دعا رشيد نيني، المدير المؤسس لجريدة "المساء"، إلى التفكير في إحداث جبهة لكبح بعض "الجهات"- دون تسميتها- التي قال إنها تسعى إلى تكميم الأفواه، مقترحا في هذا السياق أن يتم تشكيل هذه الجبهة من جميع السياسيين والحقوقيين والصحافيين وكل المهتمين بحرية التعبير، بغض النظر عن اختلافاتهم الفكرية. وأكد نيني، في حفل نظمته اللجنة الوطنية للتضامن معه أول أمس بالرباط بحضور رئيسها الشرفي الزعيم الوطني بنسعيد آيت يدر، بأنه " يستحيل أن يتقدم بلد يخاف من الرأي". وقال نيني الذي كان يتحدث وسط جمع غفير من الناس عجزت القاعة عن احتضانهم، كان ضمنهم محمد الساسي وحسن الكتاني والصحافي علي المرابط والفنان أحمد السنوسي (بزيز): "لقد أديت جزءا يسيرا من ضريبة حرية الرأي والتعبير.ويجب أن يكون لدينا قانون للصحافة ينتصر للحرية ويخلو من المقاربة الأمنية للعمل الصحافي". وأكد نيني أن محنة الصحافي لا تتوقف بمجرد مغادرته أسوار السجن، بل تستمر حتى بعد خروجه، موضحا في هذا السياق كيف أن أحد ضحايا تفجيرات أركانة بمراكش يطالبه بمبلغ 100 مليون سنتيم كتعويض، وقد كانت الجلسة أول أمس بمراكش وتم تأجيلها. وقال المدير المؤسس ل"المساء": "لست حاقدا على أحد، لأن الحقد لا يصنع المستقبل، وكل ما أتمناه أن أكون آخر صحافي يحاكم كمجرم. لقد تم التعامل معي كمجرم، وكانت أداة الجريمة هي القلم والكتابة لأنها هي وسيلة الجريمة في نظرهم". وأشاد نيني بدور محمد بنسعيد آيت يدر، الرئيس الشرفي للجنة الوطنية للتضامن مع رشيد نيني، قائلا: "أنا سعيد بأن تكون لجنة دعمي يرأسها المناضل بنسعيد آيت يدر، الذي يعتبر مدرسة تاريخية في النضال وفي نكران الذات، والتي نستخلص منها درسا عميقا هو ضرورة المقاومة ليس بمفهومها المسلح، بل المقاومة من أجل حرية الرأي"، مضيفا أن "الدفاع عن الأفكار والآراء يستحق المقامرة حتى لو أدى ذلك إلى السجن". وقدم نيني صورة ملخصة عن معاناته السجنية، ومنها الإصرار على منحه الشعور بأنه مجرم حقيقي من خلال وضعه مع مجرمي الحق العام خلال المحاكمة وتقييد يديه بالأصفاد، وهو ما اعتبره "نوعا من التعذيب". وأوضح نيني أن مثل هذه المتابعات تسيء إلى صورة المغرب بالخارج، مضيفا أن المغرب أكبر من هذا بكثير. وبالنظر إلى التجارب السابقة لعدد من الذين سجنوا واعتقلوا وصدرت في حقهم عقوبات الإعدام، من أجل آرائهم، يرى نيني أن محنته كانت عادية جدا. وعبر نيني عن شكره لكل من آزره وتجشم العناء من أجل حضور حفل استقباله، أو من آزره من محامين وحقوقيين وسياسيين وفاعلين. إذ قال: "أنا خجول ومحرج من المحبة التي لا تتسع لها الكلمات، والتي عبر عنها الجميع بكل ألوان الطيف الذين حضروا للمحاكمة، والذين تابعوا قضيتي في جميع فصول السنة الأربعة، والتي وحدتهم رغم اختلافهم الإديولوجي، لأن القضية هي قضية حرية رأي وتعبير". وأشار نيني إلى أنه من محاسن الصدف أن يصادف الاحتفاء به باليوم العالمي لحرية الصحافة، ولكن في الوقت نفسه من سوء الحظ أن يتم الاحتفال على إيقاع تراجع كبير على مستوى حرية الرأي والصحافة. هذا التراجع، يضيف نيني، "يطرح علينا جميعا سؤالا جوهريا وعميقا حول حرية الرأي والتعبير ببلادنا: إلى أين؟ وهل سنستمر في هذه التراجعات أم يمكن أن تكون هذه هي نقطة النهاية ونتفق على طي هذه الصفحة؟". كما تحدث نيني عن أن سجنه يعتبر سجنا لأسرته الصغيرة والكبيرة، وهذا ما جعل العقاب معمما، موجها الشكر إلى عائلته، خصوصا شقيقته نورا التي كانت ترابط أمام سجن عكاشة من أجل أن توفر لأخيها كل ما يحتاجه داخل السجن من أكل وجرائد وغيرها من الحاجيات. من جهته، اعتبر المناضل اليساري محمد بن سعيد آيت يدر، رئيس اللجنة الوطنية لدعم رشيد نيني، أن "اعتقال صحفي مقتدر يعبر عن رأيه هو قمة الإرهاب والقمع في بلد يطمح إلى الديمقرطية، فالحريات والعدالة اللتان نطمح إليهما ما تزالان بحاجة إلى المزيد من النضال وضرورة التعبئة"، لأن رشيد نيني أدى ثمن الحرية وقضى عقوبة حبسية مدتها سنة، حيث لم يستفد من عفو ملكي، فكان السجن سجن قمع وسجن ظلم، فالسجن ليس حلا للمشاكل، بل هو سجن للمزيد من المواجهة وتعبئة أحرار كل هذا البلد، يضيف آيت يدر. وقال بنسعيد إن المغرب يشهد نوعا من التطور في ظل الربيع العربي، الذي يعتبر حركة 20 فبراير النواة الأولى للعمل والنضال من أجل تغيير وإصلاح ديمقراطي وتنزيل الدستور تنزيلا حقيقيا حتى يتمتع كل مواطن بحقوقه. من جانبه، عبر "بزيز" عن سروره بخروج رشيد نيني من السجن، لكنه تأسف لأن حرية التعبير ما تزال معتقلة، مضيفا أنه يجب إطلاق حرية الصحافة، وانتزاع هذه الحرية لأنها لن تقدم لنا كهدية، يقول السنوسي. قبل أن يضيف "يجب أن نقاطع محاكمات من هذا النوع، فلن نسكت منذ اليوم بأن نُعامل كقطيع، ولن نسكت منذ الآن على اعتقال أي صحفي ولا إغلاق أي جريدة مهما اختلفنا معها، فيجب أن نعطي الحق والحرية للذين نختلف معهم، وأنا مستعد لأن أهب حياتي هدية من أجل حرية التعبير".