لا جهة رسمية في المغرب «تجرؤ» على تقديم معطيات دقيقة حول التعامل الاقتصادي والتجاري بين المغرب وإسرائيل. ليس هناك لسان رسمي «ينفكّ» فيعترف بوجود علاقات في الأصل.. في المقابل، وفي الضفة الأخرى، إسرائيل، تقدم معطيات مفصلة ومُحيَّنة تكشف، بالأرقام الدقيقة والمعلومات المستفيضة، حقيقة ظل جزء كبير منها مختفيا قبل كتابة هذه السطور. قادتنا عملية التنقيب، التي خضناها عن التعاملات الاقتصادية بين المغرب وإسرائيل، إلى وثائق إسرائيلية رسمية، صادرة عن المكتب المركزي للإحصاءات، وهو مؤسسة عمومية تابعة للوزارة الإسرائيلية الأولى، وتعنى بتجميع كل المعطيات الإحصائية في مجالات مختلفة. هي مثل المندوبية السامية للتخطيط عندنا، مع فرق أن المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاءات «يجرؤ» على كشْف كل الأوراق وبسْط جل التعاملات الإسرائيلية -المغربية، التي تتوارى خلف حجب التعتيم والخوف والإنكار. هذه أرقام التجارة المغربية الإسرائيلية بالأرقام الصادمة... يوجد المغرب، وفق وثائق رسمية إسرائيلية صادرة عن المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاءات، ضمن قائمة تضم ما يزيد على 111 دولة تتعامل اقتصاديا وتجاريا وسياحيا مع إسرائيل. رمز المغرب الاقتصادي في القائمة الإسرائيلية الخاصة بالمبادلات التجارية الدولية لإسرائيل، هو «MA464». ويُدرَج اسمه ضمن لائحة دول إفريقيا. وبين هذه الدول بلدان عربية، مثل مصر وموريتاينا والجزائر، وأخرى مسلمة، مثل تركيا وماليزيا. تتيح المعطيات التي تتوفر عليها «المساء» تتبع المسار الدقيق للمبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل، من سنة 2005 إلى حدود شهر فبراير من 2012، الجارية. المعطيات مصنفة ضمن جدولين، يقدم أحدهما معلومات وفق العملة الإسرائيلية ويحصي الآخر التعاملات الاقتصادية بين إسرائيل وبلدان العام بالدولار. كفتا ميزان لنبدأ من الأخير، من شهر فبراير الماضي، إذ تشير المعطيات الإسرائيلية الرسمية إلى أن التعاملات التجارية التبادلية بين المغرب وإسرائيل وصل، في هذا الشهر لوحده، 16 ألف دولار، أي حوالي مليار و354 مليون سنتيم. توزّعَ حجم المبادلات هذا على صادرات المغرب نحو إسرائيل، والتي بلغت 800 ألف دولار، أي 677 مليون سنتيم، وواردات المغرب من إسرائيل، والتي وصلت إلى مليون دولار، أي حوالي مليار سنتيم. تقدم الإحصائيات مقارنة بين المعاملات التجارية التي جرت في فبراير الماضي والشهر ذاته من سنة 2011 المنصرمة، إذ تم تسجيل ارتفاع في الصادرات المغربية نحو إسرائيل، خلال السنة الماضية، من 300 ألف دولار، أي 254 مليون سنتيم، إلى 677 خلال هذه السنة. في المقابل، انخفضت الواردات المغربية القادمة من إسرائيل من مليونين و800 ألف دولار، أي حوالي مليارين و800 مليون سنتيم تقريبا، في شهر فبراير الماضي، إلى مليون دولار، أي مليار سنتيم، في نفس الشهر من السنة الجارية. تتراوح العلاقات التجارية بين المغرب وإسرائيلية، غير المعترف بها مغربيا، بين المد والجزر، هذا ما تؤكده المعطيات الإحصائية التي جرَدت ما تداوله البلَدان من صادرات وواردات في السنوات الأخيرة، والتي سجلت تذبذبا يسير نحو التراجع في العلاقات الاقتصادية بين البلدين. هنا نعود إلى أقدم سنة توفر وثائق «المساء» معطيات بشأنها، ويتعلق الأمر بسنة 2005، ففي هذه السنة، بلغت صادرات المغرب نحو إسرائيل مليونا و400 ألف دولار. في المقابل، وصلت واردات المغرب من السلع الإسرائيلية إلى 11 مليونا و800 ألف دولار. تغير طفيف ستعرفه المبادلات التجارية بين البلدين في 2006، حيث ستصل الصادرات المغربية إلى مليون و800 ألف دولار، بينما ستنخفض الواردات الإسرائيلية إلى المغرب إلى 11 مليون ونصف مليون دولار. تلا هذا التذبذبَ ارتفاعٌ كبير في التعاملات التجارية بين البلدين، ففي 2007، قفزت