ضمنهم 29 جراحا، بات يستقبل الحالات القادمة، ليس فقط من طنجة والقرى المحيطة بها، بل من مدن بعيدة نسبيا، مثل القصر الكبير وشفشاون، وهي حالات تأتي، أحيانا، دون خضوعها حتى للإسعافات الأولية، رغم وجود مشافٍ في المدن التي أتوا منها أو في أخرى أقرب إليها من مستشفى محمد الخامس. ويضم هذا المستشفى عشرات التخصصات، على رأسها الولادة وطب الأطفال وتصفية الكلي والجراحة العامة وجراحات العظام والدماغ والشرايين، وهو ما يجعل منه مشفى ذا طابع جراحي أكثر منه علاجي، وهو الجانب المفروض توفره في مستشفيات المدينة الأخرى، التي تتوزع عليها تخصصات طب العيون والأنف والحنجرة والغدة الدرقية والجهاز التنفسي والأمراض العقلية، لكن مصادر طبية من المستشفى تقول إن أغلب تلك المستشفيات تحيل حالاتها، في نهاية المطاف، على مستشفى محمد الخامس، متسببة له في ضغط إضافي. إلى جانب ذلك، يشتكي أطباء المستشفى من الزيادة المُطّردة في عدد الحالات القادمة من مناطق داخل طنجة، رغم توفرها على مستشفيات يفترض أن تساهم في تخفيف الضغط، وعلى رأسها مستشفى محمد السادس، الذي افتُتِح قبل بضع سنوات، والمتوفر على قسم للولادة وللمستعجلات، إلى جانب 90 سريرا، وهو رقم يراه المندوب الإقليمي للصحة، حسن قناب، غير كافٍ لتخفيف العبء على المستشفى الإقليمي، بالنظر إلى وجوده في مقاطعة بني مكادة، ذات الكثافة السكانية العالية. لكنّ مصادر طبية قالت إن هناك «تقصيرا» من لدن باقي المستشفيات التي ترفض استقبال حالات من اختصاصها أو إن المرضى لا يجدون أطباء مداومين خارج أوقات معينة، رغم أن المفروض في تلك المستشفيات أن تشتغل بدوام متواصل، وهو الأمر الذي كان محل شكاوى العشرات من المواطنين. أمن مفقود إذا كان عنصر الأمن أهم شيء يجب توفره في المستشفيات، فإن هذا العنصر أبعدُ ما يكون عن مستشفى محمد الخامس، فلا شيء سيمنع أيا كان من ولوج هذا المكان، سواء كان مجرما أو مدمنا أو حتى مجنونا.. الجميع يستطيعون دخول المستشفى والوصول إلى غرفة الولادة أو غرفة الزيارات أو المستعجلات، دون أن يسألهم أحد عن سبب «الزيارة».. علّق أحد الأطباء على الوضع الأمني قائلا: «نحن أنفسنا لا نحس بالأمان، فبالأحرى المرضى، ففي ظل غياب حراس الأمن داخل المستشفى، نكون نحن مجبرين على أداء هذه المهمة»، ثم يستعرض الطبيب العامل في قسم المستعجلات مجموعة من السكاكين متفاوتة الحجم تم ضبطها بحوزة أشخاص، الله وحده أعلم بنواياهم.. في إحدى اللحظات، دخل شخص وبدأ يتوسل إلى طبيب ويرجوه أن يصف له دواء ما.. أكد له الطبيب أنه يُمنَع عليه وصف دواء له أو إعطاؤه عينة منه، بل يحظر عليه هو نفسه الاحتفاظ به، غير أن الشخص، مكفهر الوجه وحادَّ القسمات، «لم يستسلم» وتحول طلبه إلى رجاء ودموع.. وبعد رحيله، علق الطبيب قائلا: «هذا الشخص مدمن، والدواء الذي يطلبه خطير جدا ولا يباع لدى الصيدليات، بل يعطى للمرضى مباشرة في مستشفى الأمراض العقلية أو في مركز معالجة الإدمان فقط»، وأضاف: «هل لاحظت كيف وصل إلينا بسهولة؟! كان بالإمكان أن يحمل معه سكينا ويصيبنا بمكروه دون أن يمنعه أحد».. وقال الطبيب إن المستشفى متعاقد مع شركة أمن، لكن دورها محدود جدا ولا يشمل التأكد من هوية الداخلين إلى المؤسسة الصحية أو العمل داخل ردهاتها، وإنما يكتفي الأمنيون بالوقوف في البوابة. وسبق للمستشفى أن عاش حالات ذعر كثيرة، انطلاقا من محاولات اختطاف رضع، ومرورا بضبط مدمنين ومروجي مخدرات ومسلحين، وصولا إلى الشجارات العنيفة، بل ومحالات الانتحار، التي كانت آخرُها في السنة الماضية، عندما ألقى مواطن إفريقي بنفسه من الطابق الثالث للمستشفى ومات فورا.. وقبل أيام، تشاجر عنصر من القوات المساعدة مع أحد المواطنين في باحة المستشفى فما كان