يخرج نساء ورجال التعليم في المغرب، اليوم، إلى جانب كل العمال والمستخدمين، لتخليد عيد العمال العالمي ولتجديد نداءاتهم بتحسين أوضاعهم الاجتماعية والمادية وللمطالبة بحل مشاكلهم العالقة، خاصة تلك المتعلقة بالعديد من الفئات، وللمطالبة كذلك بنظام أساسي جديد منصف وعادل... وفي وفي هذا السياق، بسط مسؤولون نقابيون في حديثهم إلى «المساء» أهم الرسائل التي سيوجهونها للحكومة وللوزارة المعنية بهذه المناسبة. تخرج، مركزيات نقابية إلى الشوارع، اليوم، وتتجمهر مرة أخرى أمام مقراتها النقابية تخليدا لعيد الشغل، الذي يصادف فاتح ماي من كل سنة. ورغم أن معظم هذه المركزيات النقابية تتألف من العديد من النقابات القطاعية، سواء في القطاع العام أو الخاص، فإن قطاع التعليم يبقى هو القطاع الأكثر حضورا والأكثر كثافة داخل أغلب المركزيات النقابية، إذ يصفه البعض بالقاطرة التي تجر إلى جانبها باقي القطاعات داخل المركزيات النقابية، رغم أن هذا الوصف «لا يعجب» نقابيي بعض القطاعات، لكنها تبقى الحقيقة التي تفرض نفسها ولا يمكن إخفاؤها، اعتبارا للحضور الكمي لرجال ونساء التعليم داخل الوسط النقابي، والذي يبرز بشكل واضح من خلال شعارات ولافتات المنتمين إلى هذا القطاع في كل المسيرات والتجمعات الخطابية التي تنظم بمناسبة عيد الشغل أو عيد العمال كما يسميه البعض. وككل محطة من مثل هذه المحطات، تطرح أسئلة عديدة حول القطاع وحول ما تحقق فيه من مكاسب بالنسبة إلى الشغيلة التعليمية وما لم يتحقق وكذا حول الملفات التي تنعت في قاموس النقابيين بالملفات العالقة، خاصة أن العاملين في القطاع التربوي التعليمي خاضوا العشرات من الإضرابات ونفذوا مجموعة من محطات الاعتصام والوقفات الاحتجاجية، على المستوى الوطني أو الجهوي أو الإقليمي وحتى المحلي. تتعدد وتتنوع وتتباين مطالب الفئات المشكلة للعنصر البشري داخل قطاع التعليم، لكنها تتوحد، في غالب الأحيان، حول مطالب من قبيل تحسين الظروف المادية والاجتماعية والرقي بأنظمة الترقي وإعادة النظر في آلياتها، التي تبدو منصفة للبعض ومجحفة في حق البعض الآخر، وكذا إعادة الاعتبار إلى رجال ونساء التعليم والمدرسة العمومية عموما. الأكيد أن فئات عديدة ستكون على رأس الفئات التي ستخرج لإيصال صوتها عبر لافتات وشعارات تظاهرة فاتح ماي، وعلى رأسها جيوش معتقلي السلم التاسع والأساتذة حاملي الدكتوراه وحاملي الإجازة والمنتظرين لتغيير إطارهم والمبرزين والمتصرفين وهيآت الإدارة التربوية... لكن محطة كهذه تُرفَع فيها الشعارات بشكل دقيق لتحقيق أهداف محددة وذات أبعاد سياسية، فالأكيد أن المطالبة بإخراج نظام أساسي جديد يوحد رجال ونساء التعليم ويقطع مع الفوارق التي باتت تؤثر، بشكل أو بآخر، على نفسية العاملين في هذا القطاع. هل تستطيع النقابات وشعاراتها وكذا «الرسائل» التي تبعث بها عبر لافتات ترفع خلال تظاهرات فاتح ماي أن تفيّ بالغرض وأن تحقق بالفعل أهدافها؟ ما هي أقوى الرسائل التي تود النقابات التعليمية أن تبعث بها إلى حكومة عبد الإله بنكيران ووزارة محمد الوفا؟ كيف تنظر النقابات إلى وضعية العاملين في قطاع التعليم في ظل التغيرات التي تعرفها البلاد؟.. أسئلة طرحناها على بعض المسؤولين النقابيين في قطاع التعليم، لتقريب المتتبعين للشأن التعليمي من أهم الرسائل التي سترفع خلال فاتح ماي لهذه السنة. واعتبر عبد المجيد غرس، عضو الأمانة العامة للجامعة الوطنية للتعليم (ا. م. ش.) في تصريح ل»المساء» أن أهم رسالة يمكن توجيهها بهذا المناسبة هي ضرورة سن قانون أساسي عادل و حديث وعصري ومنصف لرجال ونساء التعليم. كما اعتبرهذه المرحلة ملحة لإخراج هذا القانون، الذي بإمكانه أن يستوعب جميع مطالب نساء ورجال التعليم المطروحة على الساحة التعليمية. وتابع غرس قائلا: «صحيح أنه يمكن القول إن الترقية بالاختيار حُسِمت بعد نظام التسقيف، لكنْ لا بد من سن قانون أساسي يتضمن مثل هذه القرارات ويضمن لنساء ورجال التعليم حقوقهم». وبخصوص نوع الترقية المتعامل بها حاليا، قال عضو الأمانة العامة للجامعة الوطنية للتعليم إنها لا تحفز العاملين في قطاع التعليم، مقابل مطالبتهم ببذل مجهود ومردودية أكثر، ففي قطاعات أخرى هناك نظام السلالم غير المتوقفة، بخلاف التعليم والوظيفة العمومية، التي يجد فيها الموظف نفسه مضطرا للتوقف عن الترقي إلى سلالم أخرى أو درجات أخرى قبل انتهاء مساره المهني بسنوات عديدة، لهذا يجب أن يضمن القانون الأساسي الجديد مبدأ الاستمرارية في الترقي إلى نهاية المسار المهني لتحفيز هيئة التعليم للاستمرار في العطاء وتطوير الأداء طيلة هذا المسار. من جانبه، قال عبد الإله دحمان، نائب الكاتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم (ا. و. ش. م.) إن منظمتهم ترى أن الشعارات التي يجب أن تؤطر هذه المحطة العالمية مفروض أن توفّق بين ما هو تربوي وما هو مادي اجتماعي بالنسبة إلى الشغيلة التعليمية، بالنظر إلى كون مجموعة من القضايا الراهنة والاستعجالية تتطلب حلولا فورية وناجعة مرتبطة بمجموعة من الفئات. ويعتقد دحمان أنه يجب أن تطرح في المناسبة أيضا أهم القضايا الكبرى المرتبطة بالمنظومة التربوية بالفلسفة التربوية التي يتبناها المغرب، بإعادة النظر في وظيفة المدرسة وفي الاختيارات التربوية والسياسة التعليمية وإعادة النظر في العلاقة التي تجمع ما بين المدرسة والمجتمع، التي قال إنها في حاجة إلى إعادة تركيب لتصحيح المغالطات التي كانت تجمع ما بين المدرسة ووظيفتها في المجتمع. وأضاف نائب الكاتب الوطني أن المدرسة لم تعد تؤدي وظيفتها داخل المجتمع، وهي الوظيفة التأطيرية لكل إصلاح شامل ومندمج لكل بنيات المجتمع، كما أن هذه المحطة هي -في نظره- «مناسبة للمطالبة بإعادة النظر في الأوضاع العامة للشغيلة التعليمية المرتبطة بالوضعين المهني والاجتماعي، ونحن في الجامعة الوطنية لموظفي التعليم نقر بأن تأهيل الوضع الاجتماعي والمادي لنساء ورجال التعليم هو الكفيل بإصلاح المنظومة التربوية التكميلية، التي لا ينحصر أداؤها ووظيفتها فقط داخل بنية المنظومة التربوية، بل يتعداها إلى باقي البنيات المجتمعية الأخرى». أما عبد العزيز إيوي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (ف. د.