الصادرات المغربية نحو إسرائيل إلى مليونين و700 ألف دولار، بينما وصلت واردات المغرب من إسرائيل إلى 16 مليونا و600 ألف دولار، في حين سُجل في سنة 2008 ارتفاع الصادرات المغربية إلى ثلاثة ملايين و900 ألف دولار، وحقّقت الواردات الإسرائيلية رقما قياسيا، مسجِّلة 20 مليونا و600 ألف دولار. في سنة 2009، بلغت الصادرات المغربية 3 ملايين و200 ألف دولار، أما الواردات الإسرائيلية فقُدّرت ب13 مليونا و200 ألف دولار. ستسجل الصادرات المغربية في 2010 أعلى رقم للصادرات المغربية نحو إسرائيل، محققة 5 ملايين و200 ألف دولار، فيما انخفضت الواردات الإسرائيلية الموجهة نحو السوق المغربية إلى 13 مليونا و200 ألف دولار. في سنة 2011 الماضية، وفي عز «الربيع العربي»، تراجعت صادرات المغرب نحو إسرائيل إلى 3 ملايين و900 ألف دولار، بينما سجلت الواردات الإسرائيلية رقما قياسيا جديدا ببلوغها 21 مليون دولار (حوالي 17 مليارا و730 مليون سنتيم). في هذه السنوات السبع الأخيرة، وحتى الأشهر الأولى من سنة 2012 الجارية، سجل الميزان التجاري بين المغرب وإسرائيل ترجيحا للكفة الإسرائيلية، على اعتبار أن الواردات الإسرائيلية التي تدخل السوق المغربي أكبرُ بكثير مما يُصدّره المغرب نحو إسرائيل. بلغ هذا العجز في الميزان التجاري في سنة 2005 ما مجموعه ناقص 10.4 مليون دولار، وناقص 9 ملايين و700 ألف دولار في 2006 وناقص 14 مليون دولار في 2007، ثم ناقص 17 مليون دولار في 2008 وناقص 15 مليون دولار في 2009، ثم ناقص 8 مليون دولار في سنة 2010، التي سجلت تطورا للصادرات المغربية نحو إسرائيل، ثم ناقص 17 مليونا وألف دولار في سنة 2011. الأرقام، كما يُلاحَظ، ضخمة وتؤكد أن هناك تعاملا اقتصاديا بين المغرب وإسرائيل يتعدى الأنشطة التجارية المجهرية إلى تنسيق اقتصادي بالملايين، رغم أن أرقام معاملات إسرائيل مع دول أخرى يفوق بكثير تعاملاتها مع المغرب. لكنْ، ما هي تفاصيل هذه المبادلات التجارية؟ وماذا يستورد المغرب من إسرائيل وماذا يصدّر لها؟.. سمك ولحم وأجهزة ومجوهرات تفسر الوثائق المتوفرة، والتي تخص طبيعة البضائع التي يتم تداولها بين المغرب وإسرائيل، سبب عجز الميزان التجاري المغربي.. الأمر راجع إلى أن المغرب، كأي دولة نامية، يصدّر إلى إسرائيل مواد أولية رخيصة الثمن ويستورد منها منتجات مُصنَّعة ذات تكلفة عالية. يصير هذا الواقع أكثر قتامة عندما نكتشف أن إسرائيل تعمد إلى بيع المغرب مواد صنعتها من المنتجات الأولية التي اقتنتها منه.. الوضع مشابه، على ما يبدو، لما يميز تعامل المغرب مع دول تتصدر أسماؤها قائمة البلدان المُصنِّعة والمتقدمة. تستورد إسرائيل، إذن، من المغرب، سنويا، أطنانا من المواد الأولية والمنتجات الطبيعية الغذائية. تأتي الأسماك والقشريات والرخويات في مقدمة ما يصدّره المغرب إلى إسرائيل. وحسب المعطيات الرقمية المتوقفة عند سنة 2008، فإن إسرائيل استوردت من المغرب حوالي 35 طنا من الأسماك، بقيمة 89 ألف دولار. تأتي اللحوم في الرتبة الثانية، حيث استوردت إسرائيل من المغرب، في سنة 2011، 176 طنا من اللحوم، بقيمة 700 ألف دولار، بينما بلغت وارداتها من اللحوم في 2010 حوالي 206 أطنان، كما استورد المغرب، إلى جانب ذلك، ما مجموعه 36 ألف دولار من المنتجات الحيوانية سنة 2010 أيضا، بينما بلغت واردات الحليب ومشتقاته، في السنة ذاتها، ما مجموعه 250 ألف طن، بقيمة 350 ألف دولار. في سنة 2011 أيضا، استوردت إسرائيل من المغرب 17 طنا من الخضر، بقيمة 38 ألف دولار، بينما بلغت وارداتها من الفواكه والخضر المحضرة، في السنة ذاتها، ما قدره 40 ألف دولار. كما أنها تستورد مواد مستخرجة من المنتوجات سالفة الذكر، وبينها الزيوت النباتية والحيوانية والأعشاب ذات الاستعمال الصناعي أو الطبي. إلى جانب الأشجار والمغروسات، تستورد إسرائيل مواد أولية