لم يتلق عبد القادر أمزيان، المغربي الذي حارب إلى جانب الجنرال فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية، التعويضات الهزيلة جدا لهذا العام، والتي دأبت الحكومة الإسبانية على صرفها للمحاربين الذين حملوا النصر للدكتاتور الإسباني ضد الديمقراطية في الجارة الإيبيرية. في القنصلية الإسبانية بتطوان أخبروه بأن الحكومة أرسلت له التعويض، الذي لا يتجاوز ألف درهم مغربي في السنة، وأن عليه مراجعة خزينة المملكة، لكن هذه الأخيرة لم تبعث إليه شيئا، بينما يكتفي أمزيان بالسخرية من الوضع برمته. القصة تبدو جزءا من سيناريو فيلم سينمائي تجري أحداثه في قاع مدينة بأمريكا اللاتينية، فهذا المحارب الذي حمل السلاح روسي الصنع في وجه الجمهوريين الإسبان دفاعا عن فرانكو، وجرح عدة مرات وكاد يلقى حتفه في المعارك، لا يزيد حجم التعويضات التي ترسل إليه، لقاء تضحياته، عن ألف درهم في السنة. وبعد سبعين عاما من انتهاء الحرب، وأكثر من ربع قرن من وفاة «الخينرال»، يعود ملف مغاربة الحرب الأهلية الإسبانية إلى الواجهة، بعد قرار الحكومة الإسبانية إعمال قانون الذاكرة، ومبادرة القاضي بالثازار غارثون بفتح ملف كبير جدا، ربما قد يعيد إسبانيا إلى نقطة الصفر، لأن من شأن فتح جراح الماضي أن تضع اليسار في وجه اليمين، الذي ينصب نفسه وصيا على تركة فرانكو. وتواجه إسبانيا دينا تاريخيا حقيقيا تجاه هذه الفئة التي قاتلت خارج أرضها دفاعا عن قضية ليست قضيتها، فهذه الفئة من «إخوة السلاح» واجهوا نفس المصير الذي واجهه زملاؤهم المغاربة الذين حاربوا إلى جانب فرنسا أثناء الاحتلال النازي لها في الأربعينات من القرن الماضي، لكن فرنسا بادرت في السنة الفارطة إلى اتخاذ بعض الخطوات تجاههم كرد للاعتبار، مثل تحسين معاشاتهم ومنح تعويضات لهم، بعدما طالهم النسيان، رغم أنهم حملوا السلاح دفاعا عن حرية فرنسا التي كانت تصف نفسها بأنها بلد الأنوار، ضد همجية النازية. إلى جانب الخطوة الإسبانية بإعادة فتح هذا الملف والكشف عن المقابر الجماعية التي دفن فيها قتلى فرانكو وعن مصير المختفين من الإسبان، بادر عدد من الحقوقيين والمثقفين المغاربة، غالبيتهم من أبناء الشمال المغربي، إلى تشكيل هيئة للمطالبة بالكشف عن مصير المغاربة المختفين في تلك الحرب، وتسلم رفات القتلى المدفونين فوق التراب الإسباني، وإعمال مبدأ العدالة الانتقالية على المستوى الدولي في التعامل مع هذا الملف. ويرى هؤلاء، في مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، أنه لا ينبغي فصل ملف المفقودين الإسبان في تلك الحرب عن ملف المفقودين المغاربة، طالما أنهم قاتلوا في حرب واحدة وكان مصيرهم واحدا. ويقول المركز، بناء على أبحاث قام بها مؤرخون إسبان، من بينهم ماريا روزا دي مادارياغا التي نحاورها في هذا الملف، إن عدد المغاربة الذين قتلوا في تلك الحرب، بين عامي 1936 و 1939، يصل إلى 136 ألف مغربي، بينما هناك الآلاف الذين اعتبروا مختفين، والذين لا تعرف عائلاتهم شيئا عن مصيرهم إلى يومنا هذا. إنها قصة حرب صنعت في المغرب وانطلقت منه، وكان وقودها من المغاربة والإسبان، لا تزال حية في الذاكرة، يحاول الإسبان اليوم نفض التراب عنها من جديد. التفاصيل في الملف الأسبوعي.