تم مؤخرا، في كلية الآداب في الرباط، تأسيس «تنظيم» يحمل اسم «جمعية ذاكرة الأندلسيين المهجرين». ويتحدد هدف هذه الجمعية الجديدة، حسب المؤسسين، في لململة شمل الموريسكين واستحضار ما تعرض له حاملو هذه الحضارة من اضطهاد وتهجير بعد سقوط غرناطة سنة 1492». وأرجع المتدخلون خلال الجمع التأسيسي الفضل في تأسيس الجمعية إلى المفكر المغربي حسن أوريد، صاحب رواية «الموريسكي»، التي قلب فيها المواجع من جديد وأثار ضجة ثقافية وسياسية بروايته، المنبنية على أحداث واقعية تُمثّل عمق المأساة الإنسانية والمحن التاريخية والاضطهاد المسيحي للمسلمين في الجزيرة الإيبرية». ويستغرب المغاربة من أصول إسبانية كيف تكون 8 قرون، أي 800 سنة من حياة شعب ما، مجردَ حادثة عابرة. فلا يستسيغ الأندلسيون كيف قدم ملك إسبانيا الاعتذار عام 1400 ميلادية ثلاث مرات لليهود على ما قام به الإسبان في حق اليهود ومعتنقي الديانة اليهودية في إسبانيا، في حين تم اقتراف جرائم لا تقل فظاعة ضد المسلمين من قِبَل الجهة الإسبانية نفسها ولم يتمَّ لا الاعتراف بذلك ولا الاعتذار. فقد أدى تراجع قوة المسلمين قبل قرون بمسلمي الأندلس إلى تأدية ضريبة الهوان مضاعفة، إذ وصل بهم الإذلال على يد غير المسلمين إلى حد امتهان كرامتهم الإنسانية، من خلال بقر بطون المسلمات الحوامل وقطع ختان المسلمين وغير ذلك، كما تشير الكتب، التي أرّخت لهذه المآسي في تاريخ الإنسانية. وتعكس بعض أشعار الشعراء الموريسكيين في المنفى أو في المواطن التي تم تهجيرهم إليها قسرا مسحة الألم الناتج عن التيه بين الضفتين. وكتب الشاعر الأندلسي محمد ربضان، الذي وجد نفسه في تونس بعد ترحيلة من مسقط رأسه سرقسطة عام 1610، قصيدة طويلة في هذا الموضوع، يتوسل فيها إلى الله. ويروم الأندلسيون، إلى جانب تصحيح التاريخ وإنصاف الوجود الإسلامي فيه، إعادة الاعتبار إليهم «في الوسط الإسباني ذاته، باعتبارهم شريحة إسبانية مطرودة دون وجه حق». وفي حديثه عن التجربة المورسكية القاسية، أشار حسن أوريد، الذي «حفر» في هذه التجربة من خلال نص روائي سافر فيه عبر ذاك الزمن بالاعتماد على شهادات ووثائق ثاريخية، قال إن مأساة الموريسكين هي مأساة مجتمع بأكمله، مضيفا أن «هؤلاء كانوا بمثابة القربان الذي قُدِّم في لحظة انهيار التعايش الاسلامي في شبه الجزيرة الايبيرية بعد سقوط الأندلس، ذاك الفردوس المفقود». وذهب أوريد إلى القول إن ما عا شه المورسكيون هو مأساة إنسانية وجزء من تاريخ الاسلام وتاريخ المغرب والاسبانية، ومن ثم فإنه دعا إلى الاعتراف بالحضارة الإسلامية كمكون أساسي في الثقافة الإسبانية، إذ إنها لم تكن «مجرد حدث عابر». وبالنسبة إلى الغاية من وراء تأسيس «جمعية ذاكرة الأندلسيين المهجرين» تحدث عبد الكريم بناني، مدير البلاط، عن أن «الأمر يتعلق بإعادة الاعتبار إلى البعد الحضاري الأندلسي في المنطقة وكسر الحواجز النفسية عند الأصدقاء الإسبان»، مضيفا أن الجمعية تسعى إلى ربط خيوط التواصل مع كل الأندلسيين المهجرين، المستقرين في المغرب وخارجه، مع خلق حوار مع الأطراف الإسبانية التي يهمها الموضوع من أجل خلق أرضية للتعاون، مؤكدا أن ما أصاب الأندلسيين من قمع كان بسبب اعتناقهم الإسلام. ومن جهته، ذهب محمد الخامس بركاش، العضو المؤسس للجمعية، إلى القول إنه يجب إحياء ذكرى المهجريين من الأندلس لأنهم رفضوا التخلي عن دينهم الاسلامي، ومن تم تعرضوا للاضطهاد والتهجير.أما علي الريسوني، المؤرخ المهتم بتاريخ الاندلس، فقد دعا إلى ضرورة توحيد الجهود، بهدف خلق الانسجام والتعارف، على غرار ما تعرفه قوميات أخرى، كما هو الحال مع الغجر والهنود الحمر، مؤكدا أنهم طالبوا، مرارا، بضرورة تأسيس «المعهد الملكي للثقافة الأندلسية»، لكن وكما قال، فإن هذا الطلب قوبل بالرفض، خوفا من «إغضاب» الاسبان.. وعلى ذلك، يرى الريسوني أن الجمعية ستعمل على تمتين العلاقات، بعيدا عن الحساسيات السياسية. ويذكر أن حسن أوريد كان قد كتب رواية «الموريسكي»، التي كشف فيها اللثام عن مأساة المورسكيين وعمّا عانوه من جراحات جعلت غالبية الناس يدركون حجم المآسي التي عاشوها. وكان أوريد قد كتب النص باللغة الفرنسية، قبل أن تصدر ترجمته باللغة العربية، وقد صاغ الأحداث اعتمادا على التاريخ في قالب أدبي. ويقول حسن أوريد إنه كان يجهل الكثير عن تاريخ الموريسكيين ولم يكن ينوي أن يكتب عن الموريسكيين إلى أن قرأ كتاب «ناصر الدين على القوم الكافرين»، الذي كتبه أحمد بن القاسم شهاب الدين. وتجسد زخم المعلومات التاريخية التي اطّلع عليها الكاتب والاتصالات المباشرة التي أجراها مع عائلات موريسكية في الرباط في شكل رواية تراجيدية تاريخية.