بعد وصول بنكيران إلى «الحكم»، استقبل أول ضيف مهم، وهو رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، وهذا الرجل يشبه بنكيران في طباع كثيرة، شخصية وسياسية، وحتى النظام السياسي في البلدين متشابه كثيرا، لكن راخوي كان أول شيء قام به بعد تشكيل حكومته، هو تغيير مدراء القنوات العمومية، وتعيين موظفين آخرين في مختلف القطاعات الإعلامية العمومية. راخوي لم ينتبه مطلقا لما يقوله خصومه، ونفذ بالحرف ما يخوله له الدستور، وانتهت القضية. راخوي فعل ذلك طبقا لما تخوله له صلاحياته، وهو أيضا يدري أن أي حكومة لا يمكنها أن ترسم سياستها المستقبلية إذا لم يكن الإعلام يساير خطواتها، ليس بالمديح والثناء، بل بالمراقبة والنقد البنّاء وتوعية المواطنين. رئيس حكومتنا وصل إلى منصبه وهو يحمل صلاحيات لم يمنحها له أحد منّا ولم تكن هدية، بل هي صلاحيات منحها له الدستور الجديد، والدستور الجديد يعني ذلك المشروع الذي صوت عليه المغاربة (الذين صوتوا) ب»نعم» بنسبة تقارب التسعة والتسعين بالمائة، كما أن بنكيران وصل إلى منصبه بناء على ما عرفه الشارع المغربي من حراك، وكل هذا يكفي لكي يكون الرجل واضحا ومباشرا وأن يقوم بممارسة صلاحياته الدستورية والشعبية، لكنه إلى حد الآن لم يقم بأي شيء على الإطلاق، ولم يستطع حتى تغيير مدير الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، فيصل العرايشي، ومن معه، رغم أن هذا الأخير يخوض ضده حرب «تشويه» حقيقية، باعتراف بنكيران نفسه. إسبانيا مرت من مسار مشابه للمغرب، فقد خضعت حوالي أربعين سنة لحكم مطلق، وهناك نقاط تشابه كثيرة بيننا وبين الإسبان، لذلك كان على بنكيران أن ينظر فقط إلى النموذج الإسباني القريب، وسيجد أن توقيع ورقة بإقالة العرايشي تدخل في صميم الديمقراطية. عندما يقوم راخوي بإقالة مدير التلفزيون، رغم أنه منضبط ولم يقم بأي حرب ضده، فلماذا كل هذا الخوف الذي يحس به بنكيران تجاه شخص يُعتبر، بكل المقاييس، موظفا عاديا ضمن ملايين الموظفين في البلاد، كما أنه أمضى في منصبه فترة طويلة جدا، وهو لم يخضع يوما لمحاسبة، وفوق هذا وذاك يهدد بالويل والثبور كل من يقترب منه. إنه موقف تخاذل محيّر لبنكيران، موقف لا يمكن لأحد أن يحسده عليه.