كثر الحديث عن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، خاصة بعد توقيف قاضي طنجة وإحالته فيما بعد على محكمة الاستئناف بالرباط، ومن ضمن ما جاء في الكتابات الخاصة بشأن هذا النوع من الشرطة القضائية، التي يوجد مقرها بالدارالبيضاء، أنها تشتغل نسبيا تحت إشراف جهاز النيابة العامة الذي يعاني ذاته من الشلل بخلاف عناصره التي ما تزال تتوفر على العزيمة والإرادة والصحة. إن وجود الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في الساحة القضائية يحسم النقاش الدائر حول من هو رئيس النيابة العامة دون الرجوع إلى النصوص الخارجة عن الدستور الجديد أو مقتضيات الدستور 2011 في شقه غير القضائي، خاصة تلك المرتبطة بالمجلس الأعلى للأمن والتي تزكيها إضافة تسمية الحريات لوزارة العدل واحتفاظ وزير العدل بصلاحيات واسعة بدرجة تبقي وتشيع ثقافة التبعية والولاء عوض منطق التسلسل الرئاسي، ولاسيما إذا لم يتم فهم واستيعاب النصوص القانونية. فالإبقاء على جهاز الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يهدف إلى إضعاف جهاز النيابة العامة، خاصة وأن كل من يتطرق إلى هذا النوع من الشرطة القضائية يشير إلى أنها تشتغل تحت إشراف النيابة العامة التي يتم اختزالها في وزير العدل بصفته رئيس النيابة العامة والوكيل العام باستئنافية الدارالبيضاء والوكيل العام باستئنافية الرباط وما يسمى بمديرية الشؤون الجنائية والعفو، كما ورد في بعض الصحف مؤخرا، ضدا على القوانين التي تؤطر عمل النيابة العامة ومهامها، وبالتبعية نشاط الشرطة القضائية بصفة عامة، الأمر الذي يجعل مهام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تتلخص في صلاحيات واختصاصات من شأنها أن تشكل نوعا من التأثير والضغط غير المباشر الذي يسعى إلى جعل جهاز النيابة العامة جهازا غير راشد وغير قوي وغير فعال، بل جهازا قاصرا بالأحرى، وعليه فإن الفرقة والوطنية للشرطة القضائية تظل جهازا لا يتماشى مع المرحلة الراهنة ومع مجموعة من النصوص القانونية التي يمكن تلخيص بعضها في النقط التالية: تبقى إمكانية مزاولة مهام الشرطة القضائية في جميع أنحاء المملكة واردة حسب مقتضيات المسطرة الجنائية إذا ما توفر شرطي الاستعجال وضرورة البحث، وذلك بناء على طلبات السلطات القضائية أو العمومية، مما يجعل وجود الفرقة الوطنية للشرطة القضائية غير مبرر ودون جدوى، كما أنه بالرجوع إلى طبيعة ونوعية مهام عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية نجدها تتجاوز تلك الممنوحة للمدير العام للأمن الوطني وولاة الأمن الذين يعَدون الرؤساء الإداريين لضباط الشرطة القضائية. خلافا لما تنص عليه المادة 21 من قانون المسطرة الجنائية، فإن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لا تستقبل الشكايات من الناحية الواقعية ضدا على القاعدة العامة. خلافا للمبدأ العام، فإن إشراف النيابة على تسيير الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يبقى قاصرا، من باب الواقع العملي، على وزير العدل كرئيس النيابة العامة والوكيل العام لاستئنافية الرباط والوكيل العام لاستئنافية الدارالبيضاء وما يسمى بمديرية الشؤون الجنائية والعفو، كما جاء في بعض الصحف الأسبوعية، دون ذكر التبريرات المعتمدة، الأمر الذي يختزل جهاز النيابة العامة في المؤسسات الأربع المذكورة أعلاه، مما يشكل في حد ذاته تهميشا لهذا الجهاز الذي يظل الساهر على تطبيق القانون. تختص الغرفة الجنحية في محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء باختصاصات إضافية تكمن في مراقبة أعمال عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لوجود مقرها في الدارالبيضاء عندما تكون صادرة عنهم بهذه الصفة، علاوة على صعوبة تطبيق المادة 268 من قانون المسطرة الجنائية على اعتبار أن أفراد الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يمارسون مهامهم بجميع أنحاء التراب الوطني دون إثبات شرطي الاستعجال وضرورة البحث، كما يفيد بذلك الواقع العملي. ويظل وكيل الملك لدى ابتدائية الدارالبيضاء مختصا بتنقيط عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في نهاية كل سنة، وإحالة لائحة التنقيط على الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، مما يطرح السؤال عما إن كانت هذه النيابة العامة تتوفر على لائحة بأسماء عناصر تلك الفرقة. يكون وكلاء الملك والوكلاء العامون للملك ملزمين بإخبار رئيسهم التسلسلي بالجرائم التي تصل إلى علمهم والتي تكتسي خطورة بالغة، ليتولى هذا الأخير -أي رئيس النيابة العامة- إحالتها على أحد عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للبحث بشأنها. إن مهام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تتعارض مع فلسفة الجهوية الموسعة التي تبناها المغرب أخيرا، ولا تتلاءم بالتبعية مع مسألة تفعيل مبادرة الحكم الذاتي للصحراء المغربية، كما أنها لا تتماشى مع المرحلة التي شهدت إلغاء محكمة العدل الخاصة والمحكمة العليا رغم الإبقاء على الأولى بشكل غير مباشر وخفي عندما يتعلق الأمر بجرائم الإرهاب وغسيل الأموال. وفي الأخير، يمكن القول إن الإبقاء على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يبقى بمثابة مرآة تعكس مدى عدم استقلال القضاء بصفة عامة، والقضاء الواقف بصفة خاصة. فمتى سيتم طي صفحة قصة قيس وليلى وعدم فتح صفحة قصة روميو وجولييت قصد تنزيل روح الدستور الجديد في صلب القوانين الجنائية عوض نهج استراتيجية عقيمة تعيد عداد إصلاح القضاء إلى الصفر؟ ومن باب التلخيص وليس الخلاصة، فهل العصا السحرية بدورها غير قادرة على إصلاح العدالة؟ *نائب وكيل الملك لدى ابتدائية تازة وعضو نشيط في الجمعيات المهنية القضائية