لا يمكن أن تتصفح جريدة ورقية أو تمسح بعينيك صحيفة إلكترونية دون أن تصادفك أخبار ولادات في الهواء الطلق، بعيدا عن أسرة دور الولادة، التي يبدو أنها بصدد تقديم استقالتها النهائية من توليد النساء، في زمن الحديث عن بطاقة «الرامد» السحرية.. في البوادي والحواضر، تتناسل أخبار الوضع في الشارع العام. أحيانا، يموت المولود وأحيانا يتحدى الظروف ويزحف نحو أقرب حضن، ففي قلعة السراغنة أغلقت دار الولادة في جماعة قروية أبوابها في وجه سيدة حامل، فقررت السيدة الحامل، بعد مخاض عسير، أن «تؤجل» الولادة إلى الزقاق المجاور للمصحة المعطلة.. تطوعت سيدة للمساعدة على الوضع، لكن المولود خرج إلى الوجود ميتا، رافضا العيش في مثل هذه الأوضاع القاسية!.. وفي تطوان وضعت سيدة مولودها في سيارة أجرة، بعد أن منعها الأمن الخاص من ولوج المصحة، لعدم توفرها على مصاريف الوضع، فاضطرت إلى تحويل سيارة الأجرة، التي تمت تغطيتها ببطانية، إلى غرفة ولادة متنقلة، وتم الوضع في ظروف أفضل من سابقتها في قلعة السراغنة، رغم أن مدونة السير تعارض تحويل وسائل النقل إلى غرف ولادة، وحين خرج المولود إلى الوجود، أطلق السائق رنين المنبه نيابة عن زغرودة الوضع المعطلة.. وفي بلدة جبلية قرب بولمان، كان وضع سيدة أكثر بؤسا من سابقتها التطوانية، إذ اضطرت إلى وضع مولودها على صهوة دراجة ثلاثية الدفع، كان ركوبها وقطع عشرات الكيلومترات للوصول إلى المستشفى كافيا لرفع مؤشر المحنة ومضاعفة المخاض، لكن أم المفارقات هي أن الواقعة وقعت حين كان الجميع منشغلين بالاحتفال بذكرى تقديم وثيقة الاستقلال، في زمن مازال المواطن البسيط يبحث عن استقلال حقيقي من استعمار اسمه الفساد.. وفي فاس وضعت سيدة مولودها قرب مرحاض المستشفى الجامعي، ولكُم أن تتصوروا مستقبل مولود قدَره أن يرتبط مسقط رأسه بمرحاض مهترئ، بينما كانت صرخة واحدة من سيدة دكالية كافية لإخراج وليد أمام بوابة مستشفى محمد الخامس في الجديدة، يبدو أنه كان يستعجل مغادرة الرحم، معتقدا أنه في غرفة العناية «المكرفسة».. أمام تنامي هذه الحالات، نقترح على وزارة النقل والتجهيز وضع علامات تشوير جديدة أمام مستشفيات الولادة، تحمل مضامينها تنبيها إلى وجود حالات وضع في الهواء الطلق: «خفّف السير: ولادة في الهواء الطلق»، «ممنوع الوقوف: امرأة في مخاض»، «ممر خاص بالقابلات».. بل إن الظرفية الراهنة تقتضي تكوين فوج من المولدات لهن دراية بالوضع في الشارع العام، دون الحاجة إلى سرير وسيروم ومخدر موضعي. لكن أغرب ولادة في الهواء الطلق هي التي وقعت في الأسبوع الماضي في قيسارية «الحفاري» في الدارالبيضاء، حين التمست سيدة من بائع ملابس تقليدية السماح لابنتها بالوضع في محله التجاري.. ارتبك الرجل أمام هذا المطلب المستعجل، وحين كان يبحث عن مخرج من الورطة، سمع صراخ طفل فساهم على الفور في الزيادة الميمومة بقطعة قماش وشربيل، ثم أغلق محله ليخضعه لعملية تنظيف بعد أن غمر سيلان الدم المكان.. وقبل أن تغادر السيدة المحل على متن سيارة متطوع، اقترح البائع تسمية الوليد «ميلود» ربما لأن الميلاد كان استثنائيا. لكن التخوف الكبير لا يكمن في ارتفاع عدد الولادات تحت الإكراه في الهواء الطلق وخارج محيط أقسام الولادة، بل في القلق حول مصير أطفال نسجوا مع الشارع علاقة ودّ مبكرة، ونالوا صفة أطفال الشوارع بالإكراه!..