ش.) فقد قال إن أقوي رسالة يمكن توجيهها للقائمين على الشأن التعليمي بمناسبة فاتح ماي هي تلك المتعلقة بمشكل الخصاص الذي تعرفه المنظومة التربوية، الذي لم تستجب له مضامين القانون المالي للسنة المقبلة، بالنظر إلى المناصب المالية غير الكافية التي خصصت للقطاع، إضافة إلى ضرورة إيجاد حلول جدرية لمشاكل العديد من الفئات التي مازالت تحتج على وضعيتها. أما بخصوص الحديث عن النظام الأساسي الجديدة فأكد إيوي أنه «يجب أن يكون نظاما أساسيا واضح الأهداف و المرامي وقادرا على تحسين أوضاع العاملين في قطاع التعليم، أما إذا كان الأمر يتعلق بنظام أساسي تسعى من خلاله بعض الأطراف إلى إخراج المنظومة التعليمية من الوظيفة التعليمية، كما يروج له البعض وتحويل المشاكل إلى الجهات، فهذا أمر غير مقبول، لأنه لن يحل المشاكل بالقطاع بقدْر ما سيُعمّقها». واعتبر علال بلعربي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (ك. د.ش.)، أن «فاتح ماي سيكون مناسبة للمطالبة بإصلاح المنظومة التربوية، بإشراك الفاعلين فيها، لكونها تعاني من اختلالات كبرى وتعيش وضعا يحتاج إلى مراجعة شاملة وقوية من منظور واضح و صور واضح، باعتبار إصلاح التعليم يشكل جسرا لكل تطور في بلادنا». وقال بلعربي إن المدة المخصصة للبرنامج الاستعجالي انتهت، «وهو البرنامج الذي انتقدناه في حينه نقدا تربويا ونقدا معرفيا واعتبرنا أنه لا يشكل مشروعا للإصلاح باعتباره تقنيا صرفا ولم يستحضر الأبعاد التربوية والاجتماعية ولا حاجيات المغرب وظل، في مضمونه، تكنوقراطيا لا يرقى إلى ملامسة حاجة المغرب». وبخصوص الوضع الاجتماعي لنساء ورجال التعليم، قال بلعربي إنهم يسجلون أن «القانون المالي الجديد لم يتعامل بالشكل المطلوب مع مشكل الخصاص المهول في الموارد البشرية، خاصة في هيئة التدريس، حيث أكد أن السنة المقبلة ستعرف خصاصا يقدر بحوالي 8 آلاف مدرس». وقال بلعربي إن القانون المالي للسنة المقبلة كان مخيبا لآمال نساء ورجال التعليم، الذين هم في حاجة إلى تحسين أوضاعهم الاجتماعية، «كما سنجدد خلال هذه المحطة المطالبة بالتنفيذ الكامل لاتفاق 26 أبريل، خاصة الدرجة الجديدة دون تلكؤ من الحكومة، لأن نساء ورجال التعليم في حاجة إلى رد الاعتبار ليحتلوا الموقع والمكانة اللائقة بهم، كما يجب على الحكومة أن تنظر إلى قطاع التعليم كقطاع استثماري، لأن الموارد البشرية هي رأسمال كل البلدان، وبالتالي يجب تحسين ظروفهم الاجتماعية وتوفير وسائل الاشتغال لهم، خاصة في العالم القروي الذي يعيش حالة صعبة جدا». من جانبه، أكد محمد سحيمد، الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم (ا. ع. ش. م.) أن كل هيئة نقابية تسعى إلى التعبير عن انشغالات نساء ورجال التعليم في مثل هذه المحطات، وفي ظل حكومة جديدة ووزير قطاع جديد نؤكد أنه قد آن الأوان أن يتم الالتفات إلى هموم وانشغالات الشغيلة التعليمية وما تبقى من الملفات والمشاكل العالقة، وبالتالي، يقول سحيمد، يجب أن يكون هناك حوار مسؤول كي نصل إلى اتفاق جديد، كي لا نبقى منتظرين اتفاق 26 أبريل. وقال سحيمد إن هذه فئة قطاع التعليم تمثل فئة عريضة جدا، فهي تقدر بحوالي 270 ألف موظف في قطاع التعليم، وهي نسبة ربما تمثل نصف عدد موظفي الوظيفة العمومية، وقد كان لدينا اتفاق سابق مع المسؤولين السابقين يقضي بوضع أولويات المرحلة في كل مرة. وإلى حد الآن مازلنا لم نشتغل على الأولويات، بل مازلنا نجر وراءنا بقايا الملفات العالقة من السنوات الماضية. وبخصوص الحديث عن نظام أو قانون أساسي جديدين، قال سحيمد إنه إلى حد الآن هناك فقط حديث عن هذا الموضوع وإن الاقتراح الذي جاء في البداية يتحدث عن «قانون أساسي»، ونحن لدينا تحفظ على كلمة «قانون»، ونؤكد على ضرورة أن تكون فصول هذا النظام الجديد مرنة وقابلة للتغيير والتعديل.