نحن منذ سنة ننتظر الصيف الإيراني، ونعد الشهور والأيام إلى «الأجل المسمى»، ونبلبل أنفسنا بسؤال: هل نهاجم أم لا نهاجم، ونحن على يقين بأننا بعد ثلاثة أشهر ونصف في الانتخابات التي أُهديت إلينا، سنستطيع أن نقرر أتكون حرب أم لا تكون. لكن حدث فجأة سحب للبساط من تحت أقدامنا بقوة، وبدل حكومة مترددة تتلوى بين عدم الاتفاقات وتريد استشارة الناخب، أخذت تتقدم نحونا آلة ضغط ضخمة تزن 94 نائب كنيست، وهي آلة تهددنا حتى أكثر من التهديد الإيراني. ويبدو من حسن حظنا أن الصفقة التجارية التي باعنا إياها شاؤول موفاز وبنيامين نتنياهو نافذة الفعل حتى بالنسبة إلى إيران، فالساسة الراغبون في الحياة لا يخرجون للحروب. صدرت الإشارة الأولى حينما أومأ وزير الدفاع إيهود باراك قبل بضعة أسابيع إلى أن الهجوم الإسرائيلي يجب أن يأخذ في حسبانه موعد الانتخابات في الولاياتالمتحدة، وهو ما يؤجل القرار إلى نونبر. وجاءت بعد ذلك إيماءات أخرى، فقد عرّف حتى الإيرانيون المؤتمر الذري الذي عقد في إسطنبول بأنه «خطوة مهمة إلى الأمام». وتحمس ممثلو الدول الست التي تحاور في مسألة تخصيب اليورانيوم، ومنها الولاياتالمتحدة، للتوجه الإيراني المرن وإسقاط الشروط المسبقة التي كانت دائما عقبة أمام كل حوار مع إيران، وللاستعداد الإيراني للتباحث في مقدار تخصيب اليورانيوم حتى إنها وافقت فورا على إجراء جولة أخرى من المحادثات هذا الشهر في بغداد، وبادر وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي إلى الوعد بأنه «إذا كنا قد خطونا في إسطنبول خطوة واحدة إلى الأمام فإننا سنخطو في بغداد خطوات كثيرة إلى الأمام». صحيح من السابق لأوانه أن نحبس أنفاسنا، لكن هذا الكلام من إيران لم يُسمع منذ زمن بعيد. وجاءت الآن أيضا نتائج الانتخابات في فرنسا واليونان التي تُستقبل بمشاعر مختلطة في إيران، فمن جهة تعارض سياسة فرانسوا هولاند تدخلا عسكريا في إيران، وإن كان قد عاد فصرح بأنه يعارض أن تملك إيران سلاحا ذريا فبخلاف نيكولا ساركوزي المحافظ حليف المحافظة الأمريكية بأسلوب جورج بوش الزعيم الذي حث على الهجوم على ليبيا، يؤمن هولاند بعلاقات هادئة بين الاتحاد الأوربي وإيران. وبين مستشاريه السياسيين عدد من الأشخاص من أصل إيراني، وهو على العموم يعارض سياسة ساركوزي العنيفة التي تشاركه فيها أيضا مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، وانتخاب هولاند قد يكون علامة على بدء الانقسام في سياسة الاتحاد الأوربي الخارجية نحو إيران. وفي المقابل، سببت الانتخابات في فرنسا وفي اليونان خسارة اقتصادية عظيمة لإيران، فقد انخفض سعر النفط هذا الأسبوع بثلاثة دولارات إلى أدنى مستوى له منذ دجنبر، وهو الشهر الذي هددت فيه إيران بإغلاق مضيق هرمز. والأزمة في اليونان مع تنبؤات العمل في الولاياتالمتحدة قد تقلص سعر النفط أكثر وتضعف بذلك أمل إيران في أن تُعدل تقليص مبيعاتها بسبب العقوبات عليها بأرباح حسنة بفضل سعر النفط المرتفع. في منظومة الأدوات المؤتلفة التي يجري النفط فيها، يكون السيئ لإيران حسنا لأوربا، وسعر النفط المنخفض هو بشرى الخير الوحيدة التي يمكن أن ترتقبها اليونان ومعها الاتحاد الأوربي كله في الصراع المتوقع لاحتواء الأزمة الاقتصادية في أوربا. وهكذا، في حين من المؤكد أن إيران كانت تريد أن تستمر إسرائيل في زعزعة المنظومة الإقليمية والتهديد بحرب ترفع سعر النفط، فإن آخر شيء تريده الآن أعصاب أوربا المتعبة هو إعلان إسرائيلي بتحديد موعد الهجوم على إيران. إذا كانت الذرة الإيرانية تهديدا وجوديا لإسرائيل فإن سعر النفط هو تهديد استراتيجي لاستقرار أوربا التي تتوقع من أوباما أن يهدئ حليفته لأنه ليس الحديث هنا عن أمور تافهة كالمسيرة السياسية أو وقف البناء في المستوطنات. إن استقرار العالم، أي البورصات فيه، معلق الآن بما ستقوله إيران وبما ستفعله إسرائيل. وهرم التقديرات هذا هو الذي سيجعل إسرائيل تواجه أصعب المعضلات وهي: هل ينبغي لها ألا تهاجم إيران وألا تقضي على جزء من التهديد الوجودي الذي يتجادل مسؤولوها الكبار في حقيقة صدقه أم تهاجم وتصبح هي نفسها عدوة العالم. وستضطر إلى أن تؤجل القرار إلى الصيف القادم. لكن إذا تقرر التأجيل أربما لا يوجد تهديد وجودي عاجل حقا، أوَربما يكون هذا تضليلا فقط؟ عن «هآرتس»