صادقت لجنة المالية بمجلس المستشارين يوم الأربعاء الماضي على تعديل في القانون المالي تقدمت به المعارضة يقضي بإحداث ضريبة تضامنية على الثروة، وهو ما يعني أن أثرياء البلد سيكونون ملزمين بدفع ضريبة على أموالهم إلى خزينة الدولة إذا تمت المصادقة على التعديل في الجلسة العامة، وبعد استنفاد قانون المالية كل المراحل التي تلزم لكي يصبح ساري المفعول. ورغم أن التعديل قد يسقط في مطبات الطريق قبل صدور قانون المالية في الجريدة الرسمية، فإن مجرد طرح الفكرة كان فيها الكثير من الجرأة من طرف الفريق الفيدرالي. لكن الغريب هو رفض الحكومة لهذا التعديل، والأغرب منه التبريرات التي ساقتها من أجل رفضه، إذ أن إدريس الأزمي، الوزير المكلف بالميزانية، دفع في سياق تعليله لرفض الحكومة بصعوبة تطبيق هذه الضريبة، وأيضا بتخوف الحكومة من تنامي ظاهرة تهريب الأموال إلى الخارج. أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو: كيف لحكومة تدعي بأنها حكومة إصلاح، وبأنها جاءت لمحاربة الفساد، أن تمانع في تضمين تعديل كان الأولى بها أن تكون السباقة إلى تسطيره بين بنود قانون المالية الجديد؟ وحتى إذا ما قبلنا بأن ذلك سقط منها سهوا، فقد كان مطلوبا منها أن تشد عليه بالنواجذ وتدافع عنه لأنه من المفروض أنه يتماشى مع مرجعيتها السياسية وخطابها الأيديولوجي. إذ كيف يعقل ألا تعمل الحكومة على عدم قبول هذا التعديل، متحججة بصعوبة تطبيقه؟ ألم يكن الأحرى أن تجتهد من أجل إبداع آليات تمنع تهرب الأغنياء من أداء هذه الضريبة بدل أن تمضي في الطريق «السهل» وتعمل على رفض التعديل جملة وتفصيلا؟. كما أن تخوفات الحكومة من إمكانية تنامي درجة تهريب الأموال من طرف أثرياء البلد إذا ما أقرت ضريبة على ثرواتهم يتضمن الكثير من التشكيك في نزاهة العديد من الأثرياء ورجال الأعمال الوطنيين المستعدين لأداء الضريبة مهما بلغت. كما يتضمن اعترافا صريحا من طرف الحكومة بوجود أغنياء لا يهمهم من هذا البلد سوى الحفاظ على مصالحهم لا غير، دون أي إحساس بالواجب تجاه الوطن الذي يحميهم ويوفر لهم كل الإمكانيات من أجل الاستثمار والاغتناء. إن الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام بالمغرب عملت كل ما بوسعها طيلة العقود الماضية على إغناء الغني وإفقار الفقير في هذا البلد السعيد. إذ كان الكرم الحاتمي للسلطة يتجاوز في الكثير من الأحيان كل الأعراف والأخلاقيات، ويصل إلى درجة اللاعقلانية في «تبديد» المال العام. فمن الإعفاءات الجمركية بأنواعها المتعددة إلى منح الأراضي بدرهم رمزي إلى الإعفاء التام لأصحاب الضيعات الفلاحية، الذين يحققون أرباحا خيالية من وراء تصديرهم لمنتجاتهم الفلاحية، التي لا تدخل السوق المحلية إلا في حالة الأزمات مع الأسواق الأوروبية دون الحديث عن «الكريمات» بأشكالها المختلفة في البر والبحر. كما أن تخوف الحكومة من تهريب الأموال من طرف الأثرياء في حالة إجبارهم على أداء الضريبة على الثروة لا يعني بتاتا أنهم لا يقومون بتهريب الأموال الآن ومع كل التسهيلات المتاحة لهم، فقد ذكرت العديد من التقارير الدولية، كان أهمها تقرير «هيئة السلامة المالية العالمية» (غلوبال فاينانشل إنتيغريتي) أن المغرب يحتل رتبا متقدمة جدا في مجال تهريب الأموال، حيث يعمل الكثير من أصحاب الأموال على تهريب نقودهم إلى «الجنات الضريبية»، بطرق متطورة في الاحتيال، من بينها استغلال «ثغرات» في القانون، حيث يوهمون مكتب الصرف بعد إنشائهم شركات «وهمية» برغبتهم في استيراد بضائع من الخارج ويطالبونه بالسماح لهم بتحويل أموالهم إلى عملة صعبة بأبناك بالخارج، لكنهم لا يستوردون أي شيء ويحتفظون بأموالهم خارج المغرب. إن الشعب المغربي ينتظر من الحكومة الحالية إجراءات عملية تدل على نيتها الصادقة في التقليل من الفوارق الاجتماعية، وإن الضريبة على الثروة هي أحد هذه الإجراءات، لذا لا يمكن القبول بتاتا بالوضع الحالي الذي يزيد «الشحمة في ظهر المعلوف»، وعلى أغنياء البلد أن يتسموا بنوع من المواطنة تجاه بلدهم، وأن يقدموا ولو القليل من أموالهم لمساعدة الدولة على النهوض بأوضاع فقراء هذا البلد.