منه إلا أن ضربه بمربط حزامه على وجهه وتركه ينزف مغمى عليه.. ويؤكد مصدر من المستشفى أن الإدارة اكتشفت، في الشهر الماضي، حالات أشخاص غرباء أصحّاء حوّلوا قسم جراحة العظام إلى «مسكن» لهم، بل صاروا يشتغلون وسط المستشفى كباعة متجولين!... من جهته، قال مندوب وزارة الصحة في طنجة، إن غياب الأمن عن المستشفى راجع إلى العدد الكبير من الوافدين عليه والذين يصعب حصرهم، حسب تعبيره، وتابع المندوب، الذي رفض التعليق حول مدى احترام شركة الأمن الخاص دفتر التحملات الذي يربطها بالمستشفى، قائلا إن للمواطنين دورا في تردي المستوى الأمني، حيث إن الكثيرين لا يحترمون مواعيد الزيارة ولا القانون الداخلي للمستشفى. إهمال وعشوائية عادت شكاوى «الإهمال» الطبي في مستشفى محمد الخامس، لتطفو على السطح في الشهرين الأخيرين، بعد حالتي الطفلة بشرى، التي حاولت الانتحار فتعرضت لكسور ورضوض في الفك والرأس والظهر، الشيء الذي أوجب إجراء عمليتين جراحيتين عجزت المستشفى عن إجرائهما لتترك الضحية تواجه مصيرها فوق سرير لا يتوفر حتى على غطاء.. وهي الحالة التي انتشرت صورها بسرعة عبر الأنترنت، لتدفع سكان المدينة إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام المستشفى تنديدا ب«افتقار مرضاه إلى أبسط شروط الكرامة». أما الحالة الثانية فكانت لشابة في العشرينات من عمرها، كادت تفقد ذراعها وساقها بسبب ما قالت إنه تعفن ناتج عن عدم مراقبة الطبيب المعالج موضع عمليتين جراحيتين أجراهما لها، ما اضطر أسرتها إلى نقلها إلى مصحة خاصة، وهي الحالة التي قال مندوب وزارة الصحة إنها ما تزال موضع بحث، رافضا الجزم في ما إذا كانت تندرج تحت مسمى «الإهمال الطبي». وفي السنة الماضية، اهتز الرأي العام في طنجة لمحاولة شاب الانتحار بإلقاء نفسه من إحدى نوافذ المستشفى، احتجاجا على عدم وجود طبيب لمعالجة والده، الذي يصارع الموت بسبب ضيق حاد في التنفس.. ويبدو أن مسألة تدني الخدمات في مستشفى محمد الخامس باتت أمرا «عاديا» جدا، فلا يكاد يمر يوم دون تسجيل شكاية بهذا الصدد، وهو الأمر الذي تعترف به مصادر طبية من داخل المستشفى وترجعه إلى الضغط الكبير عليه وإلى «عدم تعاون المستشفيات الأخرى داخل وخارج طنجة». وإلى جانب ذلك، تُطرَح مشكلة النظافة بقوة، فأثناء تجول الزائر بين جنبات المستشفى، وخاصة في غرف المرضى، سيصطدم برائحة كريهة تزكم الأنوف، ناهيك عن بقع الدم والمواد العضوية المنتشرة في أغلب الأقسام.. وهي مشكلة يعترف بها مندوب الصحة، دون الإقرار بتحمل مسؤولتها، التي قال إن شركة النظافة التي تعاقدت معها إدارة المستشفى هي التي تتحملها، مضيفا أن غياب الوعي عن أغلب مرتادي المستشفى يتسبب، بدوره، في تدهور مستوى النظافة. ولا تتوقف مشاكل المستشفى عند هذا الحد، بل إن بناياته في حد ذاتها أضحت متقادمة جدا وصارت في وضع مُزرٍ للغاية، وتكفي زخات مطرية قليلة لفضح عيوب هذا البناء، الذي أنشئ في ثمانينيات القرن الماضي، حيث إن المياه تتسرب إلى أقسام المستشفى وإلى غرف الأطباء والموظفين. وذكرت مصادر عليمة ل«المساء» أن مياه الأمطار صارت تتسرب إلى أساسات المستشفى، ما يهدد بإغراق المستشفى أو تآكل هياكله وانهياره، وهي المشكلة التي اكتُشِفت قبل سنتين وما تزال إدارة المستشفى عاجزة عن معالجتها. أين الحلول؟ كشفت استقالة مدير مستشفى محمد الخامس، نور الدين اعْشيبات، في الشهر الماضي، الواقع المتأزم للمستشفى. ورغم أن ممثلي وزارة الصحة رفضوا الإفصاح عن مسبباتها، معتبرين أن اعشيبات، الذي لم يرُدَّ على اتصالات «المساء»، «كان في عطلة لا أقل ولا أكثر»، فإن مصادر مسؤولة أكدت أنه برر استقالته ب«تدهور الأوضاع الصحية والتنظيمية في المستشفى». وأكدت نفس المصادر أن رئيس قسم المستعجلات، فؤاد قابيل، رفض تقلد منصب المدير، بحكم أن «وضع المستشفى المزري لن يتغير بتغيير رؤسائه وإنما بإعادة هيكلة شاملة وبناء مستشفى جديد». وليست فكرة إعادة هيكلة المستشفى وبناء آخر جديد وليدة اليوم، بل إن المندوب الإقليمي لوزارة الصحة أقر بضرورة ذلك، معلقا: «الحالة المزرية للمستشفى لا غبار عليها، وإعادة هيكلته وترميمه ضرورة قصوى، كما لم يعد مقبولا ألا تتوفر طنجة على مستشفى جامعي». غير أن هذه الأفكار تبقى حبيسة التصاميم أو الوعود الشفوية، وهو ما سبق لأطباء المستشفى أن نبّهوا إليه في رسالتهم إلى وزيرة الصحة السابقة، ياسمينة بادو، قائلين إن مشروع المستشفى الجهوي الجديد «تم إقباره»، محذرين من «عمل بعض الأطراف على نقله إلى مدينة تطوان». وحسب المعطيات الرسمية، فإنه من المفروض أن تحتضن طنجة مستشفى جهويا متعدد التخصصات سيتحول، في ما بعد، إلى مستشفى جامعي بالموازاة مع إنشاء كلية الطب، على أن تتم إعادة ترميم وهيكلة مستشفى محمد الخامس وتحويل باقي المستشفيات إلى أقطاب خاصة بحالات محددة، فيما سيتحول مستشفى «القرطبي» إلى قطب خاص بالولادة.. وهي كلها أفكار وعد مندوب وزارة الصحة، حسن قناب، بالشروع في تنفيذها هذه السنة. غير أن مصادر من مستشفى طنجة قالت إن هذه الوعود ما فتئت تردد منذ ما لا يقل على 11 سنة، وعلق أحد الأطباء: «لن نصدق وعود إنشاء المستشفى الجديد إلا إذا كان هناك أمر ملكي.. أما وعود وزارة الصحة فمجرد فقاعات في الهواء».
في غياب الرقابة.. أطباء «يتسللون» نحو المصحات الخاصة صار انتقال أطباء مستشفى محمد الخامس إلى المصحات الخاصة أمرا «معتادا» في ظل عدم احترام القوانين المنظمة للخدمات العمومية التي تمنع أي موظف في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة من العمل في القطاع الخاص. ويوجه المواطنون شكايات يومية بهذا الصدد إلى إدارة المستشفى وإلى الجهات الرسمية حول غياب الأطباء عن عملهم في وقت المداومة، إذ يفضل هؤلاء الاستجابة لنداءات مرضى المصحات الخاصة، التي تضمن لهم دخلا إضافيا قد يصل إلى ثلاثة أضعاف دخلهم الشهري في المستشفى العمومي، وهو رقم يتضاعف لدى الجراحين والاختصاصيين، حسب معطيات مصادر طبية. ولا يتوقف الأمر عند تحول أطباء مستشفى محمد الخامس إلى «شبه موظفين أشباح»، بل إن تصريحات مواطنين تؤكد أن بعضهم يتحولون إلى وسطاء للمصحات الخاصة، حيث يقومون بإحالة المرضى عليها، بحجة عدم توفر الإمكانيات التقنية أو البشرية في المستشفى العمومي.. ورغم أن المادة ال27 من قانون الخدمات العمومية تمنع منعا صريحا موظفي المستشفيات العمومية من العمل في المصحات الخاصة، فإنه لا أحد سمع بلجنة تفتيش خرجت من مصالح وزارة الصحة لضبط مثل هذه الخروقات. وعقّب أحد الاطباء على ذلك قائلا إن «وزارة الصحة تعرف جيدا أن معظم أطباء القطاع العام يشتغلون في القطاع الخاص، وأحيانا، في أوقات مداومتهم»، مؤكدا أن كل أطباء وممرضي بعض المصحات الخاصة في طنجة يشتغلون في مستشفى محمد الخامس. وما تزال الوزارة الوصية عاجزة عن التعامل مع مثل هذه المعضلة، في حين أن فرنسا، مثلا، قننت الأمر، حيث سمحت لأطباء القطاع العام بالاشتغال في المصحات الخاصة شريطة التزامهم بقضاء 6 ساعات من الفترة الصباحية في المستشفى العمومي، مع تقليص رواتبهم ب1000 أورو شهريا. اعترف المندوب الإقليمي لوزارة الصحة بوجود هذه المشكلة في مستشفيات طنجة، قائلا إنها أضحت حالة عامة على الصعيد الوطني، مُحمّلاً مسؤولتها للمصحات الخاصة وللمواطنين «الذين عليهم تقديم شكايات مرفقة بحجج دامغة في حالة ضبط إحدى الحالات»، قائلا إن لجن تفتيش مندوبيات الصحة تقوم بدورها، لكنها «لا تستطيع إرفاق كل طبيب بشرطي، لمنعه من العمل في مصحة خاصة»!..