في ال23 من شهر أبريل الماضي، الذي يصادف اليوم العالمي للكتاب، تساءلت: هل يحتفى كل العرب بعيد الكتاب، على غرار باقي شعوب دول المعمور؟ قطعا لا، لأن بعض الدراسات قد أكدت قبل سنة تقريبا أن ربع سكان العالم العربي نادرا ما يقرؤون كتبا بهدف المتعة الشخصية أو لا يقرؤون أبدا. وأثبتت هذه الدراسات أن الطفل العربي لا يقرأ سوى 6 دقائق خارج المنهج الدراسي. ويقرأ كل 20 عربيا كتابا واحدا في السنة، فيما يقرأ بريطانيّ واحد 7 كتب، أي ما يعادل ما يقرؤه 140 عربيا. ويقرأ كل أمريكي 11 كتابا في العام، أي ما يعادل ما يقرؤه 220 عربيا.. إنها لمفارقة غريبة! إذن، كيف يمكن أن يحتفل من لا يقرأ ولم يتربَّ على عادة القراءة بعيد الكتاب؟ كيف يمكن لأمة يُباع فيها ألف كتاب من المحيط إلى الخليج أن تشارك العالم في الاحتفال بعيد الكتاب؟.. الأمم تفتخر بعظمتها من خلال عدد الكتب التي تُطبع وتُباع فيها، لأن مقياس المعرفة تتحكم فيه قراءة الكتب. تؤكد الدراسات أن إجمالي ما تُنتجه الدول العربية من الكتب يساوي 1.1 في المائة من الإنتاج العالمي لا أكثر، رغم أن نسبة سكان الوطن العربي هي 5 في المائة من سكان العالم تقريبا. أما ما يُطبع من الكتب باللغة الإنجليزية فيساوي 60 في المائة من مطبوعات الكتب إجمالا. هكذا نجد سكان أوربا يتنافسون مع سكان أمريكا وسكان آسيا، حيث تزدهر صناعة الكتب أكثر من صناعة السيارات والهواتف المحمولة، ويفتخرون بمدى قدرة أفراد شعوبهم على قراءة الكتب، بينما تفتخر الأمة العربية بأوهام الماضي، بعد أن قامت بإحراق الكتب الثمينة وطرَدَتْ العقل والعقلانيّة إلى الضفة الأخرى. تمنيت لو اتفق وزراء الثقافة العرب بمناسبة اليوم العالمي للكتاب على إلقاء خطب موجهة لشعوبهم، تبثها أمواج الإذاعة وشاشات التلفزيون وكل الفضائيات العربية التي تهتم باستهلاك المشروبات ووسائل التنظيف ولا تلتفت إلى استهلاك المقروء.. يكون موضوع هذه الخطب هو مشروع نصف ساعة للقراءة فقط يوميا، يلتزم بها كل المواطنين الذين تم «جَلْبُهم» أو حقنُهم في المدارس ضد وباء الأمية الفتّاك. نصف ساعة فقط، ينقطع خلالها القارئ عن العالم الخارجي وينهمك في قراءة كتاب مفيد يتزود منه بزاد معرفي، يساعده على سعة أفقه وانشراح صدره وينتقل، يوما بعد يوم، من عالم الجهل والسقوط والابتذال والفوضوية والهامشية إلى دنيا الحقيقة والبرهان ومراقي الصعود وصلاح الضمير وانشراح الروح. وأنا أقول تخصيص نصف ساعة فقط للمطالعة والقراءة الحرة، لأنّني أعرف جيدا أن أبناء الشعب العربي العظيم مشهور بالعزوف عن القراءة والاشمئزاز من الكتاب مثل مريض يشمئز من دواء طعمه مُرّ، حتى قيل في حقهم من طرف وزير دفاع الصهانية موشي ديان: العرب لا يقرأون. وعلى وزراء الثقافة العرب ألا يطالبوهم في خطبهم بأكثر من نصف ساعة، لأنهم ليسوا ألمانيين ولا فرنسيين ولا إنجليز، يصبرون على القراءة ويتلذّذون بها الساعات الطوال في الحافلة، في القطار، الطائرة، البيت وفي المقهى.. ولا يتدخلون في شؤون الآخرين ولا يبصبصون بعيونهم، كما يفعل معظم أبناء أمتي في قتل الوقت!.. نصف ساعة يوميا للقراءة فقط، ويأخذ المواطن العربي ثلاثا وعشرين ساعة ونصف الساعة الباقية لراحته وسواليفه، التي لا تنتهي، وحكاياته، التي لا تنفذ، وسَمره وسَهره. وإذا بقينا على حالنا ستتحول الأمة العربية إلى أمة جاهلة في عداد الدول المنبطحة والمستهلكة، المشغولة بالأماني الخداعة والأفكار النرجسية والتفاخر الممقوت. هيا لنقرأ...