المغرب بنفسه يعاني خصاصا منها، ويتعلق الأمر أساسا بالسكر ومنتوجاته، والذي وصلت ما استوردته إسرائيل منه، في سنة 2010 لوحدها، ما يزيد عن 250 ألف طن، بقيمة 350 ألف دولار. أما الملح فقد استوردت منه إسرائيل من المغرب، في 2010، طنا ونصف الطن منه، مقابل 3 آلاف دولار. ولأن المشروبات الكحولية والجعة، وخاصة النبيذ المغربي، يعد ماركة عالمية مسجلة، فإن إسرائيل استوردت منه، في سنة 2011 مثلا، آلاف القنينات، التي يعادل مجموع ثمنها 178 ألف دولار. تتفرق بقية الواردات الإسرائيلية من المغرب على منتوجات كيماوية غير عضوية، استوردت منها إسرائيل سنة 2011 ما مجموعه 16 ألف دولار، إلى جانب تخصيص 21 ألف دولار للمنتجات الكيماوية و4 آلاف للبلاستيك ومنتوجاته. في حين خصصت آلاف الدولارات الأخرى لاستيراد سلع مرتبطة بالصناعة التقليدية المغربية، وضمنها مواد أولية، مثل الحرير، الذي استوردت منه إسرائيل في السنة الماضية 3 آلاف دولار، والقطن، في حين شملت المصنوعات التقليدية السجاد والأقمشة المطروزة والآلات الموسيقية. شملت الواردات، أيضا، صناعات نسيجية، مثل الملابس وإكسسوارات خاصة بالملابس، والتي بلغت قيمة وارداتها سنة 2011 ما قدره 14 ألف دولار، إلى جانب الأحذية ومعدات أخرى بسيطة التصنيع، مثل الألعاب. هذا، إذن، ما يُصدّره المغرب إلى إسرائيل: كثير من المواد الغذائية الأولية وقليل من المواد المصنعة. وتنعكس القاعدة إذا فتشنا في ما تصدره إلى إسرائيل إلى المغرب: آلاف الآلاف والتجهيزات والمعدات الإلكترونية ومواد فاخرة جدا ومنتجات مصنوعة من مواد أولية يصدرها المغرب، مثل الأسمدة. تصدّر إسرائيل، وفق المعطيات المتوفرة ل«المساء»، مواد كيميائية مستخرجة من أطنان الفوسفاط التي يُصدّرها المغرب. تشمل هذه المنتجات الأسمدة الفلاحية، حيث وصلت صادرات إسرائيل منها إلى المغرب، في 2010، ما مجموعه 800 طن، بقيمة 849 ألف دولار. وتخصص آلاف الدولارات، أيضا، لاستيراد منتوجات كيميائية غير عضوية مستخرجة من الفوسفاط، إلى جانب مواد كيمائية عضوية يتطلب تصنيعها تقنية متطورة. غير أن أكثر ما تُصدّره إسرائيل إلى المغرب هو المعدات الإلكترونية، ففي سنة 2010 لوحدها، استورد المغرب من إسرائيل، وفق الأرقام الإسرائيلية الرسمية التي حصلت عليها «المساء»، ما قدره 5 ملايين و254 ألف دولار (4 ملايير و427 مليون سنتيم) من الآلات والأجهزة الميكانيكية ومعدات الحواسيب، في حين بلغت مخصصات الواردات، من معدات الصوت وأجهزة التلفزة، 564 ألف دولار. بقية ما يستورده المغرب من إسرائيل عبارة عن منتجات مُصنَّعة، مثل المطاط والبلاستيك ومستحضرات التجميل والمواد الغذائية والبسكويت ومواد الصباغة والمصنوعات الجلدية والخشبية والجبسية والزجاجية والألومينيون وسيارات وقطع غيارها والنظارات وأدوات قياس البصر والمعدات الطبية والسجاد والأغطية والقماش.. يتجلى السبق الإسرائيلي على المغرب في التعامل التجاري بين البلدين، أيضا، في تفرد إسرائيل بتصدير مواد ثمينة، بينما الأحجار الكريمة والألماس والمجوهرات الفاخرة، والتي استورد منها المغرب، في سنة 2009 لوحدها، ما قدره 130 ألف دولار، إلى جانب الساعات الفاخرة، التي اقتنى منها ما يقارب 40 ألف دولار في السنة ذاتها، فضلا على الأثاث، الذي خصصت له في 2010 ما قدره 124 ألف دولار، والتحف الفنية الإسرائيلية، التي اقتنى منها المغرب ما قدره 7 آلاف دولار. ليست قوائم الصادرات والواردات بين المغرب وإسرائيل، كما رأينا، محض «سراب» أو «وهم».. هي حقيقة مترجَمة بأطنان من السلع التي تدخل وتخرج من المغرب وإسرائيل، وأصفار عدة خلف أرقام معاملات مالية ضخمة.. لكنْ، كيف تدخل هذه السلع الإسرائيلية إلى المغرب؟ ما هي الشركات والجهات التي تمد هذا الجسر الاقتصادي بين المغرب وإسرائيل؟.. هذا ما سنجيب عن جزء منه في المحور